اليد العليا في دولة البعث, المخابرات والعسكر , الجزء الأول

بقلم:محمد حسن كيوان و لايندا مرتضى

1– البنية العامة للنظم التسلطية في القرن العشرين
غالباً ما ظهرت النظم التسلطية في القرن العشرين في المجتمعات المأزومة التي تعاني من انقسامات سياسية واجتماعية حادّة تؤدي إلى تقويض نظامها السياسي غير المتجذر أصلاً. حيث يكون ظهور النظام التسلطي تعبيراً عن انتصار تحالف جزء من المجتمع على جزء آخر (1). تبعاً لذلك يمكن التمييز نظرياً بين نوعين من النظم التسلطية: نظام تسلطي يميني يمسك بالسلطة بغرض حماية الفئات المتنفذة التقليدية من إقطاع في الريف ووجهاء المدن، و نظام تسلطي “يساري ثوري” يستحوذ على السلطة باسم الطبقات المهمشة في المجتمع.
بالرغم من اختلاف أنواع هذه النظم وظروف نشوئها وتطورها فإنها تتشارك بالشكل العام في بنيتها التنظيمية. وتمتلك هذه النظم عموماً ثلاث حلقات  أو بنى للسلطة (2):
1-الحزب السياسي الحاكم: الحزب الوحيد في دولة الاستبداد. ورسمياً هو الذي يحكم البلاد ويحتكر الحياة السياسية وهو أداة التعبير السياسية والإيديولوجية عن توجه النخبة الحاكمة في الدولة.
2- البنى المساعدة والبنى الموازية: يتجسد دور البنى المساعدة في حفظ أمن النظام التسلطي والقضاء على منافسيه من الداخل و الخارج وقمع كل حركة مجتمعية  حرة منظمة تتحدى النظام التسلطي. وتندرج أجهزة الأمن و المخابرات والميليشيات شبه المنظمة في هذا الإطار. أما البنى الموازية فهي بنى يطورها النظام التسلطي لتقوم بوظائف مشابهة لوظائف هيئات الدولة الكلاسيكية  ولكن بشكل أكثر ولاءً للنظام الحاكم. وكثيراً ما تلحق هذه الهيئات بالحزب الحاكم (فعلى سبيل المثال، مكتب التعليم العالي و البحث العلمي في حزب البعث يوازي وظيفة وزارة التعليم العالي). حيث يعمل النظام التسلطي من خلال هذه البنى الموازية على الإمعان في اختراق الدولة و المجتمع.3
3- جهاز الدولة: وهو الحلقة الأضعف، يعمل النظام التسلطي على تتطييع أجهزة الدولة المدنية واختراقها وتحويلها إلى ملحقات بالمؤسسات الموازية لها التي يبتدعها النظام ضمن الحزب الحاكم.

يمكن تصنيف الأنظمة التسلطية  في القرن العشرين تبعاً للأهمية وللدور الذي تلعبه كل بنية من هذه البنى (2). ففي الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال، وهو أكثر هذه النظم تطوراً ومؤسساتية، كانت الكلمة الأولى والأخيرة للحزب الشيوعي. وباستثناء بعض الفترات المتقطعة، مثلاً في أواخر الثلاثينات عندما أعمل ستالين يد المخابرات في رقاب أهل الحزب، كان الحزب الشيوعي هو الآمر الناهي المتحكم بشكل تام بالأجهزة القمعية والمسيطر بشكل كامل على الدولة  (2).
أما في ألمانيا الهتلرية مثلاً، فقد استخدم هتلر حزبه النازي كأداة للمشاركة في الانتخابات والظفر بالسلطة إلا أنه فقد اهتمامه تدريجياً بالحزب وبكوادر الحزب بعد ذلك وأصبحت “البنى  القمعية المساعدة”  من SS  وغيرها تشبّح على الحزب دون رادع (2).
ولعل ما يميز التسلط العربي هو أنه تسلط أمني عسكري بالدرجة الأولى تتركز السلطة فيه بأيدي مجموعة من الضباط الذين قد  يستخدمون أحد الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية واجهة سياسية أيديولوجية لنفوذهم.
يمثل النظام السوري منذ 1970  نموذجاً نمطياً للنظم التسلطية العربية. كما هو حال نظرائه من النظم التسلطية الأخرى، يعتمد هذا النظام على حلقات ثلاث، الحلقة الأهم هي الحلقة الأمنية ـ العسكرية، ومن ثم الحلقة الحزبية (حزب البعث العربي الاشتراكي)، وتشّكل الدولة، وهي الحلقة الأخيرة، الوجه الرسمي للنظام.
بعد انقلاب الثامن من آذار، لم يستطع الحزب فرض نفسه بصفته مؤسسة جامعة للنخبة الحاكمة الجديدة، فسرعان ما ظهرت التشظيات العميقة واضحة في بنية المؤسسة العسكرية التي جلبت الحزب إلى السلطة. فكانت الانقسامات و المؤامرات في عقد الستينيات تبنى على أسس طائفية و مناطقية (3).وقد عجز سياسيو الحزب،  بنفس الطريقة التي عجزت فيها الطبقة السياسية الحاكمة قبل 1963، عن إيقاف الصراع الدائم بين الضباط المتهورين. أي أنه وعوضاً عن استقرارالحكم من خلال المؤسسات الحزبية وتحقيق الديموقراطية الحزبية التي كان يحلم بها الجناح المدني من الحزب، لم تستقر الأمور إلا بعد التخلص من القيادة المدنية للحزب و بعد أن تمكن حافظ الأسد من تشكيل كتلته الخاصة في الجيش والتي استخدمها لاحقاً للوثوب إلى السلطة (4).
بعد ظفره بالسلطة، رتب الأسد مكونات نظامه بشكل يعكس نظرته للسلطة بصفته رجلاً ذا ثقافة مخابراتية مهتم بالمسألة الأمنية و بالحفاظ على السلطة بالدرجة الأولى (5 صفحة 13). أي بمعنى أدق، يمكن القول إن الأسد الأب فصّل نظام الحكم في سوريا ليكون على شكل ثلاث دوائر أو حلقات تتحد في المركز عند شخصه هو. هذه الدوائر هي:
الحلقة الأمنية ـ العسكرية  (تندرج تحت المؤسسات المساعدة والموازية وفقاً للتصنيف المذكور اعلاه).
حزب البعث العربي الاشتراكي.
جهاز الدولة الرسمي.
يمكن فهم مصطلح “النظام” على أنه الحلقتين 1 و 2، أما الدولة فهي الحلقة الثالثة (انظر الشكل 2). في هذا الجزء سوف نقتصر على دراسة طبيعة و دور الحلقة الأولى وسنترك شرح دور الحلقتين الأخرتين إلى الجزء الثاني الذي نقدم فيه أيضاً مقارنة تظهر مجال نفوذ كل من الحلقات بالإضافة إلى التطور في بنية هذا النظام الثلاثي عبر العقود إلى التوريث. أما الحلقة الثالثة فتخصص لدراسة التغييرات التي طرأت على بنية النظام منذ التوريث و حتى اليوم.
2- دوائر السلطة في “سوريا الأسد”:
2.1 الحلقة الأمنية (الدولة العميقة):


في سوريا، البلد الذي عرف أكثر من دزينة من الانقلابات والمحاولات الانقلابات الفاشلة، كان الوصول إلى السلطة يعتبر الخطوة الأسهل. أما المشكلة التي استعصت على الأجيال المتعاقبة من الجنرالات والسياسيين هي كيفية الحفاظ على السلطة. وقد بقيت السلطة في أيدي من سبقوا الأسد من “انقلابيين” مدة تتراوح بين بضعة أشهر كما هي حال حسني الزعيم وسامي الحناوي ومالا يزيد عن نصف عقد كما هي حال أديب الشيشكلي وفريق صلاح جديد الذي انقلب عليه الأسد. لذلك، فإن اهتمام الأسد الأكبر، انصب دائماً على الحفاظ على السلطة في وجه كل المنافسين المحتملين.
لتحقيق هدفه هذا، اعتمد الأسد على فرق عسكرية خاصة شكّلت هذه الفرق جيشاً موازياً (سرايا الدفاع، القوات الخاصة، الحرس الجمهوري) مهمته حماية النظام والرئيس.
إلى جانب هذا الجيش الموازي، بنى الأسد شبكة من الأجهزة الأمنية المتنافسة التي تراقب كل من الجيش وأجهزة الإدارة المدنية و تراقب بعضها. صممت هذه الأجهزة لتكون فوق القانون ولا تخضع إلا لسلطة الأسد الشخصية. بهذا يشكل الجيش الموازي مع الأجهزة الأمنية المذكورة درع النظام الذي يعطيه الحماية من أي محاولة انقلابية. ومستقبل النظام مرهون بهذا الدرع، وهو القابض الحقيقي على السلطة في البلد، والناظم لعمل كل المكونات الأخرى والضامن لأمن وسلامة النظام.
وضع الأسد نفسه في مركز هذا التحالف الأمني- العسكري أوما نسميه بالحلقة الأمنية، و وزع حوله أفراد عائلته وأبناء عشيرته الأقربين وبدرجة ثانية أبناء طائفته من العلويين. صمّم الأسد الهرم القيادي لهذه الحلقة من كبار ضباط الأمن المحيطين به على أساس عصبوي. تشكل هذه الحلقة الأمنية ـ العسكرية المبنية على العصبية العشائرية والطائفية مجموعة فوق الدولة تبدو كأنها قد خطفت الدولة أو امتلكتها (6) (7).
وبما أن الأسد صمم حلقته الأمنية على أساس عصبوي يتفق إلى حد بعيد مع مفهوم العصبية الخلدونية (ابن خلدون) حيث “يستخدم السلطان عصبته للقتال ضد كل من يثور على حكمه وسلالته”، فغالباً ما كان تراتب النفوذ أو السطوة حتى ضمن الحلقة الأمنية و العسكرية المقربة لا يتوافق مع الهرمية الرسمية. بل يتبع النفوذ الحقيقي لضابط ما لمستوى قرابة الدم مع رأس النظام. ففي أوائل التسعينيات على سبيل المثال، كان باسل الأسد هو الآمر الناهي الفعلي للحرس الجمهوري. رغم كون عدنان مخلوف، وهو ابن عم زوجة حافظ الأسد، القائد الرسمي لهذا الحرس الذي كان تعداده أكثر من 26 ألف مقاتل.
طبعاً و كما هو معروف، لا يقتصر بناء العصبيات العشائرية والطائفية على الحالة السورية فقط، فهذه الممارسة منتشرة في العديد من الدول العربية حيث تلجأ النظم الحاكمة لذلك بغرض تحصين نفسها من الإنقلابات  « Coup Proofing »و ضمان ديمومة حكم الطغمة الحاكمة. في العراق مثلاً، اعتمد صدام حسين على عائلته وعشيرته الأقربين بشكل واسع في الأجهزة الأمنية و الحرس الجمهوري (8). إضافة إلى ذلك، فإن هيمنة الأقليات والريف بشكل عام على أجهزة الأمن والجيوش في المشرق العربي هي ظاهرة قديمة العهد تعود جذورها إلى عصر الانتداب الغربي، عندما فضلت سلطات الانتدابين البريطاني والفرنسي تجنيد أهل الريف والأقليات في الجيوش الوطنية الناشئة لموازنة نفوذ وجهاء المدن وهم الذين كانوا أهل الحظوة في القرن العثماني الأخير. في الأردن مثلاً، وهو البلد المتجانس طائفياً، اعتمد الجنرال الإنكليزي غلوب باشا عند بنائه الجيش الأردني على رجال القبائل البدوية في الريف مكرساً بذلك تحالفاً مستداماً بين العرش الأردني و الريف لأنه أقل تسيساً وبالتالي أقل ميلاً نحو اختلاق المشاكل للعرش الوليد (9 صفحة 262).
وجد الباحث فلسطيني الأصل حنا بطاطو في كتابه الشهير حول التركيبة الطبقية والطائفية للمجموعة الحاكمة في سوريا، أنه ضمن الواحد والثلاثين ضابطاً الذين شغلوا المناصب الأكثر أهمية في سوريا (قيادة الجيش و قوات النخبة و رؤساء الأجهزة الأمنية و أجهزة المخابرات) بين عامي 1970 و 1997، هنالك مالا يقل عن تسعة عشر ضابطاً منهم ينتمون إلى الطائفة العلوية. ثمانية من التسعة عشر ينتمون إلى “الكلبية” عشيرة حافظ الأسد وهم (رفعت الأسد، عدنان الأسد، باسل الأسد، بشار الأسد، شفيق فياض، غازي كنعان، محمد ناصيف، علي أصلان) أما نصيب باقي العشائر العلوية فهو 4 من عشيرة الحدادين، عشيرة زوجة الأسد، 4 من الخياطين، و 3 من المتاورة (10 صفحة 224) . لا يعكس توزيع المناصب بهذه النسب الوزن العددي لكل عشيرة من عشائر العلويين (11 صفحة 9) بل يدل على أن الأسد أعطى لعشيرته، “الكلبية”، الوزن الأكبر في مركز القيادة. لا يتسع المقال هنا لتقديم الأجهزة الأمنية المختلفة التي بناها حافظ الأسد وهي التي تزيد على 15 وشرح اختصاصاتها ويمكن للقارئ المهتم بهذا الموضوع العودة إلى (12).
بشكل عام، غالباً ما مكث هؤلاء الضباط من الحلقة العشائرية والطائفية المقربة في مناصبهم لعشرات السنين على عكس غيرهم من الآخرين الذين كانوا يأتون و يرحلون بسرعة (باستثاء مصطفى طلاس، وزير الدفاع و حكمت شهابي، رئيس الأركان). فاللواء محمد ناصيف مثلاً، وهو أحد الأقرباء البعيدين للأسد، ورغم أنه ترأس المخابرات الداخلية وهو المنصب الذي يتبع نظرياً لرئيس المخابرات العامّة، بقي ناصيف في هذا المنصب لأكثر من ثلاثة عقود كما استمر يلعب دوراً أساسيا ًبعد ذلك في عهد بشار الأسد. فيما تعاقب على منصب رئيس المخابرات العامّة (وهو المركز الأعلى نظرياً من مركز ناصيف) أكثر من خمسة ضباط مخابرات جلّهم من غير العلويين كل منهم خدم النظام لسنوات معدودة فقط.
ومثال آخر اللواء علي دوبا، الذي استمر في منصبه رئيساً للمخابرات العسكرية ما لايقل عن 28 عاماً بدّل خلالها الأسد خمسة رؤساء وزراء (10 صفحة 240) (13).
كانت قيادة المخابرات الجوية من مواقع الأسد المفضلة أيضاً والتي حرص أن يستمر فيها أحد الضباط المقربين وهو اللواء محمد الخولي، والذي ظلّ في هذا المنصب من سنة 1970 إلى سنة 1987 حينها يقال إن الأسد اضطر لإقالته على خلفية مشكلة خليل هنداوي وموضوع طائرة “إل عال” الإسرائيلية حيث تم استبداله بإبراهيم حويجة ابن عشيرة الخولي (10 صفحة 241) .
على العكس من غيرهم من الضباط الذين لا ينتمون إلى الدائرة العشائرية ـ الطائفية المقربة (ربما باستثناء وزير الدفاع مصطفى طلاس و مجموعة ضباط الرستن)، تم  السماح لهؤلاء الضباط بتشكيل مجموعات من الأتباع الذين كانوا غالباً من “جماعة” ومحسوبي الضابط المعني في المؤسسات التي مكثوا فيها لعقود وفي مؤسسات الأمن والجيش الأخرى على أن تقف هذه الظاهرة عند حد معين بحيث لا تصبح إحدى الكتل أقوى مما يجب وبحيث يبقى حافظ الأسد قادراً على موازنة إحداها بالأخرى. (10 صفحة 240)(2).
لم تقتصر هيمنة الضباط العلويين على الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وسرايا الدفاع فقط، بل امتدت إلى الجيش النظامي الرسمي أيضاً. ففي أوائل الثمانينات، على سبيل المثال، كانت غالبية قادة الفرق العسكرية في الجيش السوري من الضباط العلويين: إبراهيم الصافي (الفرقة الأولى) و شفيق فياض (ابن خالة الأسد ـ الفرقة الثالثة) و علي حبيب (الفرقة السابعة) و علي عباس (الفرقة التاسعة) و توفيق جلّول (الفرقة الحادية عشرة). أما الضابط الوحيد غير العلوي الذي حظي بمنصب قائد فرقة هو أحمد مهدي، السني الذي حصل على مركز رئاسة الفرقة الثالثة عشرة تقديراً لدوره الحيوي في كشف محاولة انقلابية مدعومة من العراق عام 1982 (7).
ما سبق لا يعني بتاتاً أن النظام هو نظام العلويين ككل، بل يذهب الكثير من الباحثين إلى القول أنه نظام يهيمن فيه بعض العلويين على الأجهزة الأمنية والعسكرية الممسكة بالحكم وتُستخدم فيه الطائفة العلوية درعاً عازلاً يحمي النظام من المجتمع و تشكل الخزان البشري الذي يستخدمه النظام وقوداً للبقاء على رأس السلطة (11). كما أن هيمنة بعض الضبّاط العلويين على قيادات الجيش والمخابرات لا تعني أبداً أن رجال الأمن العلويين هم فقط من يقوم بالقمع و لا ينفي كون المعارضين العلويين يشكّلون جزءاً من ضحايا هذا الجهاز الأمني الكبير.
2.1.1 مركز حافظ الأسد:
كان موقع حافظ الأسد هو مركز الحلقات الثلاث فهو في نفس الوقت “زعيم” كل الأجهزة الأمنية و”معلّم” كل ضباط الأمن، كما أنه رئيس الدولة والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي. لكن دور حافظ الأسد يختلف عن بقية ضباط الأمن: فيما يتوضع قادة الأجهزة الأمنية بعيداً عن الأضواء وعن مناصب الدولة الرسمية (حتى العسكرية منها التي يشغلها ضبّاط كثيرو الظهور وقليلو النفوذ وغالباً ما يكونون من غير “المقربين” (14) (7) (3) ).  يتميز حافط الأسد عن بقية رجال هذه الحلقة من أساطين الأمن، بحقوق الظهور العام  ومزاولة منصب الرئيس الرسمي للدولة. أي أن حافظ الأسد هو الرجل الوحيد في سوريا الذي يمتلك سلطة أمنية ناجمة عن تربعه على قمة منظومة أمنية عملاقة تصل إلى كل قرية وناحية في سوريا وتحصي أنفاس السكان، وبنفس الوقت يستحوذ على أعلى منصب رسمي في الدولة (الرئيس) وأعلى منصب في الحزب الحاكم. أما مسؤولو الدولة الآخرين فتقتصرسلطتهم على ما يحظون به من تفويض من الرئيس نفسه. وهكذا فإن السلطات الاستثنائية التي يتمتع بها الأسد دون غيره من موظفي الدولة ناتجة عن زعامته المطلقة لهذه الحلقة الأمنية العسكرية ونفوذه في هذا يشابه ما كان يتمتع الزعماء الجرمان الذين كانوا يشغلون مناصب عسكرية في الإمبراطورية الرومانية، بحيث كانت أهمية هذا الشخص ناتجة عن كونه زعيم قبيلته أكثر من كونها ناتجة عن منصبه الرسمي.
2.1.2 حدود سلطة الحلقة الامنية:
لا تخضع أجهزة الأمن لسلطة ما عدا سلطة زعيمها حافظ الأسد. وهي طليقة اليد تقريباً في التدخل في شؤون الحزب والإدارة المدنية للدولة. لا تعرف هذه الأجهزة أي قانون يحد من سلطاتها بل إن القانون السوري يحمي مجرميها بشكل صريح. فلكل فرع من الأفرع الأمنية استقلاله النسبي وله رجاله وقوانينه وسجونه الخاصة. ولكن غالباً ما يتداخل عمل هذه الأجهزة الأمنية مع بعضها مما يخلق جواً من التنافس فيما بينها ويجعل كلاً منها حريصاً على عدم تمدد نفوذ الآخر أكثر مما يجب. وبهذه الطريقة يضمن حافظ الأسد السيطرة على جميع المتنافسين.
ولكن مهما بلغ النظام الأمني القمعي من الشراسة، فإنه لا يمكن أن يكون كافياً للتمسك بالسلطة لفترة بهذا الطول، كما أنه لا يمكن لنظام، مهما اتسعت سيطرة أجهزته الأمنية، تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأجهزة الأمنية وحدها لا تستطيع أن تؤمن للنظام إدعاء شرعية الاشتراكية أو المقاومة وتحقيق الحد الأدنى من ما يسميه النظام بـ “الديموقراطية الشعبية”. من هنا، يبرز الدور المهم الذي لعبه حزب البعث العربي الإشتراكي في تأمين ما سبق و نشر بروباغاندا النظام في الداخل والخارج. و “دور الحزب” هذا هو ما سنبدأ بدراسته في الجزء الثاني من هذا المقال.
يتبع……

Submit to StumbleUponhttps://encrypted-tbn1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcThXbm4i8ZIwE5D_5NSWo-QiGNM2psGLHwKrsE7H5bw-IKCD23XDigg ThisShare via email

Tags: , ,

Leave a Reply

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *