سمير صادق:
هل يتنظر عاقل من التطور الديموقراطي العربي أن لايتعثر ؟ وهل توجد معطيات تؤكد حتى نجاح القدر الأدنى المتواضع منه ؟ وهل عمل العرب , باستثناء السنين القلالئل الأخيرة , شيئا جديا بخصوص السير في الطريق الديموقراطي ؟ , ومن هم أولئك الجادين في تطور ديموقراطي ؟ ثم هل توجد ارادة “شعبية”مستقلة وانما يوجد من هو قييم على هذه الارادة ؟ , هل توجد أصلا “شعوب ” عربية بمعنى “شعب ودولة ” لهذه الكلمة ؟ وهل تصلح الديموقراطية لجماعات تسيطر عليها الصفة البدوية والعشائرية والعائلية ؟؟.. هناك المئات من الأسئلة حول هذا الموضوع , وبالمقارنة مع الشعوب الأخرى يمكن القول على أن العرب هم أكثر شعوب الأرض حديثا عن الديموقراطية , وأقل شعوب الأرض تمتعا بها .
للمفارقة بين كثرة الحديث وقلة التمتع اسبابها , فالعربي هو انسان كغيره يطمح لما هو أفضل , لذا يتحدث عن الأفضل, والحديث عن الأفضل لايخضع لقيود موضوعية , بينما التمتع بالديموقراطية يفترض وجودها أولا ,والوجود يتطلب تحقيقها ثانيا, والتحقيق يخضع لاعاقات وتأثيرات موضوعية قد تكون تاريخية أو آنية أو خارجية أو داخلية ..الخ …العين بصيرة , واليد قصيرة !.
تشابك الأمور وتضاد أو تعاضد المعطيات التاريخية , ثم تداخل المصالح وتباينها ..كل ذلك يؤكد حقيقة , ألا وهي ان “التعثر” في في التطور الديموقراطي هو الثابت الوحيد , وهو العنصر الذي يتوقعه كل عاقل , الا أنه أيضا العنصر الذي اعتمدت عليه الديكتاتوريات لتبرير وجودها واستمرار هذا الوجود , وأطلقت الديكتاتوريات على هذا العنصر أسماء مختلفة ,مبارك سماه “الفوضى” وقال اما أنا أو الفوضى , وبشار سماه نهاية وجود سوريا ..التقسيم والتشرذم ثم نهاية المقاومة وتمدد اسرائيل من الفرات الى النيل .. أي الهلاك النهائي, والفرق بين تقديرات مبارك وتقديرات الأسد هو التالي , فمبارك حذر من عواقب تلقائية , أما الأسد فقد تحدث عن عواقب تلقائية اضافة الى “العقاب ” الذي سينزله بحق الدواب السوري , اذا تجرأت الدابة السورية على رفضه وطالبت برحيله أو ترحيله , لذا فان المغامرة السورية من أجل حياة أفضل خطرة جدا ففي حال الفشل , سيبقى الداء الأسدي موجودا , وقبل النجاح سيحرق الاسد البلاد , ومن يصدق مضمون هذه المعادلة لايثور ويفضل البقاء “كدابة ” مع الأسد الى الأبد . لذا يمكن القول على أن التاريخ العربي الحديث والقديم أيضا , لايعرف فعلا جادا من أجل الديموقراطية , واذا اقتصرنا في تقييمنا للتطور على فترة مابعد الاستقلالات العربية , سنجد بكل وضوع على أن العمل الجاد كان في اتجاه تدعيم الديكتاتوريات , أي في العمل على ” الوقاية ” من الديموقراطية , وهل يمكن للديموقراطية أن تسقط من المريخ أو تأتي من الوحي عن طريق الملاك جبريل ؟؟؟ لم نزرع لنحصد ,لنزرع أولا ثم نحصد ثانيا .
ماحدث في مصر ليس الا “عثرة” متوقعة وطبيعية , وتبوء الاخوان موقف المدافع عن الشرعية ايجابي تربويا , لعلهم يستمرون في هذا الطريق !, نحن في مصر أمام صراع بين شرعية دستورية وشرعية ثورية , اي ان حديث الجميع ينصبغ بصبغة “الشرعية ” وفي حد ذاته يعتبر هذا التطور جيدا جدا .
لايمكن التحدث عن هذا الموضوع بدون التطرق الى تعليقات السيد بشار الأسد , الذي هو رئيس هذه الجمهورية المتعثرة , فبشار الأسد اعلن انتصاره على الاسلام السياسي , والآن يستلقي مستريحا منشرحا , لاهم ولا غم , وقد حرر القصير من أهل القصير وجاء بأحبابه وأصحابه من المرتزقة , وقضى على الوجود الثوري في القصير , ويريد القضاء على الوجود الثوري في كامل البلاد, بماذا ؟ .
طبعا بمحور المقاومة والممانعة , أو بالمحور الشيعي المؤلف من الأسد مضافا اليهة نصر الله والملالي , وهل من العيب تسمية المحور بالمحور الشيعي ؟ لاعيب في ذلك لأن نصر الله قالها صراحة على أنه يريد حماية الشيعة (30000 ) , وبعد التحرير رفرفت راية الحسين على المساجد , ثم انه مهتم جدا بمرقد السيدة زينب , وكل هذه الأمور شيعية بحتة , ونصر الله لم يصرح على أنه مهتم بمرقد مار مارون , ولو قام سمير جعجع بغزو سوريا من أجل مرقد مار مارون , لقلنا على أن جعجع طائفي ماروني , ذلك لأن تطبيق آلية حماية المراقد على كافة الطوائف والملل والقوميات سيحول سوريا الى بنية شبيهة ببنية جبنة الروكفور .. عفن وتنخر !. انها نهاية وجود سوريا كدولة ,
اشمئزاز الأسد من الاسلام السياسي يشبه اشمئزاز العاهرة من عهر الغير , ألا يمكن القول بدون تردد على أن نصر الله وحزبة الشيعي ونشاطه السياسي هو عين وعقل وقلب الاسلام السياسي , وهل يمكن تعريف سلطة الملالي بأنها شيئ آخر غير الاسلام السياسي ؟ ثم الأسد وفرقته العلوية وهيمنتها ودوغماتيكيتها وتوريثها للسلطة وتطبيقها للأفضلية العلوية في كافة المجالات , أليس هذا اسلام سياسي , وذلك على فرض ان الشيعة والعلويين هم مسلمون أيضا , والاسلام لايقتصر على السنة فقط ..قل لي من تصاحب , أقول لك من أنت !.
لو فرضنا جدلا على الأسد ومنظومة الأسدية لاتمت للاسلام السياسي بصلة ,وأن المنظومة الأسدية هي آخر معاقل العلمانية في الشرق (مقولة السيد الرئيس ) , أليست الأسدية هي الممارس الأول لعملية “التجهيل السياسي” شعبيا , ومن هو ذاك المتآمر الذي ادخل “الأمية السياسية ” في البلاد , انها الأسدية التي ألغت السياسة على المستوى الشعبي , وبالتالي فتحت الباب على مصراعيه لتسلل الاسلام السياسي الى الداخل , من يلغي المرجعيات السياسية , سيجد المرجعيات الدينية الطائفية , والأسد حصد مازرع , الاسلام السياسي يهيمن شعبيا في سوريا , وهناك صراع دموي بين الاسلام السياسي السني وبين الاسلام السياسي العلوي-الشيعي , ولا أثر لوجود ماهو علماني , وادعاء الأسد بأنه آخر العلمانيين في الشرق , ليس الا هراء .