دعم روسيا وايران للنظام السوري , ولشخص الأسد خاصة , هو أمر ذو علاقة بمصالح روسيا وايران اولا , ولا أظن على أن مصالح الشعب السوري تلعب هنا عمليا أهمية كبيرة , وذلك بالرغم من تصدر عبارة “مصالح الشعب السوري ” كل تبرير لأي موقف سياسي روسي أو ايراني , وبالرغم من النفي المتكرر لأولية مصالح روسيا أو ايران , هذا النفي هو أمر معتاد في السياسة الدولية , ولا أريد القول على أن الدجل السياسي يقتصر على هاتين الدولتين , الدجل هو الأساس لكل تداول سياسي عالمي .
لاشك بأن السلطة السورية , وخاصة رأسها لايريدون تدخلا أجنبيا يقود الى زوال السلطة وزوال رأسها , أي أن رفض التدخل الأجنبي الغربي هو لحماية السلطة ,ولا علاقة له بحماية البلاد من الخراب , ولايمكن لتجنب الخراب أن يكون له أي قيمة في هذا الرفض , وذلك لأن السلطة لاتتورع اطلاقا عن احداث أي خراب مهما كان حجمه ..تدمير مدن وتدمير أحياء وقتل وتشريد وسجن لعشرات الألوف وحتى احراق الغابات والمحاصيل كان من ضمن الاجراءات الأمنية , التي مارستها السلطة بكل انشراح وثقة وفخر بها أيضا , والقول على أن الخراب سيكون أكبر في حال تدخل غربي يزيل السلطة ورأسها ى هو أمر افتراضي , والجزء الأكبر من هذا الخراب الافتراضي المنتظر سيكون من صنع السلطة , التي ستلجأ في هذه الحالة الى الاعتماد على عنصر “التخريب” لمنع وتمييع هذا التدخل .. ومن مظاهر التخريب المنتظرة توسيع رقعة الحرب الأهلية الطائفية ثم دمج لبنان في قائمة التخريب , وبشكل عام يمكن القول على أن شعار “الأسد , أو نحرق البلد” هو شعار ينطبق على الحراك الداخلي وعلى التدخل الخارجي , أي محاولة لترحيل الأسد , ان كان منبعها داخلي أو خارجي . ستقود الى حرق البلد , ومن سيحرقه هم جماعة الأسد ..هكذا يروجون وهكذا سيفعلون , وهم جادون في في ذلك .
رفض التدخل الخارجي ليس رفض مبدئي , وذلك لأن السلطة , عن دراية أو عن غير دراية, انزلقت , من حيث تريد أو لاتريد, في مطب الأسر الخارجي من جهة معينة روسية وايرانية , وأصبح من يتكلم من أجل النظام هو لافروف وليس المعلم , وقد استساغت السلطة طعم هذا الأسر , لأنه انقذها من خلال الفيتو عدة مرات , دون أن تلاحظ السلطة مغبة هذا “الانقاذ ” , فالانقاذ حمل بين طياته الكثير من المخاطر , ومن أهم هذه المخاطر هو تأثير هذا الانقاذ على الموقف الداخلي للسلطة تجاه المعارضة بشكل عام , ولا أريد هنا تقسيم المعارضة الى خارجية وداخلية , هذا التقسيم لئيم جدا , خاصة عندما نعرف على أن هناك مايقارب 18 مليون سوري يعيشون في الخارج مقارنة ب 23 مليون سوري في الداخل , وعندما نقسم نقوم بوضع تفاوت وتباين بين الداخل والخارج , أي أن الخارج أقل أو أكثر أهمية من الداخل , وهذا أمر لايسقيم مع مبدأ وحدة الشعب السوري ولا يريده عقليا أحد .
التأثير الغير بناء على السلطة اتخذ عدة أشكال ,وأول هذه الأشكال هي الشروع في الحل الأمني , الذي طالب به الروس وجهزوا له السلاح , والحل الأمني لم يكن بمنتهى السوء , لو تيسر له أن يجدي بوقت قصير وخسائر مقبولة , الا أنه لم يجد , ولم تتمكن السلطة من قطع كل أمل به , استمرت في الانصياع لمطالبه , بتشجيع من روسيا وتزويد بالسلاح الروسي , وكلما غرقت السلطة أكثر في مستنقع الحل الأمني تناقصت امكانياتها على المناورة وامكانياتها على تغيير المسيرة , والآن أصبحت سجينة لهذا الحل بشكل مطلق ..اما قاتل أو مقتول , ومن ينتهي في سسياسته الى مبدأ القاتل أو المقتول , هو انسان مفلس سياسيا وفاشل بشكل مطلق , اذ أنه من أكبر الأخطاء أن تصل الأمور الى هذا الحد .
الحل الأمني مثل الطريقة الروسية في حل المشاكل الداخلية , وفي هذا الحل العقيم وظفت السلطة كل امكانياتها , واستنزفت القسم الأعظم منها ,وبنتيجة ذلك لم يبق عند السلطة أي اهتمام بالمعارضة الغيرمسلحة , وعدم الاهتمنام بالمعارضة الغير مسلحة له اسبابه , والأسباب هي القناعة بأن السلطة , دون أي اصلاح ملموس , متأكدة من بقائها بفضل الفيتو الروسي , الذي حذف امكانية التدخل الخارجي , وبالتالي أعطى السلطة الكثير من الشعور المزيف بالأمان , وانقص من مرونة السلطة , ومن امكانيتها تقبل حلول وسط , لقد دفع السلطة الى التشنج والى رفض كل تنازل عن أي شيئ , ولماذا تتنازل السلطة عن أي شيبئ؟ , لطالما تجلس في قلعة الفيتو الروسي الحصينة! , الفيتو الروسي قاد الى الاحجام عن الكلام ..لغة الرصاص تتكلم , ولا يعلو ضجيج الرصاص أي صراخ … السلطة تستمد قوتها وثباتها من الفيتو , وليس من التوصل الى حل يرضي الجميع ويتطلب تنازلات من الجميع , لقد اغلق الفيتو السلطة على نفسها وأبعدها عن الجو الداخلي , وأقنعها بالاعتماد على الخارج , وبذلك تقلصت واندثرت كل امكانيات الانفراج , ووصلت البلاد الى الحلقة المعيبة ..اما قاتل أو مقتول , اي الى افلاس السياسة التام .
اذا ساعد الفيتو الروسي السلطة على البقاء , فانه دمر البلاد , لأنه حذف امكانيات الحل التفاهمي ,أيضا لأنه شجع السلطة بشكل غير مباشر على الخروج من الشرعية الدولية , ,فالسلطة لاتهتم ولا تأبه بما يقرره مجلس حقوق الانسان , ولا ترصد السلطة أي أهمية لمحكة الجنايات الدولية ولا لمقررات أي جهة أممية , الفيتو الروسي يمنع عرض القضية على هذه المحكمة , وبالتالي لاخوف من التمرد , ولا خوف من مناصبة العداء لمعظم دول العالم , لطالما الفيتو موجود , والسؤال الكبير هنا , من يضمن ثبات الفيتو الروسي ؟ وهل يشكل الفيتو عقبة لايمكن تجاوزها ؟والجواب واضح , لاضمان لثبات الفيتو الروسي , ويمكن تجاوز الفيتو وهذا ماحصل في العراق وفي يوغوسلافيا , واذا منع الفيتو الروسي التدخل المباشر , فانه لايستطيع منع التدخل الغير مباشر , وما نشاهده الآن هو نتيجة للتدخل الغير مباشر الذي لايقوى أي فيتو على منعه ..بالنتيجة خسرت البلاد الكثير , والسلطة ستخسر أكثر ..لربما وجودها بكامله , وما ليبيا والعراق الا أمثلة حية عن ذلك