الحرب الأهلية الباردة والساخنة

توجد في سوريا ثوابت لم تتغير في السنة الأخيرة الا كما , فحالة الحرب الأهلية  مستمرة  منذ عام 1963 , وفي شطرها الأول , اي حتى بداية عام 2011 , كانت هذه الحرب  باردة بعض الشيئ , واصبحت في شطرها الثاني  منذ بداية عام 2011 ساخنة جدا , والحرب الأهلية السورية الباردة  تخللتها فترات ساخنة قصيرة , فترة عام 1982  , والفترة التي حدث بها المجازر الكبيرة  في تدمر وصيدنليا  وحلب ..الخ , وهذه الحرب الباردة الأهلية السورية  تميزت بتفوق  واضح للسلطة  , التي قامت في الأربعين سنة الماضية  بممارسة كل مايمارسه  المستبد , من خنق الحريات  الى الاعتقالات الى  نهب الوطن  وسرقته , الى  مكافحة الديموقراطية , واشاعة الفساد الذي تحول الى دستور غير مكتوب , ثم تعطيل  المؤسسات , ووضع كل  مقدرات البلاد بيد واحدة  , تتصرف كما تمليه عليها نزواتها  ورغباتها  , حتى تحول الوطن الى مزرعة خاصة , ألغيت الأحزاب الساسية عمليا , ومن الأحزاب التي ألغيت  بطريقة خاصة كان الحزب الذي  امتطته السلطة للوصول الى اهدافها ..كل ذلك في ظل قانون الطوارئ , الذي لاتعرف دولة  في هذا الكون  قانونا مشابها له  من حيث عمره  ومن حيث  همجيته  , انه القانون الأطول عمرا في تاريخ البشرية , وطول مدة هذا القانون  سجل رقما قياسيا , والتاريخ سوف يسجل للبعث  هذه المقدرة , التي  سيفخر بها  لو بقي في الوجود .

نشاطات البعث  , الذي تحول الى  الأسدية  , تكللت  أخيرا بحرب أهلية   لاتفوق وحشيتها   وحشية أي حرب أهلية أخرى , والتاريخ سوف يسجل للمجتمع السوري حكومة وشعبا هذا التفوق في مضمار الحيوانية , التي ترعاها الأصوليات  ,  التي تجد  حاضنا لها في هذا المجتمع جكومة وشعبا , حيث لم تقصر جهة من الجهات  في العودة الى الأصول الحيوانية للمخلوق البشري .

من يدعي على أنه فوجئ بالحرب الأهلية السورية ثبت قصوره  , ولا أدعي شخصيا  عدم القصور  , الا أن الأحداث الأخيرة  ساعدت في فهم منظومة هذه الحرب , التي لايمكنها أن تحدث الا بتأثير “منظومات ”  متكاملة من الدوافع , التي تنتج عن خلل في الهيكلية السياسية والاجتماعية  , وعن فشل  النظام في  تحقيق الأهداف التي التي عبر عنها واعلنها  من مساواة  ونظافة وحرية واشتراكية   وديموقراطية  وبحبوحة  وعدالة اجتماعية  واستقرار , وعن الاستقرار يجب الكلام  , لقد كان الشعب السوري فرحا بما قيل له  على أنه استقرار , وبالنتيجة تبين على  ان هذا الاستقرار لايعني الا اسقرار الفساد , ولا يعني الا استقرار منظومة الاستبداد  , التي تعني عمليا  تفوق هائل للمستبد  , مقابل ضعف هائل عن  العبد , فالوضع مستقر تماما في هذه المنظومة , التي ارتجت  بعض الشيئ  مؤخرا  بعد أن ضعف المستبد  وتقوى العبد , لم يكن هناك اسقرار   أفضل من استقرار المقابر .

من لم يع وجود الحرب الأهلية الباردة  , ومن اعتقد بصحة منظومة “الاستقرار” , ومن  تبلد حسه ولم يشعر بالاحتقان , ومن  كان له صبر أيوب   , ومن   اعتقد على أنه يستطيع الالتفاف  على فساد السلطة  والهروب الى الأمام  بتحوله الى فاسد كغيره , اصابته صدمة  مريعة , ذلك لأن سرطان الفساد  أكل  الجسد  الاقتصادي والمعنوي   كاملا , ولم يبق  الكثير  , لذا تقلصت الزمر الفاسدة  عددا  , وما ينتجه 97% من الشعب   تدفق الى جيوب  3% من الشعب ..الرشوة جيدة  وتحل الكثير من الاشكاليات , الا أنه لم يعد هناك من يقتدر على ممارسة الرشوة ..المال غير موجود , وعدد المرتشين  في تعاظم  , فشل الكثير منهم  في الحصول على  أخذ  حصته من  زبالة الاقتصاد الريعي , حتى الحكومة  وجبايتها  التعسفية للضرائب  وتجارتها  القذرة بحاجيات المواطن الأساسية , لم تعد قادرة على تلبية حاجات الشبيحة الاقتصادية , واجمل مثل على هذا الافلاس أتى من أحد ازلام السلطة , اذ قال في مديحه لمخلوف  ووطنية مخلوف , على أن مخلوف  وخمسين من التجار وضعوا  امكانياتهم المادية في تصرف ميزانية الحكومة , وميزانية كل منهم  تفوق أضعاف ميزانية الحكومة الهزيلة , والتي تتراوح بين 10 الى 20 مليار دولار , الا أنه لم يقل لنا  , من أين لهؤلاء تلك المقدرة الاقتصادية , ولم يقل كذلك شيئا عن سبب تحول هؤلاء الى ملائكة .

بالنظر لكل هذه الاشياء  والكثير غيرها , تململ الشعب , ولم  يلاحظ هذا التململ أحد ,  اعترض الشعب ,وكان السجن  من نصيب المعترض ,  تظاهر البعض , وكان الرصاص  قدرهم , ثار الشعب  وكان التخوين  والتشويه  حتفهم ,  والسيدة بثينة شعبان  المعروفة  بفطنتها  حولت  النظرة الى  الاحتجاج فورا  بعد يوم من حدوثه , نظرت اليه  على انه فتنة طائفية داخلية   وغوغائية  , وأشهرت البندقية فورا  للحفاظ على النظام والاستقرار  ولحماية المواطن من البربر,وظنت على  ان الكلام عن الاصلاح يكفي , بقي الكلام كلاما  والسجن  أصبح أوسع  , والاعتقال أكثر , والتعسف   والقهر أعمق  .

لكل  ذلك كانت هناك نتيجة واحدة  , هي تحول التظاهر السلمي الى  ظاهرة مسلحة جزئيا ,  والى اندلاع نار الحرب الأهلية , التي يظن الجعفري  على أنه يستطيع صبغها بصبغة   الحرب ضد العصابات والارهاب , ومن يحارب الارهاب حقا  يستحق جائزةنوبل للسلام , ومرشحنا هو الجعفري !!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *