تفوح رائحة التشفي والانتقام من زيارة الرئيس الى بابا عمرو , وهنا لا أقصد ما دار في رأس الرئيس عندما قرر القيام بهذه الزيارة , لا شك في نية ايجابية , الا أن فهم هذه الزيارة من قبل المنكوبين , هو الأساس , لقد مثلت الزيارة رسالة الى أهل بابا عمرو , على نمط أسلم تسلم !!, ولا تزال الرسائل تكتب الى الحميدية والخالدية وباب السباع وغيرهم ..رسائل قنبلية نارية قاتلة , ثم يأتي القاتل وينعم على المناكيب بوعد مادي للتعويض , الا أنه لم يقل للأرامل والثكالى والأيتام كيف سيتم تعويضهم , وهل سيكون تعويض من فجع بموت ابنائه مشابه لمشروع المعاوضة التي اقترحه عاطف نجيب ؟؟لا أظن , انما اني متأكد من مشاعر أهل بابا عمرو , ومن انهم , من خلال “تطييف” كل شاردة وواردة في البلاد , سيرون به بابا “علي” الذي يتأكد من الخراب والانتصار على بابا “عمرو ” .
الرئيس السابق ووالد الرئيس الحالي , كان أكثر دراية ببعض الأمور النفسية , لم يقم بزيارة حماه بعد واقعة التقتيل , وبعد أن حل بحماه ماحل ببابا عمرو الآن , وما يحل الآن في العديد من المدن والقرى السورية , ولم يتطرق المرحوم الأسد لهذا الموضوع بعد التجديد الثالث عام 1985 , وفي سياق الفرح والمرح بفوزه بمعدل 100% من الأصوات , لقد انتصر عسكريا , وما أراده لم يكن الا الانتصار العسكري , لذا لم يحاول تحويل النصر العسكري الى انتصار سياسي وأخلاقي ..مثلا بالاعتذار بسبب التقتيل وبالوعد بعدم تكرار هذه السابقة المؤلمة , لأنه عرف على أن كل كلمة تقال في هذا الخصوص , ستوضع في حظيرة التدجيل والتشفي , لزم الصمت وعدم ذر الملح في الجرح , ولا يمكن القول على أنه أخطأ بشكل مؤكد , الا أن منهجية ابنه وزيارته للحي المنكوب تحتلف جذريا عن منهجية الوالبد …فمن منهم على صواب ؟.
معالم تفكير الأب كانت واضحة , لقد عرف على أنه من غير الممكن تحويل النصر العسكري الأمني الى نصر سياسي , وعرف أيضا انه لايمكن علاج الجروح الا عن طريق النسيان , ولم يشأ ان يضعف هذا النسيان بمحاولات غير منتجة , من شأنها تأخير الشفاء , وذلك بالرغم من النية الايجابية الكامنة وراء هذه المحاولات , لقد كان عسكري وتصرف عسكريا .
التصرف العسكري يتسلح بروح الحرب المطلقة , التي تبيد الخصم , الحل العسكري (الحل الأمني) لايمكن له أن يفرز حلولا سياسية , والتشدق بالسياسة تحت وابل الرصاص هو أمر تهريجي مؤلم , اننا نرى الآن استعصاء الوضع السوري على أي حل سياسيي في ظل الرصاص , وكيف يحول الرصاص كل خطوة اصلاحية الى وضع عدمي ,فبالرغم من العديد من المبادرات الدستورية لايزال المواطن يعيش في حالة قبل 15-3-2011 , لابل في حالة أسوء .
لقد توقع الأب على ان قصص الممانعة الكاذبة والرخاء الغير موجود , والعدالة الغير متوفرة , والحرية القتيلة , والديموقراطية التي لاتتناسب مع حكم الفرد المطلق , له نهاية ..في النهاية يذوب الثلج ويظهر المرج , وبناء عليه شرع بمنهجية العبادة واحتلال الفضاء العام دعائيا بالصور والأقوال وكل ما يوفر عبادة الشخص ,التمجيد والتأليه والانصياع المطلق بدون أي معارضة , لقد كانت سياسة تحاشي الأسئلة وبالتالي عدم وجوب الجواب عليها ..القائد الى الأبد يعرف كيف تسير الأمور , يتحدث عن التصدي للامبريالية العالمية ويشارك الأمريكان في غزوة العراق ,وفي ظل التأليه من الممنوع التعرض الى مايريدة الاله , نجحت القصة في ظل سياسة التأليه حتى عام 2011 , وبدأت الآن بالتصدع , الذي تعالجه السلطة بمزيد من التأليه , هل تنجح ؟؟؟
وصفات الماضي العلاجية تصلح لأمراض الماضي , والتأليه الذي استكان البشر له عقودا عديدة , أصبح الآن نوعا من المهزلة , كما أن مفاهيم الماضي لم تعد صالحة للحاضر والمستقبل , وانتهى مفعول نظام يرتكز على العبودية السياسية والشخصية , كما أنه انتهى مفعول سياسات المصالحة والوعود والتهديد , وانتهى مفعول مقولة الاصلاح من قبل المخرب , الذي لايصلح ولا ينصلح , كما أن مقولة الأسد أو لا أحد اصبحت بايخة ومثيرة للسخرية , ومقولة الأسد أو تحرق البلد مثيرة للاشمئزاز ولايأخذها عاقل مأخذ الجدية , وترويج خيارات “الخراب” لم يعد منطقيا ومقبولا ..اما هذا الخراب أو خراب آخر , وممارسة الحرية لاتتمثل بالخيار بين بين موت وآخر , انما بالخيار بين الموت والحياة , ولا شك في ان الشعب السوري سيختار الحياة .