كتب د.عاطف مصطفى السباعي مقاله الذي أنشره للتعريف به طيا , سائلا الأقليات السورية عن رغباتها ,ممارسا الدهشة من تصرف هذه الأقليات الرافض لهيمنة الأكثرية السنية , ومنطلقا من بديهية طائفية تقول ,ان جغرافية المجتمع السوري هي جغرافية طائفية ..هناك السنة بنسبة 70% الى 80% , وهناك اقليات أخرة من 20% الى 30% من سكان الجمهورية السورية , والدكتور السباعي هو من أركان الاخوان .
الدكتور السباعي لايجهل , وانما يتجاهل الكثير من بديهيات الآخر , وأول بديهيات الآخر هي رفض هذا الآخر لتقسيم المجتمع طائفيا , الرفض جملة وتفصيلا , والرفض يرتكز على تحليل عقلاني للوضع الطائفي الحالي , ومن يريد معالجة اعوجاج الوضع , عليه أولا تسمية الأشياء بأسمائها الواقعية , فالوضع الأعوج الأعرج هو وضع هيمنة فئة (فئوي) أو بالأحرى وضع هيمنة أقلية طائفية على مقدرات الوطن , هذه الهيمنة مرفوضة من قبل شرائح سورية عديدة , الا انها غير مرفوضة ” مبدئيا “من قبل التيار السني وممثله الدكتور السباعي والاخوان , ومعالم التقبل” المبدئي ” للوضع الفئوي الطائفي من قبل هؤلاء يتجلى باصرارهم على احقاق ما يسمى “حق الأكثرية الطائفي” , أي انهم يريدون أن يكون لطائفة ما دورا سياسيا يتناسب مع كبر أو صغر هذه الطائفة أو تلك , بكلمة أخرى , يريدون فقط استبدال الطائفة العلوية بالطائفة السنية , وعندما يتحقق ذلك تتحقق الديموقراطية ….!وهذا هوالأعوج والأعرج في نظرة الاخوان ..الديموقراطية لا تتحقق بهيمنة فئة غير سياسية , وليس للهيمنة السياسية في الديموقراطية أي قدسية أو أزلية أو أبدية , وفي هيمنة السنة الكثير من الأزلية والأبدية , ورفض الوضع الحالي لايستقيم مع تقبل وضع لايقل عنه سوءا وديكتاتورية .
وعن الأبدية والقدسية وعن تشابه الوضع الحالي جزئيا مع الوضع الذي يريد الدكتور السباعي حشرنا به , أريد التنويه الى التشابه بين كارثية المادة الثامنة , التي أرادت لها ومنها طائفية متخفية خلف قناع البعث , ضمان سيطرة هذه الطائفة سرمديا وأبديا , مع أبدية وسرمدية أكثرية سنية دينية قرآنية ..في كلا الحالتين يراد للمجتمع السوري تقبل الاغتصاب من قبل فئة تتذرع بذرائع لاتمت الى ارادة عقلانية للشعب السوري , لم تقرر عقلانية الشعب السوري تتويج البعث بتاج المادة الثامنة , ولم تقرر عقلانية الشعب السووري تتويج السنة بتاج ملك ومالك السلطة , وذلك لعدم وجود علاقة بين ارادة العقل وبين الانتماء الديني , يولد سنيا ويلزم بذلك حتى الموت , والحد يقام على من ينقلب ويرتد .
اذا كان هناك تشابه كيفي بين آليات المادة الثامنة , وبين آليات الانتماء الطائفي,فالمادة الثامنة , من حيث ضمانها للسلطة والتسلط الفئوي أبديا , هي بمثابه الانتماء السني , الذي عليه ضمان السلطة والتسلط أبديا , فهناك تباين كمي بين المادة الثامنة وبين مادة “السنة” السلطوية , وهذا التباين يعود الى عدة عوامل ..فالمادة الثامنة أقل قدسية من مادة “السنة” وأقل تراثية من مادة “السنة “, وعمقها التاريخي أقل من عمق مادة “السنة” , كما ان مرتزقة المادة الثامنة أقل عددا من مرتزقة مادة “السنة” , لذا فان القضاء على المادة الثامنة أسهل من القضاء على مادة”السنة” , وبالتالي فان الخوف من المادة الثامنة الضامنة للهيمنة هو أقل من الخوف من مادة “السنة ” التي تريد ضمان الهيمنة ,وهذا الطرح هو اجابة جزئية على سؤال الدكتور السباعي المتعلق بدهشته حول تصرف من يعتبرهم “أقليات” ..طيه مقال الدكتور السباعي الذي يقول فيه :
“منذ أن انطلقت الثورة السورية في 15 آذار2011 وشباب الثورة والمتظاهرون كلهم دون استثناء يعلنون في هتافاتهم الشعب السوري واحد … واحد … لا إسلامية ولا مسيحية … ولا سنية ولا علوية ولا درزية ولا اسماعيلية …ولا عرب ولا كرد ….واحد … واحد …الشعب السوري واحد .
وزيادة عن ذلك سمى الثوار أيام الجمع بأسماء أنتم تحبونها وتقدسونها مثل إسم الجمعة العظيمة تآلفا وتحببا للمسيحيين التي كانت تناسب قدسية تلك الجمعة عندهم في يوم عيدهم الفصح ، ولكن للأسف العميق لم يتجاوب منهم إلا عدد قليل جدا ، مع أنه كان المفروض فيهم أن يقدروا هذا التعاطف من الثوار الأحرار الذين هم من كافة طبقات المجتمع السوري وليسوا من المسلمين فقط.
ثم سمى الثوار إحدى الجمع بإسم أزادي تحببا وتآلفا للكرد ، وقد تجاوبوا مع الثورة بشكل جيد من قبل هذه الجمعة ومن بعدها .
ثم سمى الثوار إحدى الجمع بإسم صالح العلي تحببا وتآلفا للعلويين ، غير أنه للأسف الشديد لم يتجاوب منهم إلا القليل بالرغم من الدعوة الصريحة والواضحة لإحدى الناشطات العلويات وتدعى سندس التي نشرت دعوتها على موقع الثورة السورية على الفيس بوك بشكل فيديو وحثت طائفتها بشكل كبير وحرضتهم على الإنضمام للثورة غير أن التجاوب منهم كان محدودا وقليلا .
والآن نأتي إلى طرح السؤال مرة ثانية ونقول بالفم الملآن ماذا تريدون يا أحبابنا يا إخواننا في الدم والعرض والأرض ؟؟؟؟!!
وقبل هذا السؤال يجب أن نطرح سؤالا آخر وآخر وأهم وهو هل أنتم مرتاحون ومبسوطون من النظام الإستبدادي القمعي ؟؟؟ هل أنتم راضون عن المذلة وكبت الحريات والعبودية والمهانة لهذا النظام ؟؟؟؟ هل كان النظام يفرق بينكم وبين الأغلبية حينما كان أي واحد منكم يبدي رأيا مخالفا له ؟؟؟ هل كان يغض الطرف عنكم ويعاملكم معالة أحسن وأفضل من الأغلبية ؟؟؟؟ أليست السجون ملأى بكل الطوائف المعارضة له مسلمين ومسيحيين وعرب وكرد وسنيين وعلويين ودروز واسماعليين ؟؟؟؟ ألم يفتتح عهده الأسد الأب بالإنقلاب على رفيق دربه وأحد أعضاء اللجنة السداسية المقربين التي كان قد شكلها منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي فأودعه السجن ومات في السجن وهو المدعو صلاح جديد ، إضافة إلى أنه سجن عارف دليلة ونزار نيوف وغيرهم كثير وهم من العلويين .
إذن هذا النظام الجائر الظالم لا يفرق في المعاملة بين طبقات المجتمع ، فهو يعتبرها كلها عبيدا له أو أجراء وعمال في ضيعته ، ولا يقرب إليه إلا المخلوقات الوسخة القذرة من أي طائفة كانت طالما تعلن خضوعها وعبوديتها له وتدعمه ماديا ومعنويا ولا أدل على ذلك من موقف البوطي وحسون وحبش وهم محسوبون على المسلمين ولكنهم يدافعون عن النظام أكثر من العلويين من طائفة بشار ، وكذلك التجار في دمشق وحلب ومعظمهم من المسلمين ، وكذلك أبواق النظام الإعلاميين كلهم أو معظمهم محسوبون على المسلمين ويدافعون عنه دفاعا مستميتا .
وطالما أن السوريين جميعا بكل طوائفهم ومعتقداتهم وقومياتهم قد عانوا الأمرين من الإستبداد والإضطهاد وكبت الحريات ، فالثورة انطلقت لتحرر جميع السوريين دون تمييز ولا تفريق بين طائفة وأخرى ، وليشارك الجميع في الحياة السياسية واتخاذ القرارات دون أي إقصاء لأي فرد أو مجموعة حتى بما فيهم البعثيين طالما أن أيديهم لم تتلوث بدماء السوريين .
فعلاما تخافون من تغيير النظام الذي استعبدكم وأذلكم ؟؟؟؟ وهل ستخسرون – إذا لم تربحوا وبالتأكيد أنتم رابحون – أكثر مما خسرتم ؟؟؟؟
يا أبناء الأقليات في سورية الحبية ألم تعيشوا أربعة عشر قرنا قبل نظام الأسد بوئام وسلام مع كل الطبقات والطوائف السورية ؟؟؟؟
هل يتجرأ واحد منكم أن يذكر لنا حادثة واحدة قام فيها المسلمون بالإعتداء على المسيحيين أو السنة بالإعتداء على العلويين أو الدروز أو الإسماعليين أو قام العرب بالإعتداء على الكرد إلا من حوادث فردية بمنازعات شخصية ليس لها علاقة بالدين أو المذهب أو القومية حدثت هنا أو هناك ولا تزال وستبقى إلى يوم القيامة ؟؟؟؟
تاريخنا القديم والحديث ناصع أبيض مشع من التآلف والتعاطف والمحبة بين كل الطبقات السورية وأكبر دليل على ذلك تولي السيد بشارة الخوري وهو مسيحي لأول رئاسة وزارة وطنية بعد الإستقلال من الإستعمار الفرنسي ، هل يوجد أكثر من هذا التسامح والتآلف ؟؟؟؟
ودليل آخر في حمص – وقد يكون في بقية المحافظات الأخرى – قبل خمسين سنة كان عدد أطباء الأسنان المسيحيين أكثر من المسلمين وكانت العائلات الحمصية المحافظة تذهب إليهم لتعالج أسنانها عندهم وقد تفضلهم على الأطباء المسلمين ، وكذلك تجار الذهب كانوا من المسيحيين بنسبة 99% والمسلمون يذهبون إليهم ويشترون الذهب منهم دون أي حرج ، وكان تزاوج بين المسلمين والمسيحيين ويسكنون بجوار بعضهم البعض .
ما الذي سيتغير بعد سقوط النظام الإستبدادي ؟؟؟؟
إن النظام يريد أن يفرق بين السوريين ليسود عليهم وليبقى ماسكا بخناقهم وداعسا على رؤوسهم على مبدأ – فرق تسد – ويخوفكم من المجهول ومن الجماعات الإرهابية والمتطرفة والسلفية الخيالية الوهمية ولا يزال يكذب ويكذب بوجودها في عالم الذر ويضحك عليكم ويكذب عليكم لتطول أيامه أكثر وأكثر .
فحذاري ثم حذاري من الإستماع إلى هذا النظام الكاذب الأفاك ، فلا تستمعوا إليه ، وبادروا فورا إلى الإنضمام إلى الثوار وسيقبلونكم بأحضانهم ولو أنكم تأخرتم ، ومشاركة متأخرة خير من عدم مشاركة ، لأن الدلائل كلها تشير إلى أنه ساقط لا محالة فهل ترضون أن تكونوا خارج المشاركة السياسية بعد انتصار الثورة؟؟؟!!!
وكيف ستشاركون في الحياة السياسية وأنتم لم تشاركوا في صنع الثورة .”
وقولوا لنا بالفم الملآن وبصريح العبارة ماذا تريدون من عهود ومواثيق لتطمئنوا أنكم ستعيشون بين أهليكم وأحبابكم وأصدقائكم السوريين الشرفاء كلهم بأمان وسلام ، ووئام ومحبة ، وعدل ومساواة ؟؟؟؟!!!”
بعد قرأة المقال , لابد من التنويه الى عنصر الخوف الذي يعتري الوطن والمواطن السوري , الذي يرفض الدلف , ومن يرفض الدلف لايريد المزراب , ..المواطن السوري يخاف من السلطة , وعندما يسمع مايقوله العرعور ,يخاف على السلطة , المواطن السورية يخاف من العرعور , وعندما يرى أخطاء السلطة , يخاف على الثورة , التي كان لها أن تكون بديلا أفضل للسلطة ..الثورة أو الانتفاضة أو الاحتجاج , ولا أهمية للتسمية , وضعت المواطن السوري في مأزق الرعب والخيبة والقنوط ثم فقدان الأمل والبدائل المبشرة بالخير , ومن هنا يمكن , بل يجب القول , ان الوطن يتواجد على كف عفريت , وهو مرشح للدخول في نفق أكثر ظلما وظلاما .