الثورة وخيار العسكرة!

سمير صادق:

لاتوجد  خيارات ثورية وسائلية , وانما  يوجد شكل ثوري ووسيلة ثورية  تنطبق  على شكل مسبب الثورة  , فعندما كانت الشعوب محكومة بالسيف , حيث لا انتخابات ولا أحزاب , ثار المحكومون بالسيف  وتصدى الحاكم لهم بالسيف , العنف كان الوسيلة الوحيدة التي مارستها الشعوب في ثوراتها قديما , الا أن هذه الوسيلة تجد للأسف استمرارا لها في بعض المناطق , التي خرجت عن التطور التاريخي  وبقيت خارج  قوانين وقواعد التاريخ ,  , ففي سوريا  مثلا لاوجود لوسائل التغيير  السلمية الديموقراطية ..عصيان مدني  … مظاهرات … ولا يوجد  مكان في البلاد خارج السجن  لقوى التجديد المدنية السلمية ,مثلا معارضة (حتى 2011 كانت المعارضة تهمة يعاقب عليها بالسجن عشرات السنين , ولا تزال الحالة تقريبا موجودة  )  ,حيث لايمكن لهذه القوى أن تفصح عن نفسها دون أن  تجري تصفيتها  , حتى فيزيائيا , شيوع فكرة العنف كوسيلة للثورة  هو  صورة عن شيوع فكرة العنف كوسيلة للحكم ,وشيوع العنف السلطوي  سيقابله شيوع العنف الثوري شئنا  أم  أبينا .

لا  امكانية  لثورة في سوريا   أن تستمر  سلميا ,  وذلك  لكون  الحكم  الذي  تراد  ازاحته  عنفي…..هذه قاعدة ,و ليست هواية أو ميول أو خيارمتاح  , انها قسرية  !!!, , ولا يمكنأن تكون  السلمية هي الصبغة الطاغية للثورة السورية  على  المدى  المتوسط  والبعيد , لذلك انتقلت  الثورة  من يد السلم  الى يد  الحرب , والمفاجأة  المرة كانت بطبيعة  رجال  الحرب  , انهم  من  ألد   أعداء  ثورة   ٢٠١١ ,  رجال  الحرب  لايمثلون  استمرارا  للثورة  بوسائل  أخرى , لأن   أهدافهم  لاتمثل  نقيضا   للنظام  وانما  تكريسا  لما  هو   أبشع  من  النظام ,  اهدافهم  تمثل   نقيضا   لروح  وهدف   ثورة  ٢٠١١  , التي  كان  لها منطقيا   أن  تتعسكر  بعسكرها  وليس  بعسكر  نقيضها  من    الأصولية  الاسلامية .

لفت انتباهي ماقاله مفكر سوري  هو جورج طرابيشي ,كان قد سبق الربيع العربي بزمن طويل في توقعاته ,وبناء على تحليله  للوضع العربي رأى طرابيشي على   أن  غياب  البديل  البورجوازي   أي  الطبقة  الوسطى سيقود  الى صعود  محتوم  للأصولية   , خاصة  في الشروط العينية للعالم العربي الذي يتحكم في مقاديره, منذ لا يقل عن ثلاثة عقود، التوظيف الإيديولوجي والثقافي للدولارات النفطية لصالح الأصولية الإسلامية, فالعنف  الضروري لكبح جمام  حكم يتسم  بالعنف لم  يجد   في  ثوار ٢٠١١  من يستطيع   ممارسته , لذلك  انتقل  بسهولة  الى  يد  الأصولية  التي  مارست  عنفها  أولا  على  ثورة   ٢٠١١  وانهت   أي  مفعول  لهذه  الثورة .

من الجدير بالذكر على أن طرابيشي  يقصد هنا  “بالبورجوازية” الطبقة الوسطى من الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة , ولا يقصد  بورجوازية رأس المال الطفيلية , فالثورة الفرنسية مثلا هي ثورة البورجوازية على النبلاء ورجال الدين , ومن يبحث عن البورجوازية في سوريا  أي عن الطبقة  الوسطى  لايجدها , وانما يجد  طبقة رديفة للنبلاء    وهي طبقة  الأثرياء الجدد , الذين يملكون  أكثر من 90% من الثروات القومية  السورية , طبقة لاتشبه نبلاء  فرنسا الا من ناحية تملك المادة  , انها طبقة من المهربين والسماسرة والمجرمين  ..شبيحة المال والأعمال , التي تعاقدت مع رجال الدين  على اقتسام السلطة  ,سماسرة السلطة لم يبخلوا على رجال الدين بشيئ , تحت مستوى الكرسي ..لهم قانون الأحوال الشخصية , ولهم مايشاؤون  من المساجد  والمجد  ومن مدارس تحفيظ القرآن  والصفوف  الأولى  في كل حفلة تطبيل وتزمير , الا أنه عليهم الحذر من الاقتراب من الكرسي  , كما حاول سيد قطب الاقتراب , حيث كان نصيبه حبل  المشنقة .

تطورت الانسانية  وتطورت اساليب الحكم  , وبالتالي تطورت اساليب الثورات , هناك  دائما مرحلة تتطلب   تضافر سلاحين , سلاح السيف وسلاح القلم , ولم تنجح ثورة  في هذه المرحلة بالسيف فقط , وانما كان القلم على درجة كبيرة من القوة التنويرية  الفكرية , بحيث  استطاع القلم أن  ييبشر بنجاح قيم فكرية جديدة  , ويخلع  عن عقول الناس  طابع الجمود والخنوع , القلم  كان في  بلادنا  على  قدر كبير  من  الاعاقة , وانتاج  القلم  لم  يتمكن الا   في  السنين  الماضية  من  اختراق  الحصار  الذي  فرضه  النظام  على  عقول  الناس ,  فجمهورية  الأسد  منعت  تداول الفكر منعا باتا  وسمحت فقط بمواويل التمجيد والتلفيق والتصفيق  والتأليه , حتى أصبح عندنا اله  أرضي  واحد  ..اننا يا أعزائي اولا خارج التاريخ , وثانيا  في مرحلة قبل العصور الوسطى الأوروبية  , ولا يغركم تكاثر الموباايلات والسيارات  , الوحش يركب ليس سيارة فقط  ,  وحش الغابة يركب دبابة أيضا  , الا أنه بالرغم من ذلك وحش كاسر حتى ولو اعتلى الطيارة .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *