من الفساد الى الكساد…..

 ممدوح بيطار,ربا منصور :

        هناك صعوبة بالغة في التصالح مع بعض المفردات المألوفة في حياة وتطورالشعوب ,فمن الصعب في حالة البلاد المتردية والمؤلمة التحدث عن “اقتصاد وطني ” حيث لاتجد كلمة “اقتصاد” في الفضاء المالي للبلاد ترجمتها الحقيقية , أي أنه لايوجد اقتصاد عام وطني بالمعنى الكلاسيكي للكلمة, فكيف يمكن للاقتصاد أن يكون وطنيا وعاما عندما يكون هناك العديد من الاقتصاديات في وطن ممزق لاجزاء , ولكل جزء ترتيباته الادارية المالية التي لاتتوافق مع ترتيبات الأجزاء الأخرى ,ففي ادلب على سبيل المثال هناك ادارة داعشية الصيغة من بيت مال وجزية , وفي دمشق هناك منظومة أخرى وادارة أخرى , وفي شرق الفرات ادارة ذاتية , وفي الجنوب هناك ادارة جنوبية وفي الساحل ايضا ,بكلمة مختصرة لايوجد اقتصاد عام باستثناء عمومية العنوان,انه اقتصاد”أزمة “عميقة في كل مكان من الرقة الى اللاذقية …!.

نظرا لقلة المعارف حول مجمل أجزاء الوطن الممزق , نجد نفسنا مرغمون للاقتصار في الحديث عن الحكومة وعن المناطق التي تسيطر عليها , هنا نلاحظ تطورا لاتستدعيه أوليات توفير شروط الحياة في حدها الأدنى , ناهيكم عن اشكالية المقدرة على تغطية متطلبات النمو والترميم واعادة البناء الخ , بل تستدعيه بمعظمه اعتبارات سياسية وأمنية , اضافة الى اعتبارات الفساد ومحاسيبه وأزلامه , كل ذلك قاد الى رأسملة المال, الذي توضع في أيدي وجيوب القلة القلية من السوريين , بحيث يمكن التحدث عن ولادة اقطاع رأسمالي يشبه سابقه الاقطاع الزراعي ويفوقه اضرارا بالناس ومصالحهم.

ليس هدف هذه السطور التحليل المستفيض لأوضاع المال وحال رجال الأعمال , التعامل مع قضايا من هذا النوع يتطلب معارف لايملكها الأمي اقتصاديا , الا أن الأمي اقتصاديا يعرف كيف يتعامل مع دخله أو راتبه , وكيف عليه أن يتقشف أو لايتقشف , ولنأخذ على سبيل دخل ٥ ملايين سوري يقال على انهم موظفين أو مسخدمين! , هنا نجد استحالة مطلقة في امكانية توفير متطلبات وشروط الحياة في حدها الأدنى , لايغطي راتب موظف مهما على شأنه أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام في الشهر , ولا وجود لعمل في القطاع الخاص يدر شهريا بشكل نظيف المبلغ الضروري لتغطية متطلبات حياة الحد الأدنى لعائلة من أب وأم وطفلين , هذا المبلغ حددته دراسة أجريت مؤخرا , لاشك في نتائج هذه الدراسة , كما أنه لاشك في وصول نسبة العطالة عن العمل الى حدود اسطورية , لا غرابة في نتائج احصائيات أشارت الى أن النسبة وصلت الى حوالي ٩٠٪ , ماقيل لايتعدى كونه محاولة توصيف مقتضب للأوضاع بشكل عام , المهم هنا نتائج هذه الأوضاع !.

لايتسع المجال هنا لتعداد كل النتائج الكارثية لتعميم الفقر , وأول هذه النتائج هي تعميم الفساد , مع العلم بأن الكثير من أركان الفساد لايعانون من الفقر , الفساد اكتسب ديناميكية ذاتية وتبريرا اجتماعيا مقرفا , أصبح متعضيا واكتسب ديناميكية ذاتية ,والفساد فقد التسمية المناسبة له, فالفاسدأصبح شاطرا!,أمن مستقبل أولاده!, عمله أدى الى نتيجة ..استفاد ..الخ! , طور الفساد القيم بحيث أصبح البعض يرى في الفساد ضرورة حياتية , فعندما يكون الجوع كفرا ورزيلة , يصبح الفساد الذي يمنع الجوع عند البعض ضرورة وفضيلة ,على الأقل يمكن الفساد بعض الوحوش من العيش وتضخيم الكروش , هذا لايعني البتة على أننا نروج لتنمية الكروش على حساب من لايملك القروش , انه توصيف للحالة المؤلمة المذرية التي وصلت البلاد اليها , والتي بنى الفساد بها عشوشه وأوكاره ومواخيره ومقصلته التي لاتوفر رأس أحد .

الاجرام هو نتيجة من أهم نتائج الافقار , لم يكن لبيتنا بابا يقفل , والآن يجب التحصن خلف أبواب ونوافذ من الحديد,فجأة ياتيك زوار ليسوا في الحسبان ,يأخذوك أو يأخذوا مالك أو يأخذوك مع المتوفر من مالك عندما يكون المتوفر شحيحا بالنسبة لهم, وهل هناك انسان لايعرف شخصيا قريبا له أو جارا تم اختطافه ,وهل من الصعب تصور نتائج بربرية الاختطاف ؟ الذي يدمر حياة انسان ان لم يتم دفع الفدية , أو يدمر حياة العائلة والأقرباء والجيران والمحبين ان دفعت الفدية , وكيف على عائلة دفع فدية قاربت ,حسب ما سمعت , في حالة من حالات الاختطاف ٣٠٠ مليون دولار!!!!!!, في بلاد يتقاضى بها المدرس بعد ثلاثين عاما من الخدمة ٢٠ دولار شهريا .

لاحاجة لتعداد جميع عواقب الفقر ,منها اعطاب القيم وتبخر الوجدان واستسهال الخديعة واستيلاء الكذب على تعامل الناس مع بعضهم البعض , ثم التلفيق والغش والتزلف والتزلم الخ ,أما عن العلاج فنحب التنويه اولا الى أفشل العلاجات, مثل الاقتصار على تطبيق العقوبات العملاقة وفتح باب السجون لاستقبال الفاسدين المجرمين , وكيف سيكون حال العقوبات وحال السجون عند تحول الاجرام من اجرام أفراد الى اجرام جماعات أو اجرام المجتمع , وهل هناك عندها مايكفي من السجون؟,عموما يمكن القول أن الانسان الذي يعيش في ظروف مستقيمة يتصرف عادة باستقامة , لذايجب الاعتناء بالظروف قبل الاعتناء بالسجون !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *