ممدوح بيطار , ربا منصور:
يمكن القول ان الهدف وآلية الابادة عام ١٨٦٠ مشابه لابادة بني قريظة في العام الخامس للهجرة , ومشابه ايضا في خطوطه العريضة لابادة الأرمن الرئيسية من عام ١٩١٥ وما قبل عام ١٩١٥ , , واباددة السريان والآشوريين في نفس الوقت , ثم ابادة سكان القسطنطينية على يد محمد الفاتح , ويمكن رؤية بعض التشابه مع تفريغ العراق من الكفرة بعد سقوط صدام حسين , حيث انخفض عددهم من بعض الملايين الى حوالي ٢٠٠٠٠ , ومن الممكن ايضا رؤية الكثير من التشابه مع محاولة ابادة الايزيديين قبل ١٠ سنوات على يد داعش, وبترحيب حار من المؤمنين , الذين وفروا لداعش الحضانة والحماية الضرورية , صفقوا لداعش المنتصرة , وشمتوا بداعش المهزومة المنكسرة .
عشعشت خلفية كل تلك الابادات في غريزة الانتقام من الآخر مهما كان , لأن المختلف مذنب وشرير مهما فعل , ثم أن البيئة التي ارتكبت بها تلك المجازر , كانت بيئة “نابذة ” لكل مختلف , كل ذلك تم في اطار بديهيات دينية منها التوحيد والولاء والبراء ثم مفهوم خير أمة , الذي يعني بشكل غير مباشر كون الآخرين أحقر الأمم , كما روج لهذه الفرضية ادولف هتلر في القرن العشرين , وكما يروج لذلك المشايخ في خطب الجمعة ” الحربية “, او التي تعلن الحرب وتحضر لها باستعدائها لفئة من البشر الآخر .
تجلى اعلان الحرب بما طلب من الآخرين في العهدة العمرية وبما ينطق به من دعاء في خطب الجمعة الحربية …اللهم شتت شملهم وانصرنا عليهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر وغير ذلك , لابد لمن يطبق احكام العهدة العمرية المعروفة للجميع, ومن لايعرف بنودها يمكنه خلال ثوان الحصول عليها بكبسة زر, من بنودها مثلا منع الكفرة من لبس لباس المؤمنين , او منعهم من ركوب الخيل , ثم شروط أخرى لا تعني أقل من ابادة اجتماعية تفوقت في انحطاطها وشناعتها على أي اتفاق او فرض آخر في التاريخ البشري , وهل هناك اذلالا أعظم من اذلال الطورقة ودفع الجزية وهم صاغرون , ثم فرض قانون سير على الكفرة , الذين عليهم أن ” يشملوا ” اي يسيروا شمال المؤمنين اي على جانب الطريق , ثم فرض مايسمى ” كيس الحاجة ” الموازي بتاثيراته لمتلازمة ستوكهولم ,والذي يعني اصطحاب كيس فارغ بشكل دائم لحمل حاجات المؤمنين في اي وقت وأي حالة ( خادم بجهوزية دائمة ليلا ونهارا ) , يتطلب شرح قضية كيس الحاجة شرحا مفصلا لاتسمح به هذه المقالة لكونها تهتم بأمر آخر .
استقرت امور شعوب مستعمرات الفتوحات على هذا المنوال حتى العهد المصري اي عهد ابراهيم باشا , الذي قام بالغاء الفروق بين المؤمن والكافر , مما اعتبره المشركون انصافا لهم , ومما شجعهم على الشعور بالنشوة من جهه , ومن جهة أخرى تأججت عند المؤمنين مشاعر الحسد والعداء , الذي توفرت له في العقيدة خلفية فكرية ثابتة وواضحة …اقتلوا المشركين اينما وجدتهومهم الخ , لقد تأثر كل ذلك بالسياسة والأحداث العالمية مثل حرب القرم , التي قادت الى اعتراف السلطان العثماني بالخط “الهيمايوني ” الذي يعني المساواة التامة بين جميع الرعايا , مما قاد الى انفجار الوضع في لبنان وارتكاب المجازر , التي قوبلت بالرضا من قبل بعض المؤمنين في دمشق وحلب وغيرهم من المناطق , ترافق ذلك مع المألوف من الاتهامات مثل الكفر والتآمر مع الغرب وغير ذلك ,حتى انه كان هناك ملصقات أو لافتات في حلب طالبت بتذبيح المشركين , وفعلا تم تذبيح وتقتيل خمس هؤلاء المشركين خلال ممارسات العنف في سياق مجزرة عام ١٨٦٠ .
باختصار شديد يمكن القول ان جذور الاشكالية من عام ١٨٦٠ والمشابهة لجذور الاشكاليات الأخرى مثل اشكالية بني قريظة واشكالية الأرمن وغيرهم تعود الى اعتياد المؤمنين على الأوضاع التي فرضتها العهدة العمرية وما شابهها ,ثم على اعتقادهم بأن المحمدية دين الله, والعربية لغة الله ولغة آدم , لذلك أصبح الجواب على السؤال الذي يطرحوه عادة , وهل يتساوى المومن مع الكافر ؟؟؟؟؟ شبه بديهي , أي لايتساوى المؤمن مع الكافر ,المؤمنون هم السادة والغلبة الغالبة ولا يجوز مافعله ابراهيم باشا وحتى السلطان العثماني , لذلك وجب الانتقام من العبيد , الذين تحرروا نسبيا وأصبحت احوالهم جيدة نسبيا , لذلك كانت المجزرة ضرورية .
الفئات التي قامت بالمجزرة كانت الفئات التي شعرت بأنها تضررت نسبيا بعد تحسن أحوال العبيد, منهم تجار وعسكر وبعض العوام المحرضين من قبل الأغوات ثم اكراد ودروز وحوارنة والوالي العثماني الجديد أحمد عزت باشا , ومن وقف ضد المجزرة كانوا زعماء حي الميدان الدمشقي والماسوني الأمير عبد القادر الجزائري ومفتي دمشق السابق الشيخ عبد الرزاق البيطار , الذي شبه المجزرة بيوم القيامة حيث قال مقتبسا من الكتاب “ونرى الناس سكارى وما هم بسكارى ” .
قتل من ألذميين حوالي ٦٠٠٠ انسان في احداث مجزرة ١٨٦٠ , وفي مجزرة الأرمن ملاين , وهرب مابقي منهم بحيث لم يعد في تركيا ارمني واحد , ولم يعد بها بنطي واحد (عثمانيين من أصل يوناني) ومن بني قريظة لم يبق سوى من لم ينت شعر عانته ,لاحاجة لذكر بقية المجازر فذكرها لايقدم ولا يؤخر .
ماقبل ١٨٦٠ مختلف عن مابعد ١٨٦٠ , تميز مابعد عام ١٨٦٠ بهجرة المشركين الكثيفة الى مختلف بلدان العالم ,على من بقي منهم ان يهاجر بسرعة قبل أن يتحول الى جثة في مجزرة اخرى حتمية !