الوصول الى صحة اجتماعية نسبية لايتم الا عن طريق تصحيح مستمر لمسلكية المجتمع وتصرفاته , ولما كان أي مجتمع غير متجانس في البنية والمصالح والاتجاهات , لذا تعتمد صيانة المصلحة الاجتماعية العامة على ممارسة التواصل الاجتماعي ايجابيا , وذلك عن طريق عدة سبل , ومن أكثر هذه السبل فاعلية هي الحوار العقلي الموضوعي ,ذلك لضمان الوصول الى يقينية مشتركة تتمتع بأكبر قدر من القواسم المشتركة .
للتواصل الاجتماعي ,ان كان سياسيا أو اقتصاديا الخ أو بشكل عام فكريا , سبل أخرى منها النقاش ومنها الجدل أو السفصطائية أو غيرهم , ولكل من هذه الأساليب خواصه ,الجدل مثلا يحاول الاقناع , الا أنه يستخدم من أجل ذلك نوعا من الاجبار أو التجبر للوصول الى الاقناع , أما السفصطة فهي نوع من النقاش من أجل النقاش وليس للوصول الى نتائج تبلور يقينية مشتركة وتكتشف قواسم مشتركة .
يعرف الحوار بدون أي شك نوعا من التفاوت بين المتحاورين , وهذا التفاوت ينتج عن الموقف الذي يتبناه كل من أطراف الحوار وعن مقدرة المحاور الثقافية الفكرية العقلية, هناك محاور لبق قوى الموقف وقوي الحجة , وهناك محاور ضعيف الموقف وبالتالي ضعيف الحجة , وفي هذه الحالة يجنح البعض الى مقاطعة الحوار , والمقاطعة لهاعدة طرق , منها التحصن خلف الثوابت والقطعيات , منها الهروب الى الشخصنة ومنها تدمير موضوع الحوار , وابتكار موضوعا آخر , منها التنصل من مجابهة الفكرة بفكرة أخرى , منها الانزلاق في المطبات المعنوية العاطفية , حيث تفرض العاطفة نفسها في الشرق أكثر من الغرب , ومنها التصادم بالأيدي والأرجل وحتى الصدامات المسلحة الى آخر مانشاهده يوميا على الشاشات , وما نسمعه من الاذاعات .
لكي يترقى الحوار عن السقوط في متاهات السفسطائية والعراك بالأيدي , يجب أن يكون له تربة صالحة للنمو , وهذه التربة الصالحة , هي تربة قبول الرأي الآخر , ثم تعليم الآخر وتدريبه على قبول الرأي الآخر , ثم التنازل عن صهوة جواد الحقيقة , التي لايملكها أحد , والتي نبحث عنها باستمرار , ونظرا لنسبيتها سوف لن نجدها كاملة خالية من الشوائب , ومترفعة عن الحاجة للتطوير والتحسين والتنقيح .