
يعرف التاريخ منذ بداية التدوين وحتى غزوة اردوغان للشمال السوري, التي استكملت مبدئيا قبل اربعة اسابيع , ثابت الصراع بين الشر والخير , لم يعتبر احتلال بلاد الغير واخضاع شعوب بلدان الغير لارادة المحتل , مهما اختلف وتباين مضمون هذه الارادة, يوما ما خير وفضيلة , فالاحتلال او الفتح كان دائما شر , أكده حتى الخليفة عمر بن عبد العزيز , عندما أمر بايقاف الفتوحات , ليس الا لأنها شر مارسه بقية الخلفاء , وبرره غيرهم بشكل غير مباشر مثل لو بون الفرنسي , يروى عن لوبون قوله بأنه لم يعرف أرحم من الفاتحين العرب, لقد جمع لو بون الضديات مع بعضها البعض , وبذلك اغتال المنطق والأخلاق , منطقيا لايستقيم الجزء الأول من مقولته مع الجزء الثاني , فالفتح شر مطلق لايستقيم مع الرحمة , التي تعتبر خيرا مطلقا , الفتوحات واخضاع الغير بالسيف ينفي الرحمة بالمطلق ,احتلالات عمر ابن الخطاب اينما كانت هي شر مطلق متوج بانحطاط العهدة العمرية المطلق .
أما المشكلة مع الأخلاق فأوضح , من يمارس هذا الجمع بين الضديات , انما يروج للاحتلالات ويبررها , وبذلك يمثل نسخة بشرية اسوء من نسخة ابن الوليد او القعقاع أو هولاكو او بن نصير وغيرهم ,أساءت الفتوحات للآخرين , ولكنها أساءت للفاتحين بدرجة كبيرة , وللبرهان على ذلك يكفي القاء نظرة عابرة على حال احفاد الفاتحين هذه الأيام , انهم يعفشون كاستمرارية لعقلية غنائم الحرب , انهم بمنتهى التأخر وسوء الأخلاق كاستمرارية لسوء اخلاق الغزوات وانحدارها الحضاري , انهم عنفيون كاستمرارية لعنف الفتوحات , انهم جائعون لأنهم لايعملون , ولم يدركوا قيمة العيش من الانتاج (ثنائية العيش والانتاج), لقد سرقوا بحد السيف , لذلك كانت بيوت المال الأموية مليئة بالغنائم من مال ومجوهرات وغير ذلك ,قبل ذلك بلغت ثروة المصطفى ملياردات كما اعترف الشيخ وجدي غنيم مفتخرا , لم تأت المليارات من العمل انما من السطو على مال وممتلكات الغير , بعد توقف الفتوحات توقف اقتصاد المغازي من غنائم الحرب و حل بالمجاهدين الفقر والجوع , كما هو الحال اليوم !.
لا نختلف مع أحد حول وجود تباين بين الاحتلالات والفتوحات , اي تباين بين درجات الشر , هناك على سبيل المثال تباين كبير بين الانتداب الفرنسي وبين الاحتلال العثماني لسوريا , الا أن هذا التباين لايلغي طبيعة الشر , ولا يحول الشر الى خير , التباين هو في درجة الشر فقط , الاحتلال سرقة واغتصاب , انه شر مطلق , ولا تعرف السرقة والاغتصاب سياقا تاريخيا مبررا لها , لم تكن السرقة والاغتصاب استثناء , انما ممارسة مستمرة واجهتها وتواجهها لحد الآن ارادة الخير الممثلة بعدم ممارسة الاعتداء على الغير.
بعد أن صدأت السيوف , ولم تعد لها تلك الفاعلية في ممارسة السلب والنهب , لم يعد هناك من خيار سوى خيار التطفل على الغير , يبدو وكأن التطفل ايضا على أواخره ,لايطاق المتطفلون من اللاجئين بالرغم من التعاطف الشديد معهم بسبب جوعهم , هكذا تطور وجودهم في اوروبا كلاجئين تحاول أوروبا التخلص منهم بشتى السبل , لايعملون ويريدون البقاء على العلف والمعلف , ولم يدركوا ان أوروبا لاتتقبل حياة المعالف .
لقد كانت المعارك التي خاضها بدو الجزيرة مدفوعة من رغبة الاستيلاء على الغنائم والسبايا وتقسيمها مع المصطفى ثم مع الخلافة بنسب مغرية بالنسبة للبدوي الممتهن لكار التقاتل والقتال والسلب والنهب ,بدو عاشوا ابدا على حافة الجوع , خرجوا من الصحراء الجرداء القاحلة بأفق ريعية مادية جديدة , النسبة المحترمة أربع أخماس لهم وخمس للمصطفى او الخليفة شجعتهم وأغرتهم , ولأنهم متمرسون على البطش والقسوة والاجرام والتنكيل والغلظة ثم البربرية , لذلك ابلوا بالاعداء ,الذين أهتموا بأمور حياتية أخرى وليس بالعسكرة والحروب والقتل بالدرجة الأولى , هكذا يمكن تفسير نجاحات هولاكو الحربية ونجاحات محمد الفاتح ثم ابن الوليد وابن نصير وابن زياد والقبائل الجرمانية وغيرهم من الجماعات البربرية .
الغزو لبى حاجات البدو الريعية , لذلك سمي اقتصاد المغازي , لم يحاربوا من أجل العقيدة والدين ,لأنهم في ذلك الوقت لم يفهموا الدين ولم يفهموا العقيدة وعدم الفهم مستمر الى هذه اللحظة , لم يكن هناك كتب دين , ثم أن الغزاة كانوا اميون , ولم يكن بين الغزاة رجال دين ,شرخبيل لم يكن رجل دين , وخالد ابن الوليد كان رجل حرب وسيف واغتصاب فقط , غيرهم كان مثلهم,لقد استولوا بالسيف وابتلعوا حقوق واراضي الغير الحضرية , وتعاملوامع سكانها معاملة وحشية تعسفية كما وضح ذلك كتاب حسام عيتاني , لم يأتوا الى بلاد الشام المتقدمة حضاريا عليهم بدرجات , كما تصفهم الكتابات التبجيلية , لنشر المساواة والحضارة بين الناس , وكيف يمكن تحقيق المساواة بين السارق والمسروق ؟؟ , بين المعتدي والمعتدى عليه , وبين المظلوم والظالم , الذي انحصرت خياراته بالنسبة للمظلوم بالأسلمة او دفع الجزية عن يد وهو صاغر أو المواجهة الحربية.
لايتغير أمر الاجرام وحتى لو صدقنا مسألة نشر الرسالة , انها عندئذ رسالة اجرام , لاتعرف التجمعات البدوية المعتاشة من السرقة والعنف مايسمى مساواة خاصة في عصر الخلافة , لامساواة في الدين, وهل يستوي المؤمن مع الكافر !!! , انما عدل , اي عدلهم او عدالتهم المخصصة لأجل احقاق حقهم والحرص على مصالحهم وغنائم غزواتهم .
وجد الاطار النظري وخطة العمل الاستعمارية العنصرية التملكية مكانها في العهدة العمرية البربرية , التي عبرت عن شروط استسلام المهزوم للمنتصر , كانت املاء وقسرا لاشبيه لبربريته, أعجب من انسان يتقبل شروط هذه العهدة لابل يمتدحها , فهي املاء وقسر تحت حد السيف , لا علاقة بين العهدة وحقوق الانسان حتى في ذلك السياق التاريخي , ولم تكن ممارسة الغزو يوما ما فضيلة , وليس من حقوق الانسان تقبل شروط الغازي , للأسف لم تمض العهدة ولم تنقرض وها هي تتجدد على يد التراث المتجذر في النفوس , لاتزال روحها تحوم في هذه المنطقة وتقضي على كل مساواة وحياة اجتماعية وتقدم وأنسنة !.