ممدوح بيطار , نبيهة حنا :
بالرغم من سوداوية أو تشاؤمية أو تفاؤلية البعض بخصوص وضع العالم والحياة ومقارنة العصور مع بعضها البعض بخصوص جمال العالم او قبحه أو الشعور بالسعادة وغير ذلك ,يمكن القول ان تقييم كل ذلك مختلف من منطقة لأخرى ,كما أن معايير التقييم مختلفة , فالبعض يرى السعادة بتحقيق معايير مادية , والبعض الأخر يرى السعادة مجرد احساس ذوقي نوعي بدون معايير موضوعية, اي أن الخطوط البيانية الايجابية لاتستطيع التعبير عن السعادة في كل الحالات .
تكلمنا عن انطباعات بخصوص السعادة ولم نتكلم عن مؤشرات بيانية , ولكن المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة لاتعمل بالانطباعات , انما بمعايير محددة لتعريف السعادة والتعاسة , وبواسطة هذه المعايير يتم تصنيف الدول والمجتمعات الى سعيدة او أقل سعادة او تعيسة , انطباعنا بأن الشعب الأفغاتي هو الأتعس في العالم تطابق مع ماتقوله الأمم المتحدة , وانطباعنا الايجابي عن سعادة الشعوب الاسكاندينافية مطابق لخطوط الأمم المتحدة البيانية , التي رسمت بواسطة احصائيات ودراسات موسعة وعلمية .
انطباعنا بخصوص الشعوب العربية متشائم بخصوص السعادة , وانطباعنا المتشائم يرتكز على العديد من المعالم أو الخواص , منها بالأخص ما نسميه الادمان على العنف والاعتماد على العنف في حل المشاكل منذ ١٤٠٠ سنة , اي منذ تحويل المنطقة من دار “حرف وعقل ” الى دار ” سيف وقتل” على يد الفتوحات التي كانت بالسيف والعنف والقتل , الذي لايحتاج الى عقل ,للقتل وضعت خلفية فكرية تسمى الجهاد , ووضع له هدفا كان الغنائم المادية والبشرية مثل السبي , ثم النهاية السعيدة للمجاهد في الجنة سواء قاتل او مقتول ,المؤمن الذي يعتقد بأن مصيره بعد انتقاله الى السماء سيكون الخلود في الجنة سيهمل الحياة الدنيا الى حد الالغاء , وماهي ضرورة الاعتناء بالحياة الدنيا؟ اي الاعتناء بالعابر الفاني الذي لاقيمة له مقارنة بالخلود في الجنة المترافق مع انقلاب على محرمات الأرض ,مثل الانقلاب على عدد النساء وعلى منع الخمور وعلى استهجان معاشرة الغلمان وعلى الفناء وغير ذلك ؟
التحول من دار الحرف والعقل الى دار السيف والقتل كان من أهم الأسباب التي قادت الى تعاسة المخلوق العربي ,سبب اتهام العنف اي طغيان وهيمنة الحروب الداخلية والخارجية على حياة الانسان العربي ,كان تحول العالم بشكل ملحوظ الى مزيد من السلمية على الرغم من بعض الحروب هنا وهناك , بينما لم يعرف العالم العربي ذلك التحول بشكل واضح ,أي أن العنف استمر في هذه المنطقة بوتيرة تصاعدية , بينما انحسر بعض الشيئ خارج هذه المنطقة .
تكمن أهمية العنف وبالتالي الحروب بالنسبة للسعادة والتعاسة في تأثير العنف والحروب على الحقوق السياسية والأساسية لمواطنين هذه الكيانات المسماة دولا, ثم تأثير العنف والحروب على استدامة انظمة الاستبداد والقمع بعد استدعائها , ثم تأثير العنف والحروب على مسألة الحريات والديموقراطية وعلى مسألة الفكر والمسلكيات الفردية والقناعات , ثم التسبب بالتأزم المستمر والمستشري في العلاقات الدولية , بحيث تحولت الجماعات العربية الى بؤر معزولة على الخارطة الدولية, ومرفوضة من بقية شعوب العالم ,تمكنت اسرائيل على سبيل المثال ,بالرغم وضعها الحرج , من اقامة علاقات عميقة مع معظم دول العالم , بينما بقيت علاقات الكيانات العربية مع العالم حذرة ومتأزمة لعدة أسباب منها العنف والارهاب , عموما لايستطيع الانسان العربي التجول في العالم كما يستطيع الانسان الاسرائيلي , فالعربي يحتاج في كل الحالات تقريبا الى تأشيرة دخول , بينما لايحتاج الاسرائيلي لتأشيرة دخول بنفس القدر الذي يحتاجه العربي ,سبب هذا التباين كان تهمة الارهاب , التي لايمكن دحضها او نفيها او البرهنة على عدم صحتها, بكلمة أخرى يكمن معظم اشكالية العلاقات في العنف ورديفه اي الارهاب ,التحذير من ارهاب العرب وعنفهم قطعا ليس هلوسة !!!.
وبما أن الاتهام محق وليس هلوسة , لذا على الشعوب العربية طرح السؤال من أين اتى العنف والارهاب وتلك السمعة السيئة ؟ , البعض يقول ان المسؤول عن ذلك كانت النصوص الدينية والممارسات التي تمت على يد الدين وباسمه وكثرة انتشار المنظومات الارهابية ذات الخلفية الفكرية الدينية بين المؤمنين مقارنة مع المجتمعات الأخرى , فعدد سكان اوروبا يعادل تقريبا ضعف عدد سكان المناطق العربية وعدد الدول الأوروبية اكثر من عدد الدول العربية , ولكن لاوجود في أوروبا لما يشبه داعش او حزب الله او انصار الله او الحشد الشعبي او النصرة أوالمجاهدين والعشرات لابل المئات من المنظمات الارهابية , التي تعمل خارج القوانين الرسمية المحلية , لابل أخذ بعض هذه المنظومات شكل ” الدويلة ” ضمن الدولة مثل حركة انصار الله الحوثية او حزب الله او الحشد الشعبي او حتى داعش التي كانت مسيطرة لبعض السنين على نصف المساحة السورية وثلث المساحة العراقية , ولا تزال نشطة في بعض المناطق .
البعض لايتبنى هذه الرؤية الدينية بخصوص العنف ويدعي ان وراء كل تلك التنظيمات دوافع سياسية, أي أنها وليدة واقع سياسي , يتمثل بشعور تلك الفئات بالظلم , ولا علاقة لكل ذلك العنف والارهاب مع النصوص ومع التراث الفتوحي الحربي المتمثل بالغزو والاستيلاء والتملك , الذي بدأ قبل ١٤٠٠ سنة واستمر طوال تلك الفترة على يد القريشيين وعلى يد العثمانيين ,الى أن وصل الأمر الى المرشد الأعلى في ايران والى نعيم قاسم في لبنان ثم الى داعش وادبيات ادارة التوحش للسيد الحكايمة المعروف تحت اسم ابو بكر ناجي, ثم تنظيرات اخوان حسن البنا ومشايخ الخارج مثل المودودي والعديد غيرهم, لاشك بوجود اشكاليات سياسية بين معظم دول العالم , وحل معظم تلك الاشكاليات لايتم عادة بالعنف والارهاب, انما عن طريق السياسة والسياسيين ,بعكس مايحصل في هذه المنطقة , ففي هذه المنطقة تقتصر الحلول على ممارسة الارهاب والعنف داخليا وخارجيا,ويحتكر الدين ونصوصه ورجاله تلك الممارسات ,مقصد رجال الدين الحقيقي ليس حل الاشكاليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, انما اصطياد الكرسي السلطوي , لو تصورنا نجاحهم في اصطياد الكرسي السلطوي , فهل يمكن تصور تمكنهم من حل المشاكل ؟,افغنة العالم الشرق أوسطي ليس حلا لأي مشكلة , انما هو كل المشكلة !