سمير صادق, ربا منصور:
ما رأيناه في سوريا في السنين الماضية ولا نزال نراه الآن وفي هذه الأيام بالذات من انحطاط وحيوانية هو واقع , هكذا هو المجتمع السوري أو بالأصح هكذا أصبح المجتمع السوري,أو هكذا بقي المجتمع السوري , مفاجأة مرة ! , ففي القرن الحادي والعشرين يعدم أبو العلاء المعري , وفي القرن الحادي والعشرين يجري اسئصال العين بالقضيب المعدني , واسئصال العين لم يكن الا “انذارا”, اذا لم يتم الدفع للمسلحين من السلطة أو من الفصائل , تكون هناك عقوبة القتل والتقطيع اربا اربا , هكذا هي سوريا الآن وهكذا كانت الخلافة التي اطلقت على التقطيع كلمة “التفصيل” ,كما أمر بذلك الخليفة الرشيد هارون قدوة السوريين وهو على فراش الموت, التفصيل يعني تحويل الجسد الى ١٤ قطعة , اي يمكن القول ان الأمة كانت متوحشة مجرمة سابقا وبقيت لاحقا مجرمة متوحشة .
قال ماركس , أن ازدهار السماء كان دائما خاصة مرافقة لبؤس الأرض , وبعد ماركس جاء أدونيس قائلا في رسالته الى الرئيس ,طوال نصف قرن لم ينجب البعث مثقفا واحدا , والعرب كما قال موشي دايان شعوب لاتقرأ , وان قرأت لاتفهم , وان فهمت لاتعمل , وحتى ما قاله ادونيس لم يقرأ بتمعن عن عقم البعث , ولو فهم الشعب عبارة أدونيس بشكل كاف , لكان بامكانه تفسير التوحش السوري , الذي ليس بالجديد, وقد بلغ من العمر ١٤٥٠ سنة وبه جاء الغزاة من بدو قريش , اذ لم تعرف البلاد ممارسات من هذا النوع سابقا, أمة الحرف لم تعرف السيف .
امتزج البعث المغلف بحروف كلمة ” علمانية ” في الأسدية ,التي بقيت بعد تبخر الحزب , حكمت بشكل مطلق نصف قرن من الزمن وبطريقة غريبة عجيبة , طريقة حولت المجتمع الى جماعات متوحشة متشرذمة , كانت الأسدية بالنسبة لتلك الجماعات أفضل قدوة , لم تنتج في نصف قرن مثقفا واحد أفضل من خالد العبود ,باختصار كانت سلطة عكسية , أي أنها كانت تعمل بعكس المنطق والعقل والسياسة والأخلاق وبالدرجة الأولي عكس مصلحة البلاد ككل .
لايمكن لسلطة مجرمة وحزب قاصر عقيم ترقية المجتمع ولا تثقيف المجتمع , التقدمية هي ثقافة أولا وأخيرا ,سلطة بدون ثقافة لاتستطيع نشر الثقافة , لقد تم استهلاك كل مقدرات المجتمع في عملية القسر والأسر الفكري , التعددية الخلاقة تحولت الى نمطية الواحد الأحد , ثم أتى مسك الختام ..الى الأبد مع الواحد الأحد , ورفض أبدية الواحد الاحد ستقود الى احراق البلد , هل يعرف التاريخ نموذجا لاحتقار شعب من قبل دونية حاكمة كالنموذج الأسدي ؟ .
توحدت البعثية والأسدية في البدء تحت شعار وحدة حرية واشتراكية ,ولكنهم لم يكونوا الا مدرسة للرزائل والانحطاط والفساد , والدليل على ذلك هو ما نراه اليوم من تدني في الحس الوجداني , وانعدام المواطنية وممارسة الفساد والعنف والاجرام , الذي لم يعد سلطويا فقط , وانما أصبح شعبيا بامتياز , انتشر العنف في البلاد , حتى رأس تمثال أبو العلاء المعري كان عليه أن يتدحرج أمام سكاكين الفصائل, التي ارادت بعث امجاد الأمة العربية من جديد , والمعري لم يكن من فئة اصحاب الأمجاد كابن الوليد او الرشيد وغيرهم من مجرمي الحرب الفاتحين …يمكن ذكر الكثير من الأمثلة عن التوحش في سوريا ولكن المجال لايتسع لكل ذلك .
لم يكن البعث سوى دين ولم تكن الأسدية حقيقة سوى دين, ولم تكن الشعارات سوى قناع اختبأ الدين خلفه , وبما أن الجوهر كان دينيا , لذلك سقطت بعض فئات الشعب المستزلم في مستنقع الطحالب الدينية الآسن , وفي هذا المستنقع تحارب الأزلام مع اتباع المشايخ تارة وتصالح الأزلام مع أتباع المشايخ تارة أخرة , كلهم يكبرون , الأزلام للأسد الاله واتباع المشايخ لابن عبد الله , كلهم علموا تلاميذ المدارس ممارسة فنون التكبير ,بدأ كل يوم مدرسي بالتكبير ,من هو قائدنا ؟؟الأسد !!!!!, من هو ربنا ؟ الأسد !!!! ,ولأتباع المشايخ كانت لهم تكبيراتهم , وهكذا تطورت البلاد تحت زعيق التكبير, وما بقي من الشعب جلس مشدوها ومنتظرا , وبعد العديد من سنين الانتظار تبين للناس هول مشروع التكبير , الذي افضى الى دمار البلاد ومقتل مئات الألوف ثم هروب الملاين وجوع الجميع كما هو الحال اليوم .
من منجزات ماتسمى الثورية الاشتراكية التحررية الوحدوية ,كان تهجين الناس على التكبير ليلا نهارا ,كلهم كانوا اصوليون ,البعض ركز على نقاط مثل نقطة قانون الأحوال الشخصية والمحاكم الشرعية , والأسدية ركزت على نقاط أخرى مثل استجلاب ايران الشيعية الى البلاد ,ثم محاولة احتكار ريع الفساد, ومنذ أيام يتواجد الشمال السوري في حالة حرب باسم علي وعمر من أجل تحقيق ازدهار السماء وتحقيق بؤس الأرض , لهؤلاء تحقق ما يريدون على الأقل لحد الآن .
ما نشاهده الآن لم نشاهده في الخمسينات ,لم تكن في الخمسينات الأرض السورية بائسة وذلك بعد القليل من السنين من رحيل فرنسا , التي امتد وجودها كانتداب في سوريا لمدة ٢٥ عام مقارنة مع ٤٠٠ عام عثماني ومع ١٠٠٠ عام خلافة قريسشية , كيف تركت فرنسا سوريا وكيف تركها العثمانبيون وكيف تركها الفاتحون البدو من قريش ؟, لامقارنة للوضع السوري بعد رحيل فرنسا مع الوضع السوري بعد رحيل آل عثمان او بعد نهاية سلطة الخلافة القريشية ,كما أنه لامقارنة للخلافة والسلطنة مع العصر الروماني او حتى الفارسي , يعود ذلك الى نوعية المستعمر , المستعمر المتحضر يحضر مستعمراته والمستعمر المتوحش يوحش مستعمراته , لا ننتظر من بدو الأناضول ومن بدو الجزيرة اي تقدم أو تحضر لأنهم أصلا وحوش متأخرة بدائية , ولا ننتظر من الذين يقتدون بالماضي الخاص بالخلافة او السلطنة اي تقدم أو ترقي , لأن من يقتدي بالوحوش وحش مثلهم ,لذلك لافرق بين الاخونج والعروبيين وبين الخلافة القريشية والسلطنة العثمانية !