ليس من المهم بالنسبة للسوريين وسوريا ,كيف يعتبر العثمانيون أنفسهم , طبعا لم يعتبروا أنفسهم استعمارا , ولو اعتبروا أنفسهم استعمارا لكان عليهم التفكير في أمر الرحيل , لقد اعتبروا أنفسهم فاتحين , كما اعتبر اردوغان عملية نبع السلام بواسطة جيش محمد وبرفقة صلوات من سورة الفتح, لقد اعتبروا المنطقة ومنها سوريا ملكا لهم ,وليست جزءا من الأمبراطورية التركية الاحتلالية , الملك هو لخدمة المالك , اذ ليس للملك حقوق , لأن الملك “شيئ”, والفرق بين الملك والمالك كبير ,المالك يملك الملك , اما الملك فلا يملك المالك , ليس للملك حقوق , انه غنيمة حرب نهبها المالك الجديد .
يتضمن مفهوم الفتح عنصر التملك,لذلك منع من قبل عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى , آل عثمان أصبحوا ملاكا للأرض السورية وغير الأرض السورية كمصر والبلقان وغيرهم , لم يعتبروا سوريا جزءا من الأمبراطوريةالاحتلالية , انما جزءا من تركيا , كأنقرة على سبيل المثال , هنا قد تكون هناك بعض الفائدة من مقارنة الفتوحات الحجازية -العثمانية مع الاستعمار الروماني لايضاح بعض جوانب الموضوع .
لم تكن سوريا جزءا من الأمبراطورية الرومانية بالمعنى الكلاسيكي لهذه العبارة , لابل شريكا في هذه الأمبراطورية بالمعنى الواقعي العملي للعبارة , فالقانون الروماني , الذي ساهم في صياغته بشكل رئيسي سوريون (بانيبان ) لم يميز بين روما ودمشق , القانون الروماني ألزم روما بالمساواة بينها وبين بقية أجزاء الأمبراطورية ,عمرانيا على سبيل المثال ,فما بقي من الآثار الرومانية في سوريا يشبه كما ونوعا مابقي في روما ,وما بقي في اليونان أيضا ,سياسيا يمكن القول مجازا أن سوريا حكمت روما لعدة فترات , وكانت بالتالي روما تابعة لسوريا , مجازا كانت روما مستعمرة سورية ,الدليل على ذلك العدد الكبير من القياصرة السوريين في روما , الذين جلسوا على الكرسي القيصري الروماني أي على كرسي رئاسة الجمهورية الرومانية أيضا ,بالمقابل لم يكن هناك خليفة سوري في مكة , ولم يكن هناك سلطانا سوريا في أمبراطورية آل عثمان,عمرانيا لم يقيم العثمانيون في سوريا سوى التكية السليمانية وقبر لأحد خلفاءأو انبياء آل عثمان (يونس), وذلك خلال فترة أطول من 400 سنة , الخلفاء العرب لم يتركوا بعد احتلالهم للبلاد لمدة 1000 سنة أي أثر دل على وجودهم لتلك المدة الطويلة سوى الجامع الأموي , الذي كان أصلا كنيسة,وقبل ذلك كان كنيس .
لقد جمد الفاتحون كل شيئ من البشر الى الحجر , ووضعوا الشعوب في حالة نوم كنوم أهل الكهف ,عندما استيقظت هذه الشعوب بعد الحرب العالمية الأولى ورأت كيف أصبح العالم من حولها كانت صدمتها كبيرة , لقد وجدت نفسها في عالم لايمت لعالمهم قبل 400 سنة أو 1400 سنة بأي صلة , الصدمة سميت صدمة حضارية , ولا تزال هذه الصدمة تؤثر على تطور هذه الشعوب حتى هذه اللحظة, لقد كان الاستعمار العثماني والاستعمار البدوي من أسوء أشكال الاستعمارالتملكي في التاريخ البشري.
كل ذلك مضى وانقضى , وما يهم بعض السوريين الآن هو حالة العهر الانتمائي الذي يعيشه بعضهم على الأرض السورية , انهم يمارسون قانونيا وأخلاقيا مايسمى في قانون العقوبات السوري الخيانة العظمى , فقانون العقوبات السوري بمواده المعروفة منذ عشرينات القرن الماضي , تجرم المتعثمنين من السوريين , والذين “يفتحون” سوريا مع جيش محمد ومع من يعتبر نفسه شبيها بالخليفة أو السلطان أي كاردوغان !.
بغض النظر عن النظرة القانونية لأفراد الطابور الخامس التركي-العثماني , من المتوقع مستقبلا في سوريا الجديدة حدوث مواجهات , قد تكون دامية بين أفراد الطابور الخامس التركي-العثماني وبين السوريين , الذين ينتمون الى أحزاب مثل السوري القومي, وغيره من الأحزاب السورية , نظن بأن مسلكية المتعثمنين الجدد والقدامى ستقود مستقبلا الى ايقاظ نوعا من “الشوفينية” السورية القومية , وستكون للخيانة عواقب شعبية , الى جانب العواقب القانونية , المواجهة بين السوريين وبين المتعثمنين حتمية , وستكون العلاقات بين بعض الفئات السورية وبين الفئات المتعثمنة اي الطابور الخامس العثماني “صقيعية “صاعقة , البسوا جيدا فالصقيع قادم لامحالة! , فسوريا للسوريين وليست للعثمانيين او القريشيين وهكذا ستبقى .