ممدوح بيطار ,جورج بنا :
يبدو أن السب والشتم متجذرفي التراث المهيمن عليه من قبل الفكر الديني ,هنا يمكن التنويه الى الأمويين وسبابهم للعباسيين , والعباسيين وسبابهم للأموين ,ثم مستوى الشتائم المتبادلة , كل ذلك انتقل الى طريقة حوار الاخوان مع غيرهم في هذا العصر , والذي يتميز بكونه أقرب الى “التعارك والمشاجر ة والسب والشتم البذيئ بالفاظ يخجل اللسان عن النطق بها! .
هناك لتلك الممارسات المخجلة عدة أسباب , من أهمها الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة , فامتلاك الحقيقة المطلقة لايسمح لمدعي مالكها سوى بالشعور بامتلاكه للحق المطلق , والحق المطلق يلازم الأفق الضيق , الذي لايتسع عندها سوى لفكرة واحدة واتجاها واحدا , الأفق االضيق لايسمح بتعدد االاحتمالات , والأفق الضيق مؤهل لاحتضان المقدس المقتصر على فكرة الخالق الواحدة, المقدس غير مؤهل للتطوير أو التغيير ,لذلك فانه من غير الممكن أن يفرز الحوار مع الاخونج أفكارا جديدة , انهم في حواراتهم ” الشكلية”قطعيون يمارسون الهداية القسرية بكرباج وسيف الشتيمة والشخصنة, ثم الترغيب والترهيب بخصوص الجنة وجهنم .
يعتبر الاخوان تمرد الطرف الآخر على عملية “الاملاء” او الهداية القسرية كفريستوجب اقامة الحد على من يمارسه , اذ كيف يتمرد هؤلاءالزنادقة على الخالق الذي يمثلوه ! , بغض النظر عن مضمون رأي هذا المخلوق , يكفي أن يكون الرأي مجانبا للنص حسب ادراكهم , وما على الاخونجي في هذه الحالة الا تأنيب المحاور وشتمه وحتى شنقه لمجانبته النصوص, الاخونجي لايهتم بالمطروح بقدر اهتمامه بالطارح الكافر الزنديق الذي يستحق التوبيخ والشتم بأقسى الكلمات ثم العقاب , ولما العجب فالسب والشتيمة حلال والسنة تذخر بالسباب والشتم من قبل الجميع بما فيهم الصحابة وقدوتهم , وذلك بتعابير يعف اللسان المهذب عن التلفظ بها, في سياق دفاعهم ” الضار” عن الدين الحنيف , لا وجود لماهو مستهجن من المفردات النابية والتحقيرات المقززة للنفس, ولكن الاتهام بالحقد يتصدر كل الاتهامات الأخرى !
اضافة الى الظن بامتلاك الحقيقة المطلقة والمقدس المعرقل للابتكار والتفكير,هناك تأثير الثقافة الشفهية على عقل الاخونجي الشاتم ,الذي يعتمد في تثقيفه لنفسه على السمع أكثر من اعتماده على القراءة , من المعلوم عن الثقافة الشفهية اقتصارها على نقل رأي واحد يمثل المرجعية الشفهية , لقد تأخر التداول المعرفي في هذه البلاد عبر الاتصال الكتابي والثقافة المطبعية الى نهاية القرن السادس عشر, وكان في بدايته هدفا للمنع والقمع , فطباعة الكتاب كانت محرمة, والسلطان سليم اراد انزال عقوبة الاعدام بمن يمارس الطباعة , لقد كانت البلاد ثقافيا كما قال مارتن لوثر عن الكنيسة “دار فم ولم تكن دار قلم “,مواعظ وخطب وارشادات , خطبة واحدة من على منبر الجامع تكفي لاعطاء المؤمن كل حاجته من المعرفة والثقافة ,يقولون عندنا الكتاب وصفحاته الستمئة , ولسنا بحاجة الى هيجل وجان لوك واسبينوزا وروسو وغيرهم .
بخصوص هيمنة الثقافة الشفهية تكفي هنا مقارنة عدد الكتب التي تطبع في اسرائيل بعدد الكتب التي تطبع في العالم العربي, المقارنة تثير الدهشة والاستغراب والاحباط ,يقرأ الانسان الأوروبي أكثر من خمسين كتابا سنويا , بينما يقرأ الانسان العربي صفحتين سنويا , مصدر احدى الصفحتين كتاب احتاج لتفسيره وتأويله مئات الألوف من كتب الفقهاء , فهم ماجاء في النصوص صعب الى مستحيل ,اصلا لايقرأ الأميون , ونسبتهم لحد الآن في المنطقة العربية حوالي ٥٠٪ من مجموع الناطقين بالعربية.
انتشار الفضائيات بالشكل الذي نراه هذه الأيام ليس الا دلالة على احتكار الشفهي لممارسة مهمة التثقيف او بالأحرى التلقين , الأمي مرغم على الاعتماد على السمع , لذلك تفوقت ثقافة السمع على ثقافة المكتوب, خطبة الجمعة تأمروترهب وترعب , ولكنها لاتناقش .
تشكل الثقافة الشفهية مضافة الى الثقافة التقديسية الدينية الخلفية المناسبة لتحويل اي حوار الى جدل عقيم ومشاجرة يتم بها التفريغ العاطفي الأرعن الدوني الانحطاطي المتمثل بالشتيمة والمماحكة, ,كلما ضاق الأفق اتسع فضاء الشتيمة والانتقاص والسباب, ذلك يمثل زنا فكري لغوي, والزنا فكري قبل أن يكون جنسي .
الثقافة مصابة بخلل المقدس والشفهي والبذاءة , حيث يولد العجز والسطحية والاستسلامية للمقدس الديني و للديكتاتور المقدس وأقواله , بممارسة الشتم والانتقاص والردح والتحقيرالخ انتحر الاخونجي فكريا وبالتالي انقرض او سينقرض, من يصنع التاريخ هم من يفكرون و ليس من يشتمون..