ممدوح بيطار , جورج بنا :
لتحديد التناسل او التكاثر علاقة صميمية مع النمو الاقتصادي , اذ أنه ليس من الأخلاق ومن مسؤولية الوالدين انجاب أولاد فقط , ثم تركهم للجوع والمرض لكي يقتلهم , من الغباء والاجرام التقيد بما قاله ابن عبد الله بخصوص تفاخره بالتكاثر والتناسل يوم القيامة , لربما كان لابن عبد الله هدفا توسعيا (جهاد الطلب), وللتوسع احتاج الى محاربين , وكل محارب حمل سيفا , بعكس الأمر في هذا العصر , فالعلاقة بين قوة جيوش الحرب وعدد الرجال او النساء من المحاربين ليست طردية .
هناك في معظم الدول العربية خصوبة في التناسل وقحل او عقم في انتاج الغذاء وغير الغذاء مثل توفير التعليم والعناية الصحية والضمان الاجتماعي وبقية جوانب الحياة الأخرى , لقد بلغت نسبة التكاثر في هذه البلاد القمة مقارنة مع بقية دول العالم (٣,٢٪), بلغت أيضا القمة في الجوع والفقر وشح التعليم والمراكز الطبية التي يمكن الاستعانة بها أو الاعتماد عليها في حالة المرض , نسبة كبيرة من المدارس هدمت وتكاليف الطبابة فوق مقدرة ٩٩,٩٩ ٪ من البشر , خراب المدارس والتدريس قاد الى خصخصة التعليم وانتشار التدريس الخصوصي المأجور بأجور عالية لايتمكن كل انسان دفعها للمعلم الخصوصي , انعكس كل ذلك على الوضع الاجتماعي , فالفقير لايموت من الجوع فقط , انما يحرم من بناء المؤهلات المهنية عن طريق المدرسة , اذ لاتأهيل لأي مهنة بدون مدرسة ,أصبح التدريس مرتبطا بالمال , ومن يملك المال في الدول العربية هم اقلية من الفاسدين الكبار , الذين تحولوا الى اقطاعيين رأس المال , ليس بعرق جبينهم , انما بعرق جبين المظلومين ونسبتهم تتجاوز تقديرا ٩٧٪ من الشعب .
لالزوم لهجاء الفساد , بعد فشل هذا الهجاء في تنظيف المجتمعات العربية من أوساخ الفساد , لم يبق من مايمكن التأثير عليه بعض الشيئ سوى قرارات الحكومات , التي تشجع التكاثر والتناسل لحد الآن , وبذلك تساهم هذه القرارات في خرق غبي وتجاوز غير مسؤول لما تنصح به المنظمات الدولية بخصوص تنظيم التكاثر ليتناسب بعض الشيئ مع معدلات النمو الاقتصادي , علاقة النمو الاقتصادي مع النمو البشري بقي مجهولا او متجاهلا من قبل اصحاب السلطة المهجنة دينيا , يعني التهجين الديني التكريس العددي للمؤمنين انصياعا لمفهوم تناسلوا تكاثروا لكي يفخر ابن عبد الله بكم في الجنة او في يوم القيامة لا نعرف بالضبط !.
حقيقة لم يكن مصدر التحذير من مغبات التكاثر محصورا بالمنظمات الدولية في هذا العصر , التحذيرات قديمة جدا , حتى المعري كان مروجا لتحديد النسل , اذا كانت امنيته أن تكتب على قبره عبارة “هذا ماجناه ابي علي وما جنيت على أحد ” ثم انه لم ير في تراب الأرض سوى رماد الكثافة البشرية , قال “خفف الوطأ , ما أظن ان أديم الأرض , الا من هذه الأجساد “, لم يقدم المعري احصائيات ودراسات انما احساس فطري بالمشكلة , بعكس القسيس مالتوس في القرن الثامن عشر , الذي وجد علاقة سببية بين التكاثر والجوع وعواقب الجوع , التي لايحتكرها الجسد فقط انما تنتشر في كل زوايا المجتمع حتى الضيقة منها , الجوع ليس مشكلة المعدة فقط , انما مشكلة العقل ومشكلة الممارسات الخ , اي مشكلة حياة الانسان بأكملها وبكل جوانبها.
بالرغم من تكاتف القوى المروجة للتكاثر , مثل تكاتف رواد الرأسمالية المنتجة للسلح والمروجة لاستهلاكها بعد بيعها مثل آدم سميث وهيوم مع الدين المهجن حربيا , الذي يريد انتاج المحاربين من أجل القيام بغزوات السلب والنهب , وبعد الانتصار فرض الجزية , أي تيار يريد انتاج السلع وبيعها وتيار الهي يريد سرقة السلع التي انتجها غيره , تمردت اوروبا على التكاثرالأرنبي منذ منتصف القرن التاسع عشر وانتظمت في منظومة تناسب النمو البشري مع النمو الاقتصادي , لا نظن بأن الاوروبيين وعددهم الاجمالي أكثر من ٧٠٠ مليون انسان تعساء بسبب انعدام الجوع ومضاعفاته عندهم , وبسبب انعدام التشرد أو بسبب كفاية وشمولية العناية الصحية للجميع , لاجود لانسان اوروبي بدون راتب شهري سواء عمل او لم يعمل ولا وجود لانسان أوروبي بدون مسكن, ولا وجود لانسان أوروبي بدون تأمين صحي او تعليم مدرسي مجاني …الخ
اضافة الى المعري ومالتوس والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وللعلم وغيرهم , فقد استيقظت في العالم في سياق جائحة الكورونا أو حتى قبل الكورونا ببضعة سنوات شائعات حول مفهوم المليار الذهبي, الذي نجد له عدة مصادر مثلا في كتاب الروسي تسيكونوف تحت عنوان ” مؤامرة الحكومة العالمية , روسيا والمليار الذهبي ” أو حتى في العالم الغربي على لسان الأمريكي رومان بولاوج الحائز على جائزة نوبل للسلام, الذي تحدث عن الوحش البشري ومسؤوليته عن الجوع , بكلمة مختصرة يظن البعض ان الكرة الأرضية قليلة بموارها على ٨ مليارات ومناسبة بموارها لمليار , وهذا المليار سمي المليار الذهبي , هنا يسأل الانسان نفسه مالعمل مع مابقي من المليارات السبعة ,انها باختصار مشكلة بشر أكثر مما يجب وموارد أقل مما يجب !