ممدوح بيطار , مفيد بيطار :

بدلا من الانفتاح على الغيروالاستفادة من خبراته في التمكن من التعرف على المشاكل وطرق حلها كما فعل الخليفة المأمون لفترة قصيرة , نرى أهمالا متعمدا غبيا لللغات الأخرى , ثم ممارسة التعريب قسرا , مما قاد الى تقوية الاجترار الذاتي , فبدون لغة أجنبية كالانكليزية على سبيل المثال لايمكن التعرف على المضامين الفكرية العالمية في هذا العصر ,وعدم التعرف على المضامين الفكرية العالمية هو جهل قاتل,لا وجود في عالم اليوم لشعوب تعزل نفسها عن العالم , سوى بعض اغبياء المستعربين , الذين ظنوا ان الجهل باللغات الأخرى يمثل تقدما قوميا وطنيا , اللغات الأخرى شوائب يجب التخلص منها لكي تبقى الأمة العربية خير أمة متألقة بالعزلة والجهل.
لايقتصر التعريب على فرض هيمنة اللغة العربية على نشاطات التواصل بين الناس ,فالعربية ليست لغة فقط , انما دين ايضا , او ركنا من أركان الدين والايمان , فالمؤذن في أفغانستان عليه التأذين بالعربية, ويقال ان الله وآدم وأهل الجنة لايتكلمون سوى العربية , لذلك على الكردي الذي يغني موالا أن يغني مواله بالعربية, والا عرض نفسه للعقوبة .
هنا أخذ التعريب ابعادا عنصرية وسياسية, منها تكريس أنواعا من الاستعمار الداخلي والغاء المساواة بين التاس , وخلق الأزمات والانشقاقات بين فئات الشعب الواحد , ثم عرقلة مشاريع فصل الدين عن الدولة , لأن العربية جزء من الدين , وفرض العربية معادل لفرض دين معين ولفرض العروبة كعقيدة سياسية وثقافية ايضا , ومعادلا لالغاء واقصاء الآخر, مما يعني تهديد وجود الوطن وخلق اشكاليات مصيرية لاحاجة للوطن بها كما هو الحال مع الأكراد والأمازيغ والسريان وغيرهم .
ساهم التعريب في ايقاظ مشروع الشعب الكردي وايقاظ مشروع الأمازيغية , الذي ترافق مع ردة فعل ضد العروبة والعروبيين ,اللذين يشكلون في شمال افريقيا نسبة أقل من ٢٠٪ من السكان, بينما يشكل الأمازيغ تقريبا حوالي ٨٠٪ من السكان , الذين رفضوا اقامة نصبا تذكاريا لعقبة بن نافع في مدينة جزائرية , وأرغموا حكام الجزائر ومراكش على الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد , لقد أصبح من الضروري ومن مصلحة العروبي ان يبتعد عن محاولة تكريس هيمنة الصبغة العربية على الشعوب , فالشعوب لاتعترف بانتمائها العربي الواحد ولا تعترف بما يسمى أصل عربي واحد , هناك في كل دولة ناطقة بالعربية بدون اي شك عروبيين ولربما من أصول عربية , ولكن ليس الجميع عروبيين وليس الجميع من أصول عربية , لكي نصبح جميعا عروبيين طوعا ,علينا التأكد من انجازات العروبة كسياسة وثقافة وكدين ايضا , ماهي انجازات صدام حسين وانجازات عبد الناصر او بو مدين , الذي قادت عروبته في الجزائر الى حرب أهلية دامت عشر سنوات.
ليس من المهم التعرف على سقراط وروسو وهيجل ولوك وعلى علوم الفيزياء والكيمياء والذرة وغيرهم , لذا ليس من المهم التمكن من لغات أخرى ,المهم كتب الاعجاز العلمي لزغلول النجارالمتفوق على نيوتن وعلى مخترع النت والفاكس والمركبات الفضائية والكثير غير ذلك , المهم التعرف على كتب مثل كتب نكاح البهيمة وكتب التفسير ثم كتب تمجيد ابن عبد الله وأصحابه وأشباهه من الحكام .
لقد كان هناك ولايزال نوعا من العداء للعلم والمعرفة وانواعا من الادمان على الخرافة بمختلف أشكالها , ثم المؤامرة وما يسمى الاستشراق المعاكس, الذي اهتدى الى وهم مفاده وجود علاقة وثيقة بين المعرفة والحركة الاستعمارية , المعرفة هي جزء من الاستعمار , والتحرر من الاستعمار يتضمن تلقائيا التمنيع ضد المعرفة , الانغلاق والانسداد كان ولا يزال أحد أهم أسباب التأخر والانحطاط , والكارثة تجلت بتقديس الانغلاق والانسداد كوسيلة لتجنب التلوث بالآخر الكافر والفكر الكافر, والبقاء في نقاء خير أمة !