ممدوح بيطار , عثمان لي :

هناك بخصوص الدين وتياراته تيارا يدعي بأن التمسك بتطبيقات معينة للدين هو سبب التأخر, وتيارا آخر يدعي بأن التخلي او الابتعاد عن تطبيقات أحكام الدين هو المسبب للتأخر , فالتأخر مرتبط بالانكفاء عن الدين والتقاعس في تطبيق شرائعه وأحكامه , وحسب نظرة المغفور له الشيخ البوطي , ينتقم الله الغاضب من عباده الضالين, بسبب تقاعسهم في التعبد والتقصير في التزامهم بأحكام الله وحاكميته , هل هناك حقيقة نقصا في التعبد ؟ , وهل يمكن لزيادة التعبد أن تحل مشاكل هذه الشعوب ؟ , بكلمة مختصرة هل التعبد هو الدواء , أو أنه الداء ؟؟
التفكير بنظرة التيار الأول ونظرة التيار الثاني , هو في كل الأحوال بقصد حماية المصلحة العامة , والجواب الهادئ المتزن العقلاني هو أيضا من أجل المصلحة العامة , التي تتجاذبها هذه التيارات , التي تمثل من جهة ثقل حضارة الانسان الحديث , ومن جهة أخرى ثقل حضارة ماضوية تراثية محافظة ومحفوظة في قنينة الغيبية المسدودة باحكام ,بخصوص الصلاحية هناك تيارا يعتقد بعدم صلاحية أحكام الدين أو اي احكام أخرى لكل زمان ومكان , وتيارا يعتقد بمطلقية صلاحيات أحكام الدين لكل زمان ومكان!
هناك الكثير من الغرابة في أطروحة التيار الذي ينتحل صفة المؤمن بالصلاحية لكل زمان ومكان , هنا نسأل , ماذا عن الشعوب التي تنعم بالرفاهية والأمان , بدون الايمان بأي أحكام صالحة لكل زمان ومكان , شعوب تنعم بالاستقرار دون الاجترار وبالعقل دون النقل , مجتمعات ملحدة بنظر المشايخ ,الذين يكفرون التقدم والتجديد كبدعة ويكفرون التلوث بالتقدم والتجديد لأنه من رجس الشيطان وجنسه , وكيف يمكن لذو عقل تفسير ظاهرة أفغانستان والصومال وجمهورية البشير الدينية الخ, ثم خلافة أبو بكر بسكاكينها وسواطيرها , وهؤلاء كلهم كانوا القاضي والجلاد والحاكم , وحكمهم كان باسم الله , الذي لاهم له في الواقع سوى رفضهم والانتقام منهم , أطعمهم الفقر الذي أكلهم, والعنف الذي قتلهم , والجهل الذي دمرهم ,هل سبحانه كان عادلا أو أنه كان متآمرا مع الأمريكان والطليان والألمان ؟, الذين يتناقشون وينقدون ويطورون ويحترمون الرأي الآخر , لأن وجود الرأي الآخر هو جوهر صناعة نظرة حياتية جيدة وجديدة صائبة , صناعة لاتسمح بولادة التعسف والديكتاتورية , هذه كانت الثقافة اليونانية الرومانية , التي قفزت بالغرب الى الاعالي , بينما قفزت ثقافة سقيفة بني ساعدة , التي حددت الفهم السائد سياسيا ودينيا في هذه المنطقة بالبشر الى الحضيض.
الاسترشاد بالدين في غير فضائه وخارج مسؤولياته ومهماته , أي في اسقاط الدين الشخصي على الحالة الاجتماعية العامة , هو جوهر المشكلة , وهو الذي قاد الى الوقوع في مطب التأخر والاقتتال , الذي كان شريعة الجاهلية ,واستمر في الدين الحنيف بشكل حروب طاحنة وفساد اسطوري , خاصة بعد اعتبار مسروقات غنائم الحرب حلالا زلالا للمؤمنين لينعموا باربعة اخماسها, وينعم ابن عبد الله وخلافائه بالخمس الأخير, الذي حوله الى أغنى الأغنياء ( حسب وجدي غنيم كان ملياردير ) ,بدأ الفساد والعنف قبل حروب الردة واستمر بكربلاء وغيرها الى هذا اليوم , وبالرغم من ذلك لم تستتب الأمور , بل ازدادت تعقيدا وكارثية , لتصل الشعوب اليوم الى حالة ماقبل الاندثار الكامل وحالة الهامشية والانعزال في العالم , وبالتالي الخروج من التاريخ ,فمن يريد البقاء في التاريخ , يجب أن يكون مؤثرا ايجابيا على تطوره , خاصة في مجالات لاتمت للحروب والاحتلالات بصلة , هذه الحروب والاحتلالات كانت صورة عن الوجه القاتم السلبي للتاريخ , حروب تحولت الى ممارسة ادمانية , حرب من اجل الحرب ! , حرب لانتاج الموت والخراب , لم يكن الادمان على التحارب وممارسة العنف يوما ما مصدرا للبناء , ولم تهب الحروب الحياة لأي مخلوق بشري مارسها .
استفادت كل شعوب المعمورة من دروس التاريخ باستثناء العرب , تتطلب الاستفادة اليقين بالحاجة الى المراجعات وللدروس , وهذا يتطلب بدوره الاعتراف بالخطأ أو العجز أو الضعف , الاأن شعوب العرب لاتعترف بالخطأ , ذلك لأن هذه الشعوب مخمورة بالايمان بخير أمة , وملتزمة بخرافات تنسب الى الخالق , خرافات كانت مصدر الخطأ والضلال ,المؤمن صنيعة الله الذي لايخطئ , لذلك لايؤمن بأنه يخطئ , فالله على صواب والمؤمن به على صواب أيضا !!!!!!.
يحاول البعض الاحتيال على انفسهم وعلى غيرهم , من أشكال الاحتيال تسمية الأشياء بغير مسمياتها, هكذا أطلقت الشعوب اسم النكسة على الهزيمة , اي أن النكسة اسم مستعار للهزيمة, دون مراعاة حتى الدلالات المعجمبة لكل من النكسة وللهزية , النكسة أمر عابر وبريئ من الازمان , بينما آثار الهزيمة ونتائجها ليست بتلك البراءة والقابلية للعكس , لأن الهزيمة في حالة العرب غير قابلة للعكس , كل هزيمة كانت دائمة اي أن نتائجها دائمة , مفهوم النكسة يقلل من حجم المسؤولية الذاتية , وبالتالي يقلل من الحاجة للتعلم , وهكذا لم يتعلم العرب من الهزائم -النكسات , ولم يستفيدوا من دروس التاريخ ,لطالما الأمر “نكسة” فقط , فلا حاجة لدروس التاريخ ولا حاجة للتعلم .
من أشكال الاحتيال التسلح بالجهل وعدم المعرفة وانعدام الخبرة , الجهل احتل العقل ,لذلك بالطبع مسببات !, من أهمها الشعور بامتلاك الحقيقة المطلقة ذات المصدر الديني الايماني , فمهما تعاظم جهل المؤمن , يبقى على حق ,اذ أنه يحتكر الحقيقة المطلقة , المؤمن لايشك بمصداقية الله , ولايشك بالوعود الالهية بالنصر المؤكد ولو بعد حين , المؤمن على يقين غير قابل للخضخضة أو الشك بأن الله يفضله على غيره , والله يمارس الولاء والبراء معه , وبما أن دين الله هو الدين الحنيف , لذلك عليه مناصرة المؤمنين اخوته واخوة بعضهم البعض , هل سمع احدكم نطق الله بالشهادة ؟ هل تفترون على الله ؟
لم يدرك العرب لحد الآن كم الهراء والاهتراء والغباء والاستعصاء على التعلم , الذي أصيبوا به!