من أصبح رئيسا في سوريا أو غيرها من معظم البلدان العربية يريد أن يبقى رئيسا , ان كانت رئاسة الجمهورية أو رئاسة بلدية او رئاسة فريق تنظيف الشوارع , الرئيس يبقى رئيسا تماشيا مع التراث العربي الأصيل , واحتراما لقوانين الوراثة , المحروس يرث عن والديه العديد من الخصائص مثل لون البشرة وطول القامة وغير ذلك , وبنفس الآلية يرث المحروس عن ابيه المقام اي الرئاسة او الملكية او الزعامة او غير ذلك . لقد نجح توريث الرئاسة في سوريا , وجلس المحروس على الكرسي ,بالمقابل فشلت محاولات التقليد التوريثي في ليبيا ومصر واليمن والعراق , الفشل ازعج الرؤساء وانجالهم مثل صدام وقصي وعدي ثم نجل القذافي وجمال مبارك وحسني مبارك وغيرهم , خاصة بعد وقوف نجل مبارك أمام القضاء , وبعد ملاحقة قصي وعدي حتى الموت , حتى الوريث السوري يعاني من المضايقات , فاضبارته في محكمة الجنايات الدولية تنتظر التداول والبحث , ويقال على أنه ملاحق من فبل الانتربول, كما كان حال زميله البشير , ولولا الفيتو الروسي لتمت محاكمته قبل وقت طويل , عموما يعاني الوارثون من صعوبات عديدة , فعائشة القذافي المؤتمنة على مبلغ ١٢٥ مليار دولار تعيش تحت الاقامة الجبرية في عمان , والدولارات التي وضعت في البنوك على اسمها طارت , لايتسع المجال لذكر أكثر من الأمثلة والتفصيلات بهذا الخصوص . التوريث وابدية الحكم متجذر بعمق في الوجدان العربي , والتوريث يعود الى صلب الثقافة البدوية , هارون الرشيد قال ” لو مالأني عليه ولدي لعلوت رأسه بسيفي هذا ” , ولم يكن للخليفة الثالث عثمان رأيا آخر , رفض عثمان التغيرات التي طالب بها “الرعاع” , هنا قال ” لا أخلع قميصا البسنيه الله ” وفضل الموت على خلع القميص اي على الكفر , فخلع الرقبة كان بالنسبة له أسهل من خلع القميص , وكان له ما اراد , وما أشبه الأخ معمر القذافي بعثمان .أول من عهد بالولاية لمن بعده كان أبو بكر , الذي عهد بها لعمر , وعمر عهد بها لستة , عليهم أن يختاروا أحدهم فكان عثمان , الابن يزيد ورث الوالد معاوية , ادام الله علينا التوريث ووفق الوارث وأسكن الموروث فسيح جنانه ,ورث سليمان داوود , وكان الأنبياء يخلفهم الأنبياء , والملوك يخلف بعضهم بعضا , كلما مات ملك خلفه ملك ” اني جاعل في الأرض خليفة (البقرة )” , اي يخلف الناس بعضهم بعض جيل بعد جيل وقرن بعد قرن , لذلك كان الملوك يعهدون بالأمر الذي استخلفهم الله فيه الى من بعدهم من اولادهم بالدرجة الأولى او غير اولادهم , وهكذا طهر آل سعود عن طريق التوريث البيت السعودي من معاصي الشبهات والشهوات , حتى اصبحت الجزيرة بعونه علما للهداية واشعاعا للنور, حتى الجمهوريات لم تحد عن هذا المنهج المبارك . حتى المفردات اللغوية طورت نفسها باتجاه ثقافة التوريث , ففي سوريا وخارج سوريا استيقظت بعض المفردات الخاصة بالملوك من القبر , مثل مفردة مبايعة ومفردة عهد ثم ولاية الخ , اي ان اللغة شاركت في نكبة التوريث , الذي تأسس بشكل رئيسي على مرض “متلازمة الأبناء ” الممثلة لخلل عقلي – نفسي , ابتلى العقل العربي حكاما ومحكومين به .لم تنحصر الاصابة بمتلازمة الابناء على الحكام الزعماء , انما كان للاصابة بهذا التناذر مستوى شعبي ايضا , أي التوريث على المستوى الشعبي , لقد كان مستوى الزعامات تتويجا للمستوى الشعبي ,ولكي تنجح عملية التوريث على مستوى الزعامات لابد من تكريس هذا التوريث من قبل المستوى الشعبي , أي القبول الاجتماعي به , الذي يتبادل مع مستوى الزعامات الفوائد والمكاسب , وعلى المستوى الشعبي يتم تبادل المصالح والفوائد بين الفئات المختلفة .لايقتصر التوريث على مايملكه المورث , انما يتعدى ذلك الى توريث ما لا يملكه هذا الشخص , فالدولة ليست ملكا لرئيسها , لكن الرئيس الوريث يرثها من الموروث كأملاك خاصة , ذات المنهجية نجدها على مستويات الرئاسات الأخرى والادنى من مستوى الرئاسة , هنا لايشترط ان يكون الوارث شخصا , انما قد يكون فئة او طائفة , كما هو الحال مع وزارة الأوقاف , ولدرجة شبه مطلقة مع وزارة الاعلام ووزارة الخارجية الخ. متلازمة الأبناء قديمة وبدايتها كانت في اواخر الخلافة الراشدة , ثم استمرت في الخلافة الأموية ثم العباسية ومن ثم في السلطنة العثمانية , ثم غابت وعادة الى الظهور في العصر الحديث , واول من اصيب حديثا بهذه المتلازمة كان الحكم السوري خاصة بعد ١٩٧٠ , ومن ثم تمددت وانتشرت في العديد من الجمهوريات العربية مثل مصر وليبيا والعراق واليمن وغيرهم , الفضل في انتشار منظومة التوريث في العصر الحديث يعود الى الحكم السوري والى العروبية التيوقراطية المتنكصة الى العائلية والقبلية والعشائرية .