هناك شعوب مصابة بداء “النبذ” الاجتماعي , الذي يؤسس لممارسات تقود الى انحسار فئة من فئات الشعب , وبالتالي الى اندثار هذه الفئة , الانحسار والاندثار قيم رقمية ,نسبة مايسمى كتابيين بلغت في سوريا عام ١٩٧٠ ١٥٪ , وقبل ذلك عام ١٩٢٠ ٣٠٪ وقبل ١٤٠٠ سنة كانت ٨٠٪ ,ثم تحولت النسبة عام ٢٠١٥ الى ٣٪ , هنا يجب على الانسان العلمي التحدث عن انحسار , وعندما تبلغ النسبة مايقارب ال٠٪ كما هو متوقع في السنين القادمة , يجب التحدث عن اندثار , لايسقط الانحسار أو الاندثار من السماء , هناك عوامل أرضيىة تجعل من الانحسار والاندثار حتمية .
لداء النبذ الاجتماعي علاقة وثيقة مع البيئة البشرية , التي يتواجد المنبوذ بها ,ومع خصائص هذه البيئة , بيئة تتعامل مع مبدأ الولاء والبراء في اطار الحياة الدولية والداخلية هي بيئة نابذة , الولاء والبراء خاصة شبه ولادية, فالكافر الذي يتوجب على المؤمن قتله هو بالولادة كافر , وبخصوص الكفر تتراوح المواقف تجاهه بين متقبل ومتعايش معه , أو متقبل له على مضض وبين رافض له الى حد قتله , وذلك عندما يرى المؤمن ضرورة ذلك , الدعوة الى النيل من الكافر هو أمر جهاري يصدح به مشايخ خطب الجمة وكأنه ممارسة للفضيلة ,اللهم فرق شملهم !! , اللهم انصرنا عليهم الخ ,والمقصود هنا ما يسمى أهل الكتاب , نصوص خطب الجمعة تتراوح بين الدعوة الصريحة لقتل الكافر الكتابي , وبين ممارسات من نوع عزله وحتى اعدامه اجتماعيا مثل عدم مشاركته في اعياده , ثم مشاكل الزواج المختلط وغير ذلك , هناك كم كبير من الفتاوى , التي حرمت على المؤمن المحمدي تهنئة جاره الكتابي بأعياده ,كم كبير من الفتاوى من قبل جمهرة كبيرة من ” العلماء”, آخرهم كان مفتي الديار العراقية , ثم علماء الأزهر وغيرهم مثل القرضاوي , الذي لم يكن أولهم ,وسوف لن يكون آخرهم , لايتسع المجال هنا لذكرهم جميعا تفصيليا .
لايمثل مفهوم الولاء والبراء كل مسببات مرض النبذ الاجتماعي المذهبي , الولاء والبراء هو أحد مسببات هذا المرض, هناك اضافة الى ذلك مفهوم خير أمة , الذي ينعكس على نفسية المؤمن , ويدفعه للشعور أنه متمايز بأفضليته على الذين يعتبرهم مشركين, خير أمة تتوضع في الأعالي , ولمن لاينتسب الى خير أمه تصنيف أدنى بدرجات من تصنيف مخلوقات خير أمة , ثم هناك روافد لاشكالية خير أمة ,مثل خير دين , فالله مؤمن ودينه هو الدين الحنيف .
هناك عوامل أخرى تؤهل عقلية البعض للارتشاح بثقافة ومفاهيم النبذ , النبذ موجه للآخر مهما كان الآخر المختلف ,فالمختلف يتوضع تبعا لمفهوم التوحيد خارج خط الاستقامة كالملحد مثلا أو الكتابي , وحتى بعض الفرق المؤمنة , التي تعتبر من قبل فرق أخرى كافرة , نبذ الآخر هو تعبير عن عدائية مختلقة وبدون اسباب موضوعية , بالرغم من ذلك كانت المسبب الرئيسي لمعظم حروب القرون الأربع عشر الأخيرة.
يولد النبذ من رحم التوحيد , الذي لايستقيم مع التعددية , عندما يهيمن التوحيد يهيمن النبذ على مسلكية هذه المجتمعات , بسبب التوحيد لم يبق كتابي واحد في الجزيرة العربية , لقد كانت هناك أوامر نبوية لجعل الجزيرة خالية من الكفرة , حتى في العصر الحالي لم يتغير مارد التوحيد , هنك صعوبات كبيرة مع الأكراد والأمازيغ وغيرهم من المختلفين , لذا جرت محاولات تعريبهم , الذي ترافق مع العديد من الحروب.
لاتعددية في ظل التوحيد , الذي خص السماء مبدئيا , الا أنه سقط على الأرض , ضدية التوحيد للتعددية تقزم امكانية العيش المشترك , وتضخم امكانية التقاتل المشترك , يتقزم التقدم , لأن التعددية تعني الابداع وتعني النسبية , لا تقدم دون ابداع وفي ظل المطلقية , الفشل والتأخر والتشرذم كان نتيجة فرض التجانس الديني والثقافي والقومي على الآخرين , والشر الأعظم كان بمفهوم الفتوحات , التي تضمنت فرض روح التجانس قسرا , كالشيوعية التي رأت ضرورة فرض التجانس الثقافي -السياسي على العالم فكان نصيبها الانهيار , الخلافة العثمانية أرادت ذلك فكانت ابادة الأرمن والآشوريين وغيرهم من الشعوب ضرورية , وبالتالي انهارت السلطنة على مفهوم العثمنة .
للنبذ علاقة وثيقة مع التشريعات , التي حولت فئات من الناس الى مواطنين من الدرجة الثانية , مثلا من خلال تحديد دين رئيس الدولة وحتى دين الدولة , ثم تسلل الشريعة الى الدستور المدني , ثم الترويج الى نوع من الحياة الجهادية في ظل الحسين وزياد وكربلاء وضرورة استنشاق غبار كربلاء وغير كربلاء ,يتقاتلون منذ١٤٠٠ سنة ,وأين هي مصلحة الآخرين في العيش على أرض معركة ليس لهم بها ناقة ولا جمل, ذلك كان دافعا من دوافع الهجرة والهروب والابتعاد عن الهمجية وحروبها .
جوهر الغريزية النابذة للغير المختلف والمؤسس على ثقافة التوحيد ,كان دائما الحرص على مايسمى ” تجانس” الأمة , التي عليها أن تكون عرقا وجنسا ودينا من صنف واحد, تجلى هدف وممارسة التجانسس القسري خاصة دينيا في الحرص على أسلمة الغير , حتى ولو كانت الأسلمة شكلية , مثل النطق بالشهادتين , ظنا من مجاهدي التجانس , بأن الانتماء اللفظي الشكلي يدعم تماسك النسيج الاجتماعي , كما حدث مع الانتماء للبعث , ففي البعث “المنفتح والمنتفخ ” لم يكن حتى النطق بشعار وحدة حرية اشتراكية ضروريا! .
يقطع التجانس القسري التواصل الاجتماعي ويزرع التعصب , مما يقود الى الصراع والتقاتل , وبالتالي الى افناء المختلف الأضعف , انظروا الى حال العرب مع الآشوريين على سبيل المثال والى أعداد الآشورين , الذين مثلوا قبل آلاف السنين الشعوب التي عاشت في بلاد الشام خاصة سوريا والعراق , تأملوا اعداد اليهود ومنهم يوجد في سوريا ١٥٠ يهودي وفي البحرين ٧ يهود , تأملوا وضع الأكراد ومحاولة تعريبهم في دولة حرصت اسما على التشدد في تعريب نفسها ..الجمهورية العربية السورية ….الجيش العربي السوري , البعث العربي … الخ , فكروا في اندثار مايسمى النصارى في العراق وسوريا , وحتمية اندثارهم في مصر بعد اندثارهم في السودان , تأملوا بوضع الأمازيغ المشابه لوضع الأكراد !.
لم يكن العرب المؤمنين في عروبتهم سوى نسخة طبق الأصل عن العثمانيين ومشروع عثمنتهعم للغير, مما قاد الى ولادة اشكاليات مستعصية على الحلول المصرة على مزيد من فرض التجانس وبالتالي تعميق المشكلة, بالنتيجة لافرق بين أليات سقوط العرب وآليات سقوط السلطنة العثمانية , سقوط العرب الجديد مئة عام بعد الحرب العالمية الأولى هو نفس سقوط تركيا بعد مئة عام من السقوط المدوي في الحرب العالمية الأولى ..