تاريخ التعفيش والتطفيش في سوريا…

 

عبد السلام الشبلي:

 

أمجد رسمي - تعفيش الممتلكات | وطن إف إم - WATAN FMفي قراءة سريعة لعقلية حماة الديارة الأسدية ،التي برمجها نظام الأسد لنحو خمسين عاما ، سنحصل على نتيجة مفادها ،أن ما جرى في مدينة حمص   ،وما سيجري في أي منطقة ربما تصل إلى الوضع الذي وصلت إليه هذه المدينة ،أمر طبيعا جدا.
فالنظام الذي قام على سرقة السلطة، وكنس كل من يعادي إرادة الأسد الأب حتى أقرب المقربين، لايمكن أن يبني جيشا إلا كما بنا سلطة أساسها الإقصاء ،وهدفها السيطرة على مقدرات البلاد ،من أقلها إلى أكثرها.

قبل خمسة وثلاثين عاما، ولد في سوريا جيش مصغر سمي بـسرايا الدفاع، كان له الكثير من المزايا ،إثر تزعمه من قبل رفعت الأسد، شقيق رأس السلطة حافظ.
و لأن رفعت كان يحب البذخ و المفاخرة كما يروى عنه مرارا، مد يده في جيوب الشعب السوري، فمنح عناصر مليشيا سرايا الدفاع ما يريدون من أراض ليعمروا بيوتهم فيها بدمشق وتحديدا في حي المزة، الذي عرف في ما بعد بأسماء متعددة ” كالمزة (86) و المزة خزان والمدرسة “.
عُفّشت الأراضي هناك، وطُفّش أهلها بسياسة هدفت إلى إقامة مستوطنة أسدية ” رفعاوية ” بعيدا عن المسمى الطائفي لها ،لتكون عين الرقيب على مواطني دمشق، والكماشة المطبقة على قلوب السوريين هناك.

غادر رفعت ، بعد أن طفّشه أخوه بسياسة معاكسة، لأنه أراد أن يعفّش سوريا لمصلحته الشخصية ، وفكر مع مرض حافظ، أن سيصبح السيد الأول للبلاد، فكان الإقصاء الأخوي، بعد أن منحه حافظ الأسد عفّشَ الخزينة السورية كاملا، يزيد فوقها هبة قذافي ليبيا لشقيقه في الاستبداد حافظ، لأن رفعت وجد نفسه ذا أحقية بكل ما تملكه سورية، بعد جهوده في تعفيش أهالي حماة وتطفيشهم من مدينتهم، في خدمة لأخيه الذي سلمه المدينة، فأعادها إليه مدمرة و منهوبة، فاقدة لأكثر من ثلاثين ألفا من أبنائها.

 لم تنتهي هذه السياسة هنا، فهناك في لبنان كانت العملية أوسع بالنسبة لعناصر النظام المعدمين ، فبيروت كانت محطة التعفيش الرفاهي بالنسبة لهم.
سرقوا،أكلوا ،شربوا، واستباحوا الأعراض وعربدوا ، حتى أصبحت المدينة خرابا على يد من قال أنه سيدخل منهيا الصراع فيها فزاده من أجل مصالحه، ومصالح طغمته التي خلقت كرها عميقا بين شعبي البلدين، قائما على نظرية الاحتلال التي طبقها الأسد بحذافيرها في تلك البلاد.
ويألف ضباط جيش النظام البرمجة الجديدة ،فتمتد عملية التعّفيش إلى جيوب العساكر السوريين ، ممن ألزموا بالخدمة في جيش ” الوطن “، فدرجت تجارة العساكر السورية، والتي تبدأ مع أول يوم للمواطن السوري في داخل شعبة التجنيد، مع مقابلة أول موظف يتبع النظام.
خمسون ليرة لتمر المعاملة سريعا، ثلاث ألاف ليرة لتأجل الخدمة ستة أشهر، 10 آلاف لتأجيل سنة لغير الدارسين، 25 آلفا للحصول على الخدمات الثابتة، التي تمنحك الاعفاء من العسكرية .
و إذا كان عليك أن تخدم الوطن، فلا عليك أيها المواطن ” الحبيب ” ، قد أحدث مصطلح جديد يخدمك أحلامك في النجاة من ذل الجيش وضباطه.

التفييش، وهو أن تدفع مبلغا شهريا للضابط المسؤول عنك في خدمتك الإلزامية ، مقابل أن تبقى حرا طليقا في مدينتك بين أهلك وناسك ، على أن تبقى حريصا على مخابرة ضابطك كل يوم لتعرف جديد حاجياته عند كل زيارة له في آخر الشهر.
مات حافظ الأسد ، وعُفّش ابنه بشار بمنصب رئيس الجمهورية رغم أنوف المعارضين ، فطُفّش الكثيرون منهم عندما لاحت بوادر انقلابهم عليه ، و هم الذين كانوا شركاء والده في بناء السياسة التي طبقت عليهم في نهاية الأمر.
طفّش نظام الأسد الابن ،معارضي ربيع دمشق، وحمل الكثير منهم إلى السجون ، وعفّش مقدرات البلاد مرة أخرى ،في جيوب مقربيه من سلالة مخلوف والأسد وشاليش وغيرها.
استمر الضباط الصغار بتعفيشهم طوال عشر سنوات ، فناموا على سرائر اشتريت بمال السوريين ،وذاقوا طعاما صنعته أمهات السوريين كهدايا لحضراتهم .
لاحت الثورة في الأفق ، لم يكن خوف مؤيدي النظام منها ،بمقدار طمعهم بما ستجنيه عليهم من أرباح ، من خلال ما تعلموه من تاريخ المقايضات على رؤية سجين مثلا ، كما عرفنا وسمعنا أيام سجن تدمر وسعر الزيارة هناك، الشيء الذي تطور في الثورة إلى سعر إخراج سجين ، أو سعر تسليم جثته بعد موته.

التعفيش والتطفيش أمران أخذا بالزيادة طردا مع تطور الأحداث في سوريا ، فالقصف والقتل والإرهاب استخدم للتطفيش من البلاد ، وسار معه التعفيش على خطا واحدة فكل ما فرغت منطقة عفّش أثاثها.
كانت البداية في حمص قبل التعفيش الأخير، عندما أخليت أحياء باب السباع و كرم الزيتون وباب عمرو، فسرقت بكل ما فيها، مناطق كثيرة في سوريا تعرضت لهذه الحوادث أيضا، وعاد أهلها فلم يجدوا فيها قطعة واحدة من أثاثها المتبقي بعد القصف.
لعل الصور في حمص هي الأكثر توضيحا لهذه السياسة ، لكنها ليس جديدة العهد ، هي قديمة قدم النظام ، وستستمر ما استمر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *