ممدوح بيطار , سيريانو :
ماذا حمل الفاتحون معهم عند قدومهم الى بلاد الشام ومصر والهند ومراكش وغيرهم ؟ , هل كان بيدهم كتاب او بينهم رجل دين او لغة مكتوبة , أو مصحف او علم او ثقافة او فلسفة الخ ؟ , لم يكن بيدهم سوى السيف ومفهوم جئتكم بالذبح , ثم مبدأ اسلم تسلم أو ادفع الجزية وأنت صاغر وعن يد او حارب حيث ستقتل ذبحا , وماذا ننتظر من مستعمر فاتح من هذا النوع الكهفي مقارنة مع الغزوة الفرنسية لمصر , التي رافقها العديد من العلماء , الذين فككوا اسرار اللغة الهيروغليفية ثم جاؤا بالمطبعة والطباعة وغير ذلك , طبعا كل ذلك لم يكن من أجل سواد عيون المصريين , انما من أجل منفعة خاصة او بالأحرى خدمة لمفهوم حضاري تداخل وتشابك مع الاحتلال , فمصر تقدمت على يد المطبعىة واستفادت من الوجود الفرنسي بشكل ما , حتى لو كانت تلك الفائدة جزئية.
بالمقابل ماذا استفاد اهل بلاد الشام واهل مصر من الفتوحات البدوية ؟؟؟؟لم يكن هناك سوى الانحطاط والبدائية , التي تمكنت من التجذر في نفوس الناس , والتي لاتزال مهيمنة لدرجة كبيرة , بالرغم من تآكلها الكبير عن طريق كشف الستر عنها , من أسوء نتائج الغزو البدوي كان ذلك الجمود في كل جوانب الحياة , لافرق بين الجمود الذي سببه الاستعمار العثماني وبين الجمود الذي سببه الاستعمار البدوي القريشي .
كان تعاطي أو تفاعل الشعوب مع التاريخ قبل عصر التواصل الاجتماعي الحر مشوها متعثرا وناقصا , فعندما نتعرض لأي استعمار نستنكره ونستقبحه ونعرف ان مهمته الاساسية لم تكن مصلحة مستعمراته , يشذ العروبيون والاخونحية عن هذه القاعدة , اذ يعتبرون الاحتلال البدوي فتحا مبينا يجب الاحتفاء والاحتفال به , الى درجة تمجيد رموزه, كأن تسمى الجوامع والمدارس وغيرم باسم رموز الغزاة, اي باسم الخلافة وباسم قادة عسكرها, وذلك من خلفية مفاهيم عروبية اخونجية مثل مفهوم الولاء والبراء , الذي يهتم بالأمة الدينية ولا يهتم بالوطن الأرضي , لابل يحارب الوطن الأرضي , لكون الدين الأممي بمثابة “الوطن ” , لايقتصر الأمر على الغاء الأوطان التي تشكلت حسب التطورات العالمية الحديثة , انما توسع الالغاء الى الأسرة , اهمية الدين اعظم بدرجات من أهمية الأم او الأب او الابن او الزوجة , عندما يرتد الابن عن الدين يقتل حتى بيد والده , الدين هو اساس كل شيئ , التواصل الاجتماعي فضح كل هذه الرزائل .
كل ذلك والكثير غيره , اي استباحة الأوطان ثم استباحة العلاقات الاجتماعية مثل الأمومة , فسر على أنه حضارة ولدت قبل ١٤٠٠ سنة , وكانت ثرية عظيمة حسب ادعائهم ,في عصر النبش والحفر والكشف عن المستور تم التعرف على جيفة متفسخة كانت متخفية خلف الأكاذيب والأوهام , قبور مليئة بزبالة الانحطاط والفضائح والتأخر والجمود , وبالتالي مدعاة للسخرية وليس للفخر.
قامت غزوة مصر وغزوة بلاد الشام على يد همج حملوا السيوف , لم نسمع شيئا عن كتاب كتبوه , كانوا اميون بما فيهم ابن عبد الله , لم يضيفوا شيئا على معالم حضارة بلاد الشام او حضارة مصر , والأمر ينطبق على بقية المناطق المفتوحة , التي تم تملكها من قبل الغزاة كتملكهم لغنائم حرب أخرى كالسبايا والجواري والأملاك ولكل شيئ توفر وارادوه , استباحة كاملة للبشر والحجر بدون اي معرفة بادارة الدواوين والسجلات الخاصة بالمال والغنائم , لذلك استعانوا بداية في مصر بالأقباط وفي بلاد الشام بالسريان.
لايمكن اعتبارالغزو وتجميع غنائم الحرب “تحضير”أو ” تحرير ” اذ لم تكن شعوب المناطق المفتوحة متدنية حضاريا,ولم يكن المصري أو السوري بحاجة لأن يتعلم من الغزاة شيئا حضاريا, باستثناء نوع التعامل مع السيف ثم السبي والسرقة , التي مثلت بالنسبة لهم الهدف الأساسي الرئيسي , بقي المزارع السوري وبقي المزارع المصري وراء محراثهم , ومع الزمن اندثرت حتى الزراعة وحتى المحراث , ولم يتم اختراع اي شيئ جديد , وحتى أن الغزاة البدو لم يتعلموا شيئا يذكر من حضارات الشعوب , التي ابتليت بهم.
بقيت الآثار الرومانية والفرعونية المصرية شامخة تتحدى الزمن , لم تقتصر همجية الجراد البدوي على عدم التقدم او التعلم من الشعوب المتحضرة , اذ حرصت هذه الهمجية على استنشاط التأخر , وبذلك يتوازن المستوى البدوي نوعا ما مع مستوى البلدان المفتوحة , الأمر تعدى ذلك الى التهديم المقصود , لقد هدم صلاح الدين اهراما بالكامل , ولم تفعل البدوية بخصوص المعالم الأثرية الحضارية غير ذلك في بلاد الشام , لم يقتصر التهديم على عصر الفتوحات , انما تجاوز ذلك الى العصر الحالي مثلا على يد داعش بالدرجة الأولى , قبل داعش مارس الاخونج ذلك , وقبل الاخونج مارس العثمانيون هذا الأمر, وقبلهم مارس الخلفاء القريشيون هذه النشاطات .
لايجوز انساب حضارة الى غير من ساهم بها,لقد كانت الحضارة الفرعونية من صنع الفراعنة اي المصريين القدامى , وحضارة مابين النهرين من صنع الآراميين والسريان والكلدان وحضارة المايا من صنع شعوب المايا , وماذا صنع البدو وما هي الكتب التي كتبوها او البناء الذي شيدوه أوالقوانين التي سنوها ثم الأعمال الثقافية التي مارسوها ؟ , لم يكن في الدين فنون او فلسفة او علوم , فالرسم ممنوع والصورة ممنوعة والمسرح ممنوع وحتى اشادة المكتبات كانت ممنوعة ,وما كان موجودا منها أحرقوه , المطبعة ممنوعة , باستثاء اللحى التي وصلت الى الركاب ثم الصلاة وممارسة النكاح باشكاله الحيوانية الاغتصابية ثم القتل لأتفه الأسباب فقد كانت مسموحة ونوعا من أنواع التعبد,في الحديث عن ابن عبد الله قيل” من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه به,مات على شعبة من نفاق” !
عندما نتناول او نقيم اي غزو استعماري لبلادنا قديما او حديثا نستنكره وندينه ونستقبحه, لكونه ممثلا لأطماع استغلالية بوسائل بربرية همجية, لكن المستعربون والاخونج منا لايعتبرون غزوة الجراد البدوي استعمارا , بل فتحا مبينا , يشيدون به ولا يتورعون عن اقامة الاحتفاليات في ذكراه, لابل سميت المدارس والشوارع والمساجد بأسماء المجرمين مثل صلاح الدين او ابن الوليد او عقبة بن نافع تخليد لهم , كل ذلك أشار الى عدم معرفة المستعربون والاخوان بحقيقة غزوات الجراد البدوي , أو انهم عرفوا ذلك , لكنهم أرادوا توظيف التمجيد في تسهيل امكانية تسلطهم وكأنهم امتداد للجراد البدوي المجيد , اي أنهم ارادوا ان يكون لهم امتياز النهب والتسلط والسرقة كما كان للجراد البدوي , كانوا مصابون بالازدواجية من ناحية , ومن ناحية أخرى لم يملكو من وسيلة للعيش سوى النهب والسرقة , ثنائية العمل – الانتاج كانت مفقودة عند البدو وبقيت مفقودة عند المستعربين .
أصلا لايريدون التقديس الا لأنفسهم , حيث يستخدمون التقديس في عملية تطويع الوعي وتهجينه حسب معاييرهم المطاطية بخصوص المقدس , الذي تحول الى اشكالية كبيرة , خاصة بعد تمدده الى المستوى الشخصي, وهكذا وصل السنوار الى مرتبة عمر وعمر وصل الى مرتبة اله مقدس , حتى الغزو اعتبر مقسا , والتلفيق على الخالق من قبل خلقه أصبح مقدسا , القتل مقدس والكثير غيره , احيط المقدس بجدار التكفير ومن يكفر يقتل , هكذا وبكل بساطة !!!! , هناك المزيد من العوامل الأخرى المشابهة في تأثيراتها السلبية , التي لايتسع المجال لذكرها , الا أنه يمكن في سياق التعليقات ذكرها وبحثها ايضا .