انتقال حروب العرب ,من الخارج الى الداخل !!……

ممدوح بيطار,ميرا   البيطار  :

الإمارات تعلن الحرب على فلسطين     لو لم يكن التراث مهيمنا وبتأثير  سلبي  حتى   الآن  , لما كانت هناك ضرورة لنقده وتحليله وتفكيكه , فالتراث مهيمن على معظم قواعد وأحكام الحياة المدنية والروحية بدرجات مختلفة في   المنطقة  العربية   , حتى  لو لم يجلس   الاخوان  على كرسي الحكم ,فالتراث   المهيمن    اخونجي     الى   حد  كبير   .

هناك وجوه عديدة لتسلط التراث على قواعد وأحكام الحياة المدنية , منها على سبيل المثال تسلط التراث على قوانين الأحوال الشخصية , الا أن تسلط التراث على طرق تعامل الناس مع بعضهم البعض هو من أهم أشكال التسلط , فالتراث المرتشح بثقافة الحروب وغزوات الماضي والاجتياح لأراضي الغير لأسباب كاذبة ومزورة ,   صبغ الحياة المدنية بصبغة العنف , الذي لم يقتصر على استخدام السيف والبندقية , وانما تعدى ذلك الى عنف الكلمة , وعنف تصنيع الاعداء واتخاذ  المواقف   العدائية   تجاه   الغير, اي   صناعة   الأعداء ,  حتى   في   النقاش  والحوارات  ,   التي تتحول  في معظم  من الحالات الى تعارك أو مشاجرة  والى محاولة الفتك بالطرف الآخر , الذي يعتبر في هذه الحالة عدوا خطيرا يجب ابادته بشكل ما , يجب  اعدامه اجتماعيا أو اغتياله نفسيا , أو حتى تصفيته جسديا.

لم يعد الحوار طريقا للتفاهم وانما وسيلة لاملاء الارادة ,الى التلقين الى الفرض والى الاجبار , واي تعثر في ممارسة هذه الفروض يقود فورا الى اعلان التعبئة والنفير العام, للتمكن من تصفية المحاور , الذي يتم تدجينه عندئذ الى العدو الحاقد الكاره , وبذلك تحليل دمه , وكم من المرات نقرأ يوميا تلك العبارات التي تصف المحاور بالحاقد الكاره , الذي يولد  حقدا وكرها مقابلا , اي أن العملية بمجملها     تحولت   الى تبادل   الحقد والكره .

بسبب   ضعف   الذات  اقتصاديا , وبالتالي  حربيا لم تعد هناك امكانية   في  هذا   العصر لتبادل الحقد والكره مع جهات خارجية  , لذلك تحول الادمان على التحارب والتناقض الى الداخل , عقلية ابن الوليد وعمر ابن العاص وموسى بن نصير وشرخبيل وأبو عبيدة والسفاح والجراح تحولت الى قمع أعداء الداخل من الخونة والعملاء والكفرة الذين يشككون بالعروبة والدين  , أي أن نقد   العروبة أصبح   على   سبيل   المثال خيانة  يجب مواجهتها حتى   بالعنف , وبالتالي وجوب اعلان الحرب على الآخر   , الذي تجرأ على العروبة والدين , في هذه الحرب لاوجود للقوانين والأحكام التي تحدد ماهو ممنوع وما هو مسموح وأي اسلحة لايجوز استخدامها , كل شيئ مباح ومسموح من أجل الدفاع عن العروبة   والدين والغاية هنا تبرر الواسطة.

لايمثل التشرب والارتشاح بثقافة العنف ارادة بشرية حصرا , يظن المقاتلون   المحاربون  على ساحة الحوار والنقاش بأن الله داعم ونصير لهم , لذا يرتكسون بعنف أشد عندما يظنون بأن حليفهم الالهي أو رسله أو دينه قد تعرض للازدراء والاحتقار , هنا نعايش ونتعرض لانفجارات عاطفية معنوية , تحول المعركة الى قضية حياة أو موت من أجل المقدسات  ومن  أجل  الرسل   والأنبياء  ومن أجل كرامة ومعتقدات   مليار ونصف  من  البشر .

 كل ذلك   مثل  استحضارا للماضي , حيث  وجد العنف الموجه الى  الخارج  دعما من الله , الذي  أمر   المجاهدين  بنشر الدين أي بالفتوحات , هذا التشرب والارتشاح بثقافة الحروب والظن بأن الله داعم لها وهو نصير للمؤمنين   ,  انعكس  داخليا   بشكل   حروب  وخلافات   بين المؤمنين   وبين   مختلف    المذاهب   الدينية  ,عدمية   هذا   التحارب   جعل    العالم يتفرج   عليهم   مشدوها ,  العالم   لم   يعد  يفهم كيف يفكر العرب وكيف يحللون ويحرمون   ولماذا   يقتلون  ويتقاتلون ,   وبالتالي   لم يعد يكترث  بحروبهم  وجهادهم واستشهادهم وشجاعتهم ونخوتهم ونفيرهم..الخ.

تحول   ساحات   الحروب   الى   الداخل   كان  كارثة  بالنسبة للشعوب المبتلية بداء تمجيد ثقافة الحروب, ثم القتل في ظل الجهاد والاستشهاد, الذي يتم الترويج له   بكل   وسائل   الدجل  والنفاق  الممكنة  , التحضر   تمثل  بالغزوة  والثراء   عن  طريق  غنائم   الحرب  , الذي نظر  اليه  كمسلكية   مشروعة , السعي وراء المال والنسوان   والغنائم ,بشكل أو بآخر   مشروع!,   لذلك تم وضع   هذه الحروب في خانة الفضائل والغزوات في خانة الارادة الالهية ,وبهذا اكتملت عملية خداع الذات وتمهد الطريق لانتاج نوعا غريبا من الازدواجية ومن التعالي والغرور   والأنانية  , اصطدم   الادمان   على   العنف   وعلى   التحارب في هذا العصر مع شح الامكانيات   العسكرية الحربية ,التي تعتمد بالدرجة الأولى على التقنية والعلم ,   اذ لم يعد للسيف والناقة والحصان والشجاعة والعضلات أي قيمة تذكر,لذلك   توقفت   الحروب  مع   الخارج, واندلعت   في   الداخل   كحروب  أهلية  وبوسائل   معظمها   بدائي  , كسواطير  وسكاكين  وأقفاص محارق   داعش!

  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *