تتواجد سوريا في حالة من التردي المتزايد , وحال بقية العالم العربي الاسلامي لايختلف عن حال سوريا, ففي سوريا أكثر من مئة ألف جامع, وبالطبع عدد الجامعات أقل بكثير ,حتى ان عدد مدارس تحفيظ القرآن أكبر من عدد الجامعات والمعاهد التقنية التعليمية , السؤال هنا يخص العلاقة بين التردي وبين عدد بيوت الله , بين تكاليف بيوت الله وتكاليف بيوت التعليم .
لا نعرف أرقاما دقيقة عن المدارس المهدمة وكلفة ترميمها , ولكننا نعرف تصريحا لوزير الأوقاف الشيخ عبد الستار السيد , الذي تضمن معلومة عن كلفة ترميم جامع الأوقاف في حلب , فكلفة الترميم حسب تصريح الوزير قدرت بمبلغ ٧,٣ مليار ليرة سورية , رقم أصابنا بصدمة !! , فاذا كانت كلفة ترميم جامع الأوقاف الكبير بهذه الضخامة , فكم ستكون كلفة ترميم كل مسجد تأثر بأحداث السنين الأخيرة ؟
معلومة أخرى لم نتمكن من استيعابها عقليا , يقال بأن نسبة انتشار الأمية في ريف حلب ١٠٠٪ بين النساء و٩٨٪ بين الرجال , وذلك بالرغم من وجود قرابة ١٠٠٠ جامع في الريف الحلبي , لا نود التوسع في سرد الأرقام , فما ينطبق على ريف حلب ومدينة حلب ينطبق على غيرها.
ما هي علاقة كثرة أماكن العبادة وممارسة التدين مع كثرة الجهل والأمية؟ , ولماذا نشعر بشيئ الخوف عندما نقول بأن كثرة التعبد تتناسب طردا مع كثرة الجهل وعكسا مع كثرة العلم والفهم , ولماذا يصر رجال الدين على تكاثر بيوت العبادة الذي يرهق المقدرات المادية المتواضعة جدا للدولة , اضافة الى ارهاقه المباشر وغير المباشر للمقدرة على الادراك والتحصيل العلمي , وهل التقدم ممكن على يد خريجي كليات الشريعة ومدارس تحفيظ القرآن , أو أنه من الضروري توظيف الامكانيات المحدودة بما يفيد الحياة , وليس بما يكرس الممات على يد الفقر والمرض والجهل ؟
يتصف الماضي في القرون الأربع عشر الأخيرة وفي نصف القرن الماضي الماضي بنقص واضطراب الادراك والحكمة وعدم وضوح الأفق وبتمظهرات حالات العهر السياسي بالزنى بين الادعاء العلماني , الذي لم نصدقه ولم نتمكن من نفي بعض جوانبه ,مع الاخونج السياسي , المفاجأة كانت في اكتشاف قندهار في عموم سوريا مدعية العلمانية , انه اكتشاف كارثي , لقد اكتشفنا بأن سوريا اشرفت على الموت دون أن ندرك اصابتها بالمرض العضال , الذي يستمر حتى هذه اللحظة في سرطانيته التي تأكلها عضوا بعد الآخر وجزءا بعد الآخر.
انه سرطان الدين المسيطر دون منصب , فخبرة السنين الأخيرة مع الأصولية بأشكالها المختلفة ومع السنية والعلوية والشيعية السياسية , لم تتمكن من تنويرنا وتعليمنا ما هو أفضل , وهكذا عدنا الى الجوامع والى انشائها وترميمها بتكاليف خيالية , وعدنا الى اهمال غيرها من المرافق المفيدة , فمدينة حلب التي عرفت تدميرا كبيرا لحق بمدارسها وجامعتها ودور معلميها خلال سنوات الحرب لم تحظ بالعناية التي تحظى بها دور العبادة ودور تخريج دفعات جديدة من الأصولية والأصوليين .
بناء التعليم الشرعي محمي بالقرار السلطوي المخاتل والمنافق , ليس من الصعب اكتشاف زيف الاهتمام بالعلم والمعرفة ودور العلم والمعرفة والثقافة والوعي الوطني , وليس من الصعب مشاهدة ذلك التكثيف في العناية بدور العبادة مقارنة مع الاهمال الفاضح بالعناية بالمدارس , لذا يمكن القول انه ان لم تكن جولة تهديم سوريا الأولى كافية , فستأتي الجولة الثانية المدمرة بشكل نهائي , هناك من عاب الانطلاق من الجوامع في حالة الثورة اليتيمة , الآن ستصبح الجوامع بعد الترميم جاهزة لانطلاقة أخرى .
لايمثل ترميم دور العبادة بتكاليف عملاقة كل اشكال التردي , فللتردي وجوه أخرى , مثلا قرار الغاء الاتحاد النسائي الذي ترافق زمنيا مع الترخيص للقبيسيات , عند السؤال عن سبب هذه الخطوة المباركة , كان الجواب , انه بالنظر لمساواة المرأة بالرجل في البلاد لاحاجة للاتحاد النسائي ! ولكن لماذا لاينطبق ذلك على القبيسيات , وهل يشير ذلك الى مساواة المرأة مع الرجل في الأجواء القبيسية الفكرية ؟ الأمر بحقيقته ليس الا خطوة من أجل اعادة التآلف والتكاتف والثقة الأصوليات , انهم بحاجة الى بعضهم البعض وهذا ما يؤكده تاريخهم !.
