ربا منصور, ممدوح بيطار :
مامن تطرف في صياغة الرأي وتحديد الموقف , فالرأي والموقف هم أمور متغيرة في المكان والزمان , موقف أمس هو غير موقف اليوم , لذا يمكن القول بأن كل رأي أو موقف متطرف أو غير متطرف , التطرف لايخص نوعية الرأي , التطرف هومفهوم مغلف بالقطعية والمقدس ومعبرا عن جمود الرأي أو الموقف , القطعية والمقدس يحرر الموقف من الديناميكية ويضعه في سجن أو أسر الجمود والمطلقية , التطرف هو كتلة مفهومية conglomerate تضم عناصر وخواص أخرى مثل “الغلو” الممثل للتفريط في ممارسة القطعية , وعليه تترتب مسلكيات وانحرافات تصل الى حد ارتكاب الجرائم مثل الارهاب, وبذلك ينتقل الانسان المصاب بعاهة التطرف من فضاء الاعتقاد الى فضاء الممارسة اللاخلاقية واللاقانونية واللانسانية , هذا يعني تلازم التطرف مع الارهاب .
لايبقى التطرف في الفضاء العقيدي , لأن هذا الفضاء لايلبي كل حاجاته , التي من ضمنها الادمان على العنف , العنف ضد الآخر هو تأكيد على رفض الآخر , والقطعية تفرض على المبتلي بها رفض وكره الآخر , لأن الآخر ليس متطرف أي ليس دوغماتيكي أو قطعي , وذلك بغض النظر عن مضامين المواقف , المتطرف أي القطعي متباين ومختلف عن الآخر بقطعيته وليس بمضمون مواقفه وأفكاره .
تعود ممارسة العنف وبالتالي الارهاب الى طبيعة التطرف , اذا لا عنف ولا ارهاب بدون تطرف أي قطعية , اي الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة , التي يحتكرها العقل القطعي , التطرف ليس ولادي , انما مكتسب كظاهرة اجتماعية متعددة الأسباب , وفي عملية احتلال التطرف للعقل , تتضافر عدة عوامل معظمها ديني وبعضها ثقافي اجتماعي مع بعضها البعض , مصدر معظم هذه العوامل كان الدين ولا يزال.
لنأخذ من الدين بعض المفاهيم مثل مفهوم المحمدية دين ودولة للسيدان حسن البنا وقطب , الذي تتراوح تطبيقاته من اقامة الخلافة , كخلافة أبو بكر البغدادي , وبين الشكل الملطف من مفهوم الدين والدولة , كأن يفرض على الدولة دين معين , و كأن يفرض أن يكون لرئيس هذه الدولة دين معين , وكأن يحدد مصدر القوانين بالشريعة , هذه الدولة هي دولة دينية حتى لو سميت جمهورية, لقد كان على الدول التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى في هذه المنطقة أن تكون دولا وطنية , ولكنها لم تكن وطنية , انما كيانات “سلطانية ” من شاكلة كيانات العصور الوسطى ,عمليا يمكن اعتبار هذه الكيانات امتدادا لتراث سياسي فكري سياسي تمتد جذوره الى منظومة الدين القيمية التي ولدت قبل ١٤٠٠ سنة , والى ثقافات ماقبل ال ١٤٠٠ سنة , اي الثقافة البدوية , التي استمرت في الدين بشكل مشرعن , اي أن الدين كرس البدوية عمليا بالشرعنة .
لايمكن جمع الدين مع الدولة, لانعدام أصل الدولة في الدين , فالدولة مفهوم سياسي حديث نسبيا , والدولة مؤسسة سياسية حصرا , لذا لايمكن القول ان الدين دولة , والأنكى من ذلك جمهورية , فالجمهورية منظومة سياسية وليست منظومة دينية ,الجمهورية ليست ملكية او سلطانية او اميرية او امبراطورية , الجمهورية تعني تلك الديموقراطية التي تعود أصولها الى الحكم اللاتيني او اليوناني وليس الى الخلافة الحجازية, يفترض المفهوم الجمهوري سيادة الشعب , الذي ينتقي بفترات معينة رئيسا يحمل الجنسية الانسانية لهذه الجمهورية وليس جنسية دينية معينة .
لايقتصر التطرف على مضمون المفهوم , انما يشمل طبيعة هذا المفهوم القطعية المقدسة , ومفاهيم ثانوية مثل الغلبة الغالبة , مفهوميا لايمكن لدولة طائفة ما يسمى طائفة الغلبة الغالبة , أن تكون دولة لجميع مواطنيها , لأن جميع مواطنيها ليسوا من طائفة الغلبة الغالبة , حتى لو كان انتماء الشعب بكامله لمذهب معين لاينفي حدوث مفارقات بين أفراد هذه المذهب المعين , وبالتالي خصومات تتطور عادة الى حروب دموية , مفهوم المحمدية دين ودولة هو مفهوم يمهد للتوتر والحروب , ويمهد لتجزيئات لانهاية لها , لربما تتوقف التجزئة مرحليا عند تمكن فئة من الهيمنة على فئة أخرى هيمنة مطلقة , بشكل عام وبدون المزيد من التفاصيل , يمثل مفهوم الدين والدولة دولة تسمية خاطئة للكيان المقصود , هذه ليست دولة , انما كيان مايسمى ماقبل الدولة.
مفهوم المحمدية دين ودولة , هو مفهمم متطرف لكونه قطعي ومقدس , انه مفهوم يشبه مفهوم الولاء والبراء القطعي والمقدس , تعود صناعة التطرف من قبل الولاء والبراء الى القطعية والقدسية, التي يعتبرها معتنقوه حقيقة مطلقة لاتقبل المساس بها , الولاء والبراء أممي وعابر للحدود التي تتموضع الدولة ضمنها , لذلك لايستقيم الولاء والبراء مع منظومة “الدولة” المعرفة جغرافيا وليس ديموغرافيا , وجود هذا المفهوم في فضاء اي دولة هو برنامج تهديم لكل دولة في هذا العصر , الأمثلة على ذلك كثيرة, مثلا وقوف معظم الاخوان بولائهم الديني الى جانب اردوغان في احتلاله للشمال السوري , وبرائهم من بقية السوريين ومن سوريا , التي يعتبروها دجلا وطنهم , بينما وطنهم , الذي لاوجود حقيقي له , هو الخلافة .
لاتقتصر ينابيع ومصادر التطرف على الولاء والبراء وعلى مفهوم المحمدية دين ودولة , انما تشمل العديد من نواحي الحياة الأخرى , فالجهاد تطرف قطعي ومقدس اضافة الى ذلك , الجهاد يعني خلق دولة ضمن دولة , لأن مفاهيم الجهاد لاتستقيم مع اي قانون وضعي في عالم اليوم , لانظن هنا بالحاجة الى مزيد من التفصيل بخصوص الجهاد وغيره من الأحكام الدينية المروجة لابل الفارضة للتطرف والعدوانية والمنتجة للفشل!