ميرا البيطار, مفيد بيطار :
تمركز معظم الديكتاتوريات المزمة في مجتمعات مؤمنة , يقود الى الشك بوجود علاقة بين التاريخ الذي صنعه الايمان الديني وبين الديكتاتورية , لقد تعجب عثمان بن عفان قبل حوالي 1400 سنة عندما طلب منه التنحي متسائلا كيف أخلع ثوبا ألبسني أياه الله ؟ , وهل أجبر عثمان احدا على مبايعته ؟
غابت مفردة “المبايعة ” طويلا عن الأدبيات العربية , ثم عادت قبل ثلاثة أو أربعة عقود,الشعب بايع عائلة الأسد أبا وابنا!!وبايع صدام ثم القذافي وغيرهم , مما يوحي بوجود نوعا من التشابه بين الخلفاء والرؤساء , ان كان الأسد أو الأخ معمر أو ابن على أو علي صالح أو مبارك وحتى ناصر , يستثنى من ذلك الملوك ,انهم أسوء من الخلفاء , فالبيعة كانت في البداية ضرورية للخليفة,أما الملك العربي فيكتفي بحيوانات والده المنوية ,التي تحدد الشخص الملك الجديد , الذي يملك البشر والحجر,الأرض وماعليها وما فيها , ثروة الملك عبد الله السعودي الأمي تجاوزت ال ٨٠٠ مليار دولار !.
كانت الأحزاب القومية العروبية , التي أثرت وسيطرت وحكمت بالشراكة مع الاخوان ممثلة لمنهجية فكر ديني , لابل مثلت شكلا أسوء من اشكال الجماعات المذهبية كالاخوان , في بعض النقاط كانت تلك الأحزاب أكثر بدائية من الاخوان , فجماعة الاخوان بايعت ولم تورث, أما الأحزاب القومية فقد تنكص بعضها الى التأبيد والتأليه والتوريث , كانت في البدء قومية ,ثم تأقلمت مع الجو الديني العام , وأصبحت دينية في بنيتها وبنائها المؤسس على تقديس القائد الى الأبد.
هناك مفارقة بين الرئيس الشكلي والملك الفعلي ,بين قائد أومؤسس الحزب وبين أله الحزب ,مفارقة يجب تمويهها , والتمويه كان باستخدام القناع , فقناع الحزب وضع على وجه الطائفة , وقناع “الطائفة ” وضع على وجه العائلة , وقناع “العائلة ” وضع على وجه الأسرة , وقناع” الأسرة ” وضع على وجه الشخص , وهكذا تطور الأمر باتجاه واحد من الحزب الى الشخص , بذلك تم تقزيم الحزب وتضخيم الشخص, الى أن أصبح الشخص الكل بالكل ,الذي يحرك الحزب الضامر والمتقزم كما يحرك لاعب الشطرنج جنده وقلاعه وخيوله .
تتطلب سهولة تحريك الأحجار تحويل شعب الحزب الى أزلام وعبيد لاله الحزب أو قائد الدولة , أزلام وعبيد بدون عقل أو فكر وانما بريع ,تدفعه الشعوب وهي صاغرة , هنا لاضرورة لكون الزبانية عقائدية , فالتابع العقائدي متعب مقارنة مع التابع الانتهازي الامتيازي,في البعث على سبيل المثال لم يبق عقائدي واحد , معظمهم أو أكثريتهم الساحقة أو كلهم تحولوا الى امتيازيين أو انتهازيين ,يعتاشون من البرطيل وممارسة الواسطة ,كرجال الدين , الذين يعتاشون من الترهيب والترغيب , رجال الدين جلسوا على الكتاب , والملك او الديكتاتور جلس على المادة الثامنة او مايشبه المادة الثامنة , ومنهم من لبس قميص عثمان , النتيجة كانت تأليه الحاكم وتأبيده الى جانب المعتقد المقدس ابديا ,ألهة تؤبد بعضها البعض لمصلحة اله السماء واله الارض !
من أهم الأحزاب في الشرق كان حزب البعث بشقيه العراقي والسوري ,دون وجود فروق كبيرة جذرية بين الشقين , هناك حكم صدام لمدة 35 عاما , وفي سوريا تحكم الأسدية منذ نصف قرن , هنا وهناك كانت ديكتاتورية مطلقة , ثم توريث ومبايعة , هنا وهناك حطام دولة ,بادت على يد الطائفية والتأليه والتوحيد المشتق من الديني , ففي العراق جمع صدام حوله جوقة من رجال الدين , خاصة في ايامه الأخيرة تحت راية لا اله الا الله , وفي سوريا كان البوطي والمفتي والسيد عبد الستار , ثم القبيسسيات وفريق الشباب الديني, أين هو الفرق الجذري بينهم وبين الملك عبد الله أو الأمير شخبوط ؟.
في سورية ولبنان أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي , الذي ابتعد كثيرا عن تفاصيل الفكر الديني , الا آن الحزب في علاقته مع سعادة اتهم بالوقوع في مطب المنهجية التعبدية ,وفي مطب التقديس , الذي لايتناسب قطعا مع أي تفكير مدني علملني , المدنية والعلمانية لاتقدس أي شيئ ,انما تحترم العقل أولا وتحتكم له أخيرا , سعادة لم يكن اله ولم يسع لكي يصبح اله ,كان محبوبا جدا ولكنه لم يكن مقدسا , وكانت له علاقات ممتازة حتى مع خصومه , فالتقديس خص رجال الديكتاتوريات , الذين لاعلاقة لهم بتأسيس الأحزاب السياسية مثل صدام ثم ناصر وغيره من السلاطين , رجال الديكتاتوريات فئة مختلفة جدا عن سعادة و عفلق والأرسوزي وصلاح الدين البيطار وغيرهم , بعض الديكتاتوريات الدينية القومية ادعت العلمانية كالأسدية, بينما كان سعادة علماني حتى النخاع ,الديكتاتوريات كانوا أحفاد عثمان , الذين لايزالون بيننا بسراويلهم التي البسهم الله ايها .