مها بيطار , سمير صادق :
تقوم ثقافة العنف والارهاب ورفض الآخر على العديد من القوائم , فالعنف والارهاب ورفض الآخر يولد من رحم الشمولية , ورحم العجز عن التعامل الخلاق مع التعددية , ثم الميل العصابي لفرض التجانس , كل ذلك ينتج ثقافة العدوانية , التي ابتلت بها شعوب هذه المنطقة , المؤهلة أصلا للاصابة بهذا المرض , يعود معظم التأهيل للعدائية الى خواص البدوية الرعوية , التي لاتزال مهيمنة اجتماعيا , خواص مثل الثأر والانتقام وعدم المقدرة على الحوار وتبادل الأفكار , ثم عدم الاقرار بالخطأ, والشعور بامتلاك الحقيقة المطلقة , العنف واحتقار المرأة وغير ذلك من الخواص السلبية التي تميز البدوية عن الحضر .
انتقلت الثقافة البدوية الى وعي هذه الشعوب عبر بوابة الفتوحات وعبر بوابة الدعوة المحمدية , التي اصيبت بها ايضا , وتحولت بالتالي الى ممارس ومروج لها , سقطت الدعوة على يد البدوية في السقيفة , ففي السقيفة سقط مفهموم ” الأمة” , الذي كان له ان يكون البديل عن مفهوم القبيلة او العشيرة , لم تتحول القبائل والعشائر الى مايشبه الأمة الواحدة سوى في مجال واحد أو فرع واحد هو مجال الحرب والسبي والنهب .
لم تكن الخواص البدوية ولادية , انما مكتسبة عن طريق تأثير البيئة القاسية على البدو , مما قاد الى انعدام ثنائية الانتاج – العيش ,وانتعاش ثنائية النهب -العيش كما يقال البدوي نهاب وهاب , اذ لا انتاج في الصحراء القاحلة , التي لم يكن بالامكان تحويلها الى ارض زراعية بدون ماء , وبالتالي تمكين البدو من الثبات في المكان , الثبات والاستقرار ضروري من أجل اقامة المدن أي الحضر .
نظرا لشح الصحراء القاحلة وقسوة البيئة , وجد البدو في الدعوة الجديدة منظما لمعضلة الحصول على الرزقة الضرورية لتغطية تكاليف الحياة , بدلا من ممارسة الغزو كل لوحده أي كل قبيلة او عشيرة لوحدها , توحدوا تحت مظلة الفتوحات خارج الجزيرة , غزوا ثم سرقوا ونهبوا وسبوا في اطار قاعدة الخمس للقيادة ,واربعة اخماس للمجاهدين من الغنائم .
الغزو اقدم من الدعوة , حتى بين الغزاة كانت هناك سجالات مريعة , والفترة الفاصلة بين ولادة الدعوة وبين بداية الغزوات كانت قصيرة بشكل يسمح بالشك , بان المجاهدون المحاربون لم يكونوا حقا من اتباع الدين عن يقين , انما من أتباع اليقين بضرورة الغنائم , هذه كانت ممارساتهم بشكل افرادي , التي تحولت الى ممارسات جماعيةخارج الجزيرة العربية حيث توجد كنوز كسرى وذهب الاسبان , الذي اتى به بن نصير الى الخليفة , اضافة الى عشرات الآلاف من السبايا البكر فالسيد الخليفة كان مولعا بالبكر من الصبايا .
هدف الغزو كان المناطق الخصبة الغنية كبلاد مابين النهرين ثم وادي النيل وبلاد الشام عموما , اختاروا المناطق الخصبة ليس لكي يعملوا في الزراعة , لم يعملوا اطلاقا , انما تطفلوا على الآخرين ومارسوا الجباية الضارية التي افقرت شعوب المستعمرات المفتوحة , ثقافة العمل -الانتاج كانت معدومة لديهم , كانو للأسف رجال سيف فقط نهابين وهابين .
أقاموا في المستعمرات نظام حكم عسكري, ساهم في استعراب الشعوب التي خضعت للسيطرة البدوية , الحكم بدوي والحاكم بدوي قريشي بشكل مطلق , وقمعي بشكل مطلق , مارسوا ذلك بالعديد من الوسائل , غيروا دين الناس وغيروا لغتهم وقيمهم , كانوا شغوفون في التكاثر الأرنبي , لذلك تمكنوا من تأمين العدد الكافي من المقاتلين , استعانوا في البدء بغيرهم في مجال الادارة مثل السريان , الا أنهم بقوا محافظين على المراكز المفصلية في هرم السلطة , لم يكن هناك خليفة سوري , بينما كان هناك ايام الاستعمار الروماني قياصرة سوريين وكان هناك قياصرة يمنيين وليبيين , الحل والربط بقي بيدهم وحكرا عليهم , لم يندمجوا مع سكان المستعمرا ت , ولم يكن لسكان المستعمرات من مهمة سوى ممارسة الخدمات , ودفع الجزية وتأمين السبايا والنساء , حتى انهم لم يتعلموا من سكان المناطق المفتوحة ما يستحق الذكر , وماذا يمكن أن تتعلم منهم الشعوب المفتوحة سوى ممارسة العنف والحروب وتحصيل الجزية والخراج ثم العادات والتقاليد البدويةالفاسدة …البدوي نهاب وهاب , التي تم فرضها الى جانب الدين الجديد والى جانب اللغة الجديدة بحد السيف .
السيطرة العسكرية البدوية تعني تسيد الثقافة البدوية ,وتسيد الثقافة البدوية يعني تلاشي معالم الحضارات السابقة مثل السومرية واليونانية والرومانية والفارسية والفرعونية وغيرهم , توقفت الشعوب , التي اخترعت الحرف والمحراث عن الابداع , اذ أن الجو , الذي فرضه الغزاة لاينسجم مع الابداع , انه جو الاعاقات والمحظورات والممنوعات , هكذا يمكن بالقاء نظرة على المنطقة التأكد من توقف عجلة التقدم والتطور , بلاد الشام تحولت الى صحراء وظيفية وسكان بلام الشام تحولوا الى بدو بدون صحراء , أي ان التطور الى الأمام لم يتوقف فحسب , انما كان هناك تنكص الى الوراء , مجتمع الزراعة والحرف والقلم والبناء والفنون الشامية والمسارح وقنوات الري , تحول الى مجتمع قبائل وعشائر قريشية بدوية , لاحروف ولا زراعة ولا بناء , انما خراب وجمود وتحجر .
كانت قبضة البدوية فولاذية , وبذلك تمكنت من تصفية كل العلماء تقريبا بوسائل بربرية ,لم يسلم من الذبح والحرق والصلب والشي والتجويع الا عدد قليل جدا منهم ,كان هؤلاء العلماء بمعظمهم من أصل فارسي أو سيرياني , البربرية في التعامل مع المختلف فكريا مكنت البدوية من فرض ثقافتها على شعوب البلدان المفتوحة , ومكنتهم من طمص الثقافات المدنية لتلك الشعوب , ثقافات العلم والابتكار والفكر الذي نوروا العالم به , تصوروا مسارا آخر للتاريخ , مسارا بدون البدوية , تصوروا لو تركت هذه الشعوب حرة تعمل وحرة تفكر وتبدع , اليس من المتوقع أن تساهم هذه الشعوب في ترقية العالم الى أفق أسمى وأجمل , أفق التقدم والسلم والنجاح, وليس افق العسكر والسيف والقتل والبربرية .
دمروا حياة العلماء , ودمروا حياة الشعوب وأغرقوها في بحور الدماء وفي الألم والتخلف والكراهية طوال أربع عشر قرنا , قرون والشعوب تعيش في ذل متفاقم , وفقر متزايد , وسوء اخلاق وفساد وفشل متراكم …الخ , والأنكى من كل ذلك كان تجذر نفسية الفشل والقصور والكره والعنف في نفوس الناس , تجذر من الصعب اقتلاعه في فترة زمنية معقولة , ولا بد من اقتلاعه , اذا أرادت هذه الشعوب الحياة بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية ,