ممدوح بيطار :
هل هناك وسطية ؟ أو أن المسماة “وسطية” ليست سوى موقف كغيره من المواقف ؟أو انها شيئا آخر !
الوسطية “موقف” كغيره من ناحية الجوهر , ولكنه ليس كغيره من ناحية الأمانة والصدق , انه موقف “باطني”, اذ يريد من يسمي نفسه وسطيا أن يضفى على نفسه بعض الصفات الحميدة , انه ليس متشدد ,انه مع الاعتدال , والأمثلة على عدم اظهار ما يخفيه هذا الوسطي في داخله كثيرة , لقد تسربل القرضاوي في جلبابية الوسطية , بينما هو في الحقيقة اخونجي من النوع السلفي الأصولي , همه الخلافة والشريعة ,وبتر الرقاب والأطراف , ونظرا لصعوبة تسويق هذه المفاهيم , ادعى المتوفي القرضاوي كونه وسطيا وبعيدا عن الداعشية بعده عن العلمانية , انه داعية وسطي , ودينه وسطي وأمة دينه وسطية , أنه الوسطي الذي رأى في داعش فريق مناضل من أجل الحرية والمجاهد في سبيل الله , ورأى بوسطيته أن مصير هؤلاء المجاهدين هو الجنة بكامل تجهيزاتها , وليست الجنة الوسطية .
على شاكلة القرضاوي هناك أشكال … العريفي وسطي ومحمد حسان وسطي والعرعور وسطي والشنقيطي بمنتهى الوسطية كذلك الشيخ حمداش وسطي , وأستاذ هداية العالم السيد القضاة الأردني كذلك وسطي , والوسطي الأكبر كان عمرو خالد , ذلك الوسطي المروج لداعش والنصرة وأحرار الشام وغيرهم , أما الأنيق خالد الجندي فقد كان وسطيا لذلك اعتمد مفاهيم ابن تيمية , سعاد صالح كانت وسطية أيضا في أمور عديدة منها نكاح الميتة وممارسة الجنس مع البهيمة .
لقد أصبح اللفظ ” وسطي” فارغا من الاعتدال والمعنى المبشر به , ومليئا بالباطنية والتقية والرياء والازدواجية , فأين هو موقع الوسطي بين العلم وبين الخرافة ؟, مثلا من خلال تزاوج نصف العلم مع نصف الخرافة , وما هو المضمون الوسطي بين غاندي وبين أبو بكر البغدادي أو الجولاني؟
هناك حملة دعائية للترويج للوسطية او ماسمي الاعتدال , ولكن الدين الحنيف لايعرف مفهموم الدين الوسطي كرؤية فقهية أو مذهبية محددة الملامح , وفي البقرة لاتتضمن مقولة “وجعلناكم أمة وسطا ” اي علاقة مع الوسطية سوى بذكر مفردة ” وسطا ” التائهة في غياهب الفقه وتأويلاته وتفسيراته , يؤولون حسب الحاجة ويفسرون حسب الضرورة .
بالرغم من كون مفهوم الوسطية مبهم وهلامي ضبابي , يجب الاعتراف ببعض نقاط التمايز عن التشدد , أرى فروقا في موضوع الصدامية والتقية والقدرة على المخاتلة , الوسطية ليست ميالة للتصادم الخاسر وتتجنب المحاججة بخصوص الاعجاز العلمي , ثم أن الوسطيون يستسلمون شكليا واحيانا فورا عند الشعور بأن المعركة خاسرة ,لايعود الفرق بين الوسطية والتشدد الى فهم التراث , انما يعود فقط الى منهجية التعاطي , تعاطي الوسطية أقل صراخا وأقل شتما من تعاطي الأصولية السلفية مع الغير , من حيث الفهم لايختلف شيخ الأزهر عن الأزعر عبد الله رشدي , الا أن تعاطي شيخ الأزهر مع اي موضوع كان أكثر تهذيبا من تعاطي رشدي وأمثال رشدي, هذا لايمنع الفريق الوسطي من الانتقال الفوري الى السلفية عند الضرروة , وهذا يعني ان الوسطية تكتيك سلفي ,وبذلك تنتج الوسطية التشدد في أي وقت وفي اي حالة , التشدد اذن هو نتاج فقاسة او مفرخة الوسطية ,التي لاتختلف عن التشدد سوى بالقليل من الخجل بالمصارحة, لاوجود لفروق اساسية بين الجهاديين والوسطيين فالمبادئ واحدة والهدف واحد .