الدين, الدولة ومرجعية القيم …

سمير   صادق :

كاريكاتير الثورة | الثورة نت     تستوجب    التطورات  السورية السلبية القيام  بجرد  كامل للمواقف  والأفكار  التي بموجبها  تم تقييم  المرحلة أو بالأحرى المراحل السابقة ,موقف  أدونيس  أثار  جدلا  مريرا  , يبدو وكأنه   ثابت   على مستوى عام  ٢٠١١  , بينما تخلى تطور الأحدث  عن مستوى  عام 2011باتجاه  لايوحي بمجانبة أدونيس للحقيقة بشكل مطلق,سألته جريدة السفير :

كيف تبدو لك اليوم صورة ما يحدث في البلدان العربية؟أجاب :

“لا أعتقد أن أحداً تردد في الدفاع عن التحولات العربية والوقوف إلى جانبها. وهذا الانفجار كان محموداً ومطلوباً في تونس أو في القاهرة أو في البلدان العربية الأخرى. والجميع يعرف هذه التطورات، ولا أودّ الدخول في تفصيلاتها. لكن المأخذ الأولي عليها هو خلوّها من أي مشروع يشكّل خطوة نحو التغيير. ليس تغيير السلطة، بل تغيير المجتمع، وتغيير الأفكار، وتغيير الثقافة. ولاحظنا أن وراء هذا الانفجار لم يكن هناك خطاب ثقافي تغييري، وأنّ الطابع العام لهذا الانفجار كان دينيا. ولاحظنا أيضاً أنّ المشروع السياسي لهذا الانفجار هو مشروع عودة إلى أصول خانها الناس ويجب العودة إليها، وهي أصول دينية بشكل أو بآخر.”

حقيقة  لا  أستغرب اليوم  ماقاله  أدونيس قبل سنين , يبدو وكأنه أصاب  بالنسبة للأمر الديني ,لاتتحقق الديموقراطية مادام الدين هو مرجع القيم .. واليوم اعترف بما لم اعترف به سابقا ,    أما مفهوم  “المشروع ”  الذي  افتقده ورأى  أدونيس ضرورته فالأمر  ملتبس  ,أغلب الظن على   أن  أدونيس لم يقصد  بمفردة”مشروع “ماجاء  في المعاجم , فالدلالة اللغوية  لمفردة “مشروع ” تتعلق بما سوغه الشرع   أي الدين , أدونيس قصد  بدون شك  الاشتقاق  اللغوي لهذه الكلمة من اللاتينية (project), وهذا الاشتقاق يعني  الدفع الى الأمام  ببعد حيوي براغماتي  وتنبئي مما يقتضي التنظيم والتقويم  والتخطيط  وذلك لانجاز  عملية  تقدمية  على أرض الواقع , انه برنامج حياة  تريد  لنفسها التقدم  والنجاح  وتمارس  “التقويم”  لاعوجاج  موجود  ,  بشكل مبسط  يمكن القول  على   أن   أي “مشروع ! ” ينبثق من الحاجة اليه  , والحاجة  لأي مشروع   تتناسب طردا  مع كم وكيفية الاعوجاج القائم  , فبدون اعوجاج  لاحاجة الى التقويم, والتقويم يعني  بشكل عام في الثورات  تأسيس العكس مما هو موجود ,فالثورة  تستمد شرعيتها  من لاشرعية السلطة  , الثورة ديموقراطية  عندما تكون  السلطة ديكتاتورية  , السلطة لاقانونية   لذا فانه  للثورة على السلطة “مشروع” قانوني ,  السلطة  تمارس الفساد  , لذا فان “مشروع ” الثورة  سيكون مكافحة الفساد  , السلطة طائفية , لذا فان مشروع الثورة سيكون اللاطائفية  , الثورة تستمد  الايجابيات  من سلبيات السلطة  , ولما كانت الثورة  عبارة عن  هدم لما هو موجود وبناء  ماهو جديد لذا  يمكن هنا القول  على أن  للثورة مشروع هادف , والهدف  يتناسب كما وكيفا  مع نواقص السلطة وسلبياتها ,   وسيلة تحقيق الهدف   متغييرة ومتحولة تبعا  لتغيير وتحول السلطة  ,  ولا وجود لمشروع ثابت جامد  يمكنه   أن  ينجح  الا  في  التأسيس للفشل والحرب , وهل  نجح  الاخوان   يوما ما   بالرغم من وجود “مشروع”  ثابت لهم  اضافة   الى  كون  هذا المشروع مقدس ؟؟؟.

لا‮ ‬يذكر التاريخ ثورة شعبية قامت أو نجحت على أساس برنامج جاهزوقائم مسبقا على أيديلوجية سياسية فكرية وحركية معلنة  أي  على “مشروع”  كامل  متكامل ,‬وحتى الثورات التي‮ ‬انتهت الى ممارسة  ايديولجية معينة  كاثورة الروسية والكوبية وغيرها كانت في‮ ‬البداية ثورات ضد الظلم, ‬أو لتغيير نظام الحكم, ‬أو للتحرر من الاستعمار,  في سياق الثورة تهبمن   الفئة  أو الفئات الأقوى عليها  ولربما على   السلطة  فيما بعد ’ أساس  نجاح  أي ثورة  هو  وجود اطار عام  للفئات  المشاركة بها  ,  وأهداف هذا الاطار العام  تتمثل فقط  بالقواسم المشتركة الصلبة التي تجمع الجميع  ..اسقاط النظام   ..الخ  , وبعد نجاح  القواسم المشتركة   في الاطار العام   وبعد اسقاط النظام  تطرح كل فئة برنامجها   المتنافس مع برامج فئات  أخرى  ويختار الشعب ممثليه  على هذا الأساس .

‮يصعب الحديث عن فكر ثوري‮ ‬ودوافع ثورية من دون تحولات ثقافية وأيديولوجية واسعة لدى فئات الشعب قبل اندلاع الثورة ,  تحولات  تقود  الى  تصور  نمط الحياة  تحت   الاستبداد  كظلم  لايحتمل  , الثورات الشعبية  بطبيعتها  ليست ثورة حزب  يسعى  الى الحكم منفردا  ,  وما قام به الاسلاميون  ليس  أقل  من تجريد الثورة السورية من  منظومتها الشعبية العامة   , ثم   احتكار  العمل ضد السلطة  , وبالتالي   الفشل  في توحيد الشعب وراء الثورة   ,  النهاية كانت حرب  أهلية  وانكفاء   معظم الناس  عن  الاخوان    ونجاح السلطة  لحد الآن  في البقاء وتثبيت أقدامها , لم يسأل الاخوان   أنفسهم  ان كان الشعب  يريد فعلا  دولة دينية  كبديل عن سوريا الأسد ,وأين هو  تفوق هذه الدولة  مقارنة بأسدية سوريا ؟؟؟وهل تستحق  اقامة دولة  دينية  التضحية حتى بجربوع سوري ؟؟

كل ماذكر خص موضوع الثورة  بشكل عام ومجرد , ويخص موضوع أي ثورة  بما فيه الثورة السورية ,  فالوضع السوري يمثل حالة ثورية أي أنه يستحق  ثورة , والوضع الثوري  يتكامل بوجود  ثورة  , الا أن عدم وجود ثورة  أو فشل محاولة ثورة  لايلغي  ثورية الوضع ٫والوضع الثوري هو انتاج غير مباشر للوضع الذي  سببه , الأسدية هي التي خلقت  هذا الوضع  , والأسدية التي ترفض  تعريف  الوضع  بأنه ثوري بالرغم من  أنها هي  التي  انتجت ضرورة  اطلاق هذه التسمية  على الوضع , انها ثورة  وليست اصلاحا ,لأنها   بالدرجة   الأولى ليست  مطلبية لبعض الحاجات  , ولا علاقة لها بالسكر   ولا بسعر  كيلو البطاطا  ,فالخلل  عام وشامل ..لذلك هي ثورة من واجبها اقتلاع النظام من جذوره حيث لايوجد مايستحق الحفاظ عليه .,

وعن مايمكن تسميته مخاتلة !!!أدونيس يبحث عن  “مشروع”  الثورة  ولا يجده , لذلك  لايحتاج أدونيس  للشيئ الذي نسميه ثورة  , وأدنيس يريد القضاء على هذا الشيئ  لأنه ليس له “مشروع” انه نوع من “الفائض” الذي  لادور ولامعنى ولاقيمة له  ولاجدوى منه  , يجب  طرحه  لأنه غوغاء فتحت النوافذ للمد الأصولي , انه  اجرام  بحق البلاد  لأن  تدمير النظام هو بمثابة تدمير للبلاد, ولو كان بمقدورنا  نظريا  الاستجابة  لما يراه أدنيس حقا وحقيقة, ونفذنا ما راده أدونيس  فما هي النتيجة ؟. النتيجة واضحة  وجلية  ,  وتعني  الابقاء على الأسدية  بقضها وقضيضها  , ثم الانتظار  لريثما   تحمل النساء  وتولد ثوارا  بمشروع  يرتاح  أدونيس له  ويؤيده  , والمشروع الذي على  الجدد  تنفيذه  لايتضمن  ترحيل  النظام  وانما يتضمن  تغيير المجتمع  وتغيير الأفكار وتغيير الثقافة , أي أن   أدونيس يريد للنظام البقاء  ويريد اضافة الى ذلك  انجاز  التغيرات  في مجال  الأفكار والثقافة  والمجتمع بشكل عام , وهنا  يجب  سؤال أدونيس  عن  امكانيات   انجاز تلك التغيرات  تحت اشراف  الأسد ؟, وماذا سيكون موقف الأسد  وأجهزته الأمنية  من رواد التغيير  والتجديد والتطوير  ؟ ,

افضل من يستطيع الاجابة على هذا السؤال  هو أدونيس بالذات , ولو سمح لي أدونيس بالاجابة نيابة عنه  لقلت , لقد هرب  أدونيس قبل حوالي نصف قرن  ويعيش  منذ حوالي نصف قرن في الغربة بين بيروت وباريس , وانصافا لأدونيس أقول   لقد حاول  تغيير الفكر  والثقافة  والمجتمع  , لكنه اضطر بالنتيجة  الى الهروب انقاذا لحياته , وشأن من حاول التغيير  من السوريين  هو كشأن أدونيس  , اما في المهجر أو في المحجر  , اما الموت  تعذيبا في السجن أو الموت اغتيالا  خارج السجن  ..حظ  البهيمة الصامتة   كان أحيانا “وردي” , فالبهيمة التي   تلتزم بالصمت  ولا تفكر ولا تغيير  وانما تنطق فقط عندما  يكون النظق  مديحا ودجلا  وتلفيقا   , يريد أدونيس منا   انجاز التغيير  تحت مظلة الاسد , الذي يغيير   ويثقف  ويفكر أيضا  !!,  وكيف يستقيم ذلك  مع اعتراف  أدونيس  بأن  البعث-الأسدي  لم يقتدر على انتاج مثقف واحد  طيلة نصف قرن .

كل ذلك مستحيل في جمهورية الخوف , والشيئ الوحيد المتاح للسوري في سوريا الأسد هو التحول الى بهيمة  صامتة , هل ما يروج له أدونيس هو عبثا دونكيشوتي ؟؟؟ , الا أنه صدق بقوله  على أن البعث لم ينتج مثقفا واحدا طوال نصف قرن , والعقم هنا لايستثني  حتى  أدونيس !.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *