النظام السوري هو نظام نزوات وليس نظام ايديولوجيات , النزوة جاءت بالتوريث, والنزوة التسلطية جاءت بالمادة الثامنة , التوريث والمادة الثامنة الى جانب العديد من النزاوت الأخرى , هم من قضى على البعث من قبل أهل البعث , اضافة الى ذلك تخلى أهل البعث عن البعث لصالحح أجهزة الأمن الراعية للفساد وريع الفساد , ومنذ مدة طويلة لم يصدح شعار وحدة حرية اشتراكية , يبدو وكأن الشعار قد مات, أي أن الوحدة والحرية والاشتراكية اعطوكم عمرهم .
وماذا بقي من البعث بعد موت الشعار الثلاثي؟صمد البعث تجاه معارضيه وأعدائه ,الا أنه انهار وسقط بفعل الممارسة البعثية قبل أن يسقط بفعل الفكرة , وحتى الفكرة القومية لم تكن بتلك الواقعية ولم تكن متناسقة مع زمانها ومكانها, فعندما ولد الفكر القومي في هذه المنطقة في أوائل القرن العشرين ,كان الفكر القومي الأوروبي من القرن التاسع عشر قد استقال ,بعد أن أتم مهمته في خلق الدولة القومية ,أتت الأممية بعد الثورة الشيوعية , بدأنا قوميا عروبيا بعد أن ودع غيرنا الفكر القومي , و لم يعد الفكر القومي الأوروبي المتقاعد مصدرا لحيوية أي فكر قومي آخر , لذلك تلاشى الفكر القومي العربي, ومات بعد حياة مليئة بالألم والفشل , الفكر القومي العربي لم يكن قادرا على الاستمرار ولم يكن صالحا للاستمرار , لذلك انقرض ومات وأشرفنا على الموت والانقراض معه.
استند الفكر القومي العربي على العروبة وعلى الدين, تجارب القرن الماضي تؤكد أن الفكر القومي العربي كان مادة استهلاكية للأنظمة, التي من الصعب تعريفها ووضعها في أي مصنف سياسي , تمكنت الأنظمة من استهلاك الفكر القومي العربي, ليس لأن الأنظمة قوية ,انما لأن الفكر القومي العربي كان واهيا وضعيفا , وبما أن ظاهرة تمزيق الأوطان أصبحت واقعا لايمكن تجاهله , لذلك يمكن القول بأن العوامل المؤثرة والمسيطرة على القيادات السياسية, والتي كانت حصرا الفكر القومي وفكر الاخونج السياسي , لم تنتج مشروعا قابلا للحياة وخادما للوحدة والتقدم , مانراه اليوم هو حصيلة أعمالهم , استولوا على السلطة ومارسوا استبدادا واستغلالا, استغلوا الأوطان كبقرة حلوب , ولم يحققوا لشعوبهم شعوبهم سوى الفقر والتجمد والتأخر والنزاعات, ثم التلطي والتطفل المريع على الماضي .
اقتصرت اهدافهم ان كانت بعثية قومية أو اخونجية على محاولة احياء الماضي بدون أي خجل من التاريخ ,يريدونها صراحة ماضوية , وكان لهم مايريدون , تعيش الشعوب الآن وكأنها في القرن الأول هجري, لو كان بالامكان حدف القشور الاستهلاكية الحديثة , التي مكنها ريع البترول من جهاز التلفون الى السيارة والطيارة الخ , لتحولت المنطقة قلبا وقالبا فعلا الى القرن الأول هجري , تأملوا فظاعة ودمامة وقصور فكر اعادة احياء الماضي, فكرة مخصية وغير قادرة على صنع حاضرا ومستقبلا عصريا متناسقا مع مستوى بقية الأمم .
جف ينبوع العروبية وابتعد حتى العروبيون عن مجرد الحديث عن العروبة , جف ينبوع الاخونج ,وأصبح الحديث عن الخلافة وضرورة تطبيق الشرع والجزية والشورى ودار الحرب ثم دار الكفر, والولاء والبراء تهريجي الى جانب كونه درامي , انه حديث الانتحار الحضاري وحديث الخروج من التاريخ , بالمقابل أو بالنتيجة استيقظ فكر آخر هو فكر القطرية الجديد الأقدم من الفكر القومي العربي -الاخونجي , العروبة تحولت الى انتماء مقزز للنفس , فكيف على السوري الفينيقي أو السرياني أو الآشوري أو الكردي او العربي السوري أن يتعامل مع زبالة البدوية ؟ .
لم تعد العروبة الحل والدين لم يعد الحل , كلاهما تحول الى مصدر لانحلال الدول, التي كان لها أن تتطور وتواكب بقية دول العالم في التحضر والتقدم, تعيش الشعوب الآن في قلب العروبة ” النابض “بفقرها وشجونها وفشلها , فالقلب لم يعد ينبض قوميا عروبيا , ففي هذا القلب تحول توأم القومية- الاخونج السياسي الى توأم اخوان – اخوان سياسي , اي الى توأم اخونجي متحارب من أجل مقام الفرقة الناجية وغير ذلك من السخافات , لقد تم استحضار الماضي بحذافيره وبغبار كربلاء والجمل وصفين والرؤوس المتطايرة الخ , مات القومي العربي وخرج من دائرة الصراع في أهم دولتين من دول المنطقة هما سوريا والعراق , الآن يتم تأبين وتجنيز البعث على وقع شعارات البعثيين الجديدة وهجائهم للعروبة والعرب الذين تحولوا الى عربان , حتى بالنسبة للبعثيين تلاشت اللذة في ركوب حمار البعث.