سمير صادق , نسرين عبود :
من النادر ان يتطور العمل الثوري الى النجاح بدون عنف , الذي يمكن تسميته “العنف الاضطراري ” او العنف الدفاعي , الذي لايمكن فصله عن المقاومة السياسية -الاجتماعية , الكلام عن ثورة “سلمية ” هو كلام شبه اسطوري , لم يكن له وجودا واقعيا الا نادرا مثلا في معظم ثورات الشرق الأوروبي , بقية الثورات في العالم تطورت بسرعة الى ممارسة العنف , لايتعلق اللجوء الى العنف في بالارادة الثورية فقط , انما يتعلق بالجهة الأخرى التي تريد الثورة القضاء عليها كسلطة , وبالعديد من العوامل الأخرى .
تخضع مممارسة العنف الى حسابات الفائدة -الضرر , لقد قررت ثورة ٢٠١١ أن تكون سلمية , ولكنها فشلت في ممارسة السلمية , لأن الأطراف الأخرى مثل السلطة ولاحقا الفصائل المسلحة وجدوا في العنف وسيلة تقود الى تحقيق أهدافهم ,لذا جرجروا الثورة الى العنف والحرب , مما قضي على الثورة السلمية وانتصر العنف .
القول ان الحراك الثوري الحالي يمثل استمرارا للثورة ورفضا للاستبداد والاستعباد والقمع والتجويع ليس بالقول الخاطئ , والقول على انه من مصلحة ثوار الجنوب مبدئيا الابتعاد عن العنف ايضا صحيح , ولكن العنف لايتعلق بقرار ومصالح الثوار فقط , انما بالجهة الأخرى , التي تحكم بالعنف وتتعامل مع الشعب بالعنف ومنذ عشرات السسنين , لذا أطلقت السلطة الرصاص على المتظاهرين , الذي ارادوا اغلاق ابواب مركز حزب البعث في مدينة السويداء , هنا قد يحافظ المتظاهرون على مبدأ السلمية عن طريق عدم الرد على الرصاص بالرصاص لمرة او مرتين او أكثرالخ , الا أن المسار الرئيسي للنزاع سينحرف حسب تقديرنا الى الرصاص عاجلا أو آجلا .
لايمكن معرفة كل اسباب تردد النظام في استخدام الرصاص طوال اربعة اسابيع , ولكن يمكن القول بأن التردد عاد ولو جزئيا الى خوف النظام من الرصاص , ليس ذلك الخوف من رصاص المتظاهرين , انما من رصاص جهات أخرى مثل رصاص التحالف الدولي او حتى رصاص دول عربية او قسد , او رصاص اسرائيلي او غير ذلك , استخدام الرصاص من قبل النظام مهددا له بالدرجة الأولى ,لكن للنظام بالتأكيد وجهة نظر أخرى مؤسسة على طبائعه وعلى ادمانه على العنف .
يختلف العنف الاضطراري للثوار عن عنف الجماعات الجهادية الاخونجي , فعنف هذه الجماعات طوعي خياري وليس اضطراري , فهؤلاء يتطلعون الى ما هو ابعد من اسقاط النظام , ولا فرق بالنسبة لهم ان كان النظام عادلا أو جائر , المهم أنه ليس منهم , انهم يريدون فرض مثلهم السياسية الاجتماعية على الجميع وضد اي نظام لايفرض هذه المثل , كما أنهم بممارساتهم يحققوق شروط الجهاد , الذي يضمن لهم التأبيد في الجنة مع الحور العين متجددات غشاء البكارة يوميا ,ليس لجهاد هؤلاء علاقة أساسية مع الدفاع الفردي او الجماعي عن النفس انما تحقيق مضامين ايمانهم ورغباتهم , وأول الرغبات كانت رغبة النكاح الهستيري في الجنة , يشبه عنف الجهاديين عنف النظام من حيث كون عنفهم ليس اضطراري انما مبدئي وخياري ونابع من تكوين هذه الفئات خاصة الجماعات الجهادية, وبنيتها النفسية العقائدية .
هناك عامل عام مكرس للعنف لاعلاقة له بالثوار او بالجهاديين او بالاضطرارا او الخيارية , انه العامل التاريخي التراثي ,لقد كان تاريخ شعوب المنطقة اي الجزيرة العربية مضافا عليها مستعمرات قريش في بلاد الشام وشمال افريقيا مؤسسا على قاعدة حياتية تقتات من العنف حقيقة وليس مجازا , القتل والقتال والغزو والنهب والسلب كان من أهم مجالات التفاعل بين قبائل الجزيرة , وكان حقيقة نمط حياة ووسيلة لكسب الرزقة , الفضاء الصحراوي كان تصارعي احترابي منذ البداية واستمر بحروب وصراعات لم تعرف نهاية ولم تعرف سببا موجبا وموضوعيا لها , حتى انه يمكن القول بوجود ادمان على العنف وبانتفاء ثنائية العنف -السلام , أي ليكون آخر عنف وسيلة او بداية للسلام .
انه العنف الذي تجدد دائما وبذلك استمر دائما تحت مظلة حق القوة اي حق العنف , الذي انفلت بشكل مريع بعد وفاة المصطفى او قبل الوفاة بفترة قصيرة , اذ ظهرت حركات التمرد والعصيان المتمثلة بالردة وبالتالي حروب الردة وسلسلة من الحروب الأخرى ,الهمت حروب الردة الشيخ القرضاوي للتأكيد بأنه لولا حروب الردة لما كان هناك دبن حنيف , اذن ولد الدين من رحم العنف والحرب والانتصار المكلل بأكاليل المجد أي مجد العنف , لافرق ان كان مجد العنف والحرب وهما او حقيقة , فالأوهام تقوم على ما رسخ من الاعتقاد بها , عمليا تقوم الأوهام بما تقوم الحقائق به وأحيانا أكثر .