هناك واقع متخلف فقير ومريض , لذلك لابد من البحث عن أسبابه للتمكن من ازالتها , اي ازالة معيقات النهضة والتقدم , يدعي العروبيون أن اللغة العربية وسيلة من وسائل النهضة , ولكن اللغة واقعيا قيد الاستعمال منذ عشرات القرون , الا أن النهضة غائبة والتأخر حاضرا , اذن لم تحقق اللغة تلك النهضة , ووجود التأخر يوجب طرح السؤال عن علاقة اللغة مع هذا التأخر !, ولما كان المقصود باللغة بشكل رئيسي حمولتها , لذلك يجدر السؤال عن المضامين الحضارية لهذه اللغة اي حمولتها , وعن مقدرة هذه اللغة حمل هذه المضامين ونقلها الى البشر ؟
لنأخذ بعض المعلومات والأرقام من اليونيسكو , قالت اليونيسكو ان عدد الكتب التي ترجمت منذ عصر المأمون الى اليوم لايتجاوز ال ١٠٠٠٠ كتاب , وهذا هو عدد الكتب التي تترجم في اسبانيا خلال عام واحد , ويعادل خمس ما يترجم في اليونان خلال عام ,وما يترجم العالم العربي خلال خمس سنوات لايتجاوز ٤,٤ كتاب لكل مليون عربي , بينما يصل هذا الرقم في هنغاريا الى ٥١٩ كتاب خلال خمس سنوات لكل مواطن هنغاري , اذن هناك تخلف كبير بما يخص الترجمة الى العربية , أما في الاتجاه المعاكس , اي الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى , خاصة الانكليزية , فالوضع أكثر من كارثي , ففي عام ٢٠١١ تمت ترجمة ١٨ كتابا الى الانكليزية في انكلترا , و١٨ كتابا في امريكا , وفي عام ٢٠١٣ تمت ترجمة ٢٣ كتابا عربيا الى الانكليزية في انكلترا و١٧ كتابا في امريكا , وفي الأعوانم التالية بقي عدد الكتب المترجمة من العربية في حدود اقصاها ٥٠ كتابا , كم يبلغ عدد الكتب التي تترجم من الانكليزية الى لغات أخرى كل عام ؟؟
يبدو ان اللغة العربية ليست تواصلية , فحجم الترجمة منها واليها ضئيل جدا , لأن الترجمة منها واليها صعبة لابل احيانا مستحيلة , كما في حال ترجمة النصوص, لذلك أقتصرت الترجمة على التفسيرات في العديد من الحالات , لاتعاني معظم الكتب المكتوبة بلغات غير العربية من هذه المشكلة , لذلك يمكن القول ان اللغات الأخرى أكثر تواصلية من تواصلية اللغة العربية , تمثل هذه النقطة اعاقة وشلل وضعف وقوقعة ولا تمثل قوة واشعاع وانفتاح .
كون الترجمة الى العربية ومنها امرا ليس بالسهل , لذلك يمكن اعتبار العربية معاقة بخصوص نقل اي حمولة كانت الى خارج عائلة العربية, مثلا في المجال العلمي او الفلسفي الخ , ليس هذا فحسب , انما يضاف الى ذلك كون نوعية الحمولة غريبة جدا عن ثقافة العالم , فما هي المضامين التي يراد ارسالها الى الغير بواسطة العربية او ترجمة العربية الى لغات أخرى ؟ , معظم المضامين موبوء بالمواد الدينية او مايشبه الدينية , موبوءة بمواد الثأر والبطولة والعنف والخرافات والاساطير وتمجيد الفنوحات , ثم المواد الخاصة بالقيم , التي يتعارض شكلها البدوي مع بديهيات عالم اليوم , مثل العدل والمساواة والدية والحد ورجم الزانية وتعدد الزوجات والحديث عن شرف المرأة وعلاقة شرفها بغشائها , ثم نكاح الوداع ونكاح البهيمة وأكل لحم الميت ثم التكفير والمؤامرة والتخوين والتحجب , وكون المرأة ناقصة عقل ودين , ثم عقد النكاح والأحكام المتعلقة بالقوامة والولاء والبراء , والكثير غير ذلك من الغريب عن ثقافة العالم , كل ماذكر لايشجع الغير على ترجمة الكتب العربية الى لغات الأخرى أخرى , فالقارئ في هذه البلدان والمجتمعات الأخرى غير مهتم اطلاقا بمواضيع من هذا النوع , حتى ان حوالي ٨٠٠ مليون اوروبي لايستوعبوا تلك القيم ولا يفهموها , لذلك لايترجموا ولا يقرؤا .
حتى العربي عموما قليل القراءة , فنسبة الأمية في المجتمعات العربية عالية جدا , هناك حوالي ١٨٠ مليون أمي , وماذا سيقرأ العربي ؟ , هنا يكفي القاء نظرة سريعة على البسطات التي حلت محل المكتبات , فماذا نجد على البسطات بالدرجة الأولى ؟؟ نجدا كما كبيرا من كتب الخرافات ثم السير الشخصية لرجال الدين والمحاربين والغراة والبطولات , والكثير من الكتب حول الجنس وحول ممارسات العقائد الدينية وخزعبلات عذاب القبر ثم الجنة وجهنم والمعجزات الخ , والقليل من الكتب حول الأمور الفكرية , فكتب النقد شبه معدومة , عموما تختلف نوعية هذه الكتب بشكل جذري عن نوعية الكتب التي نلاحظها في مكتبات اوروبا وبقية العالم , لذلك تقف هذه النوعية كعامل غير مشجع لترجمة كتاب من العربية الى لغة أخرى , لاتحمل العربية عموما على اكتافها ثقافة الحرية والنقد وحقوق الانسان , بينما هناك كم كبير من الكتب المروجة للعنف .
اتعاطف مع الانسان العربي الذي لايقرأ كتبا بالعربية , لأن مواضيع هذه الكتب لاتلبي حاجات المثقف , وما يوجد من القليل القليل من الكتب القيمة لايفهمها الأمي ثقافيا ,بالنتيجة يمكن القول ان نوعية الكتب المشار اليها لاتمت للتنوير ورسم طريق النهضة بصلة , اي أن العربية لاتساهم في النهضة , بغض النظر عن امكانياتها التقنية , التي لا تتميزها عن الامكانيات التقنية لأي لغة أخرى .
ترفض الاصولية كل اللغات الأخرى , وتريد فرض العربية ,وبالتالي يصبح القارئ معزولا عن ٩٩٪ من الثقافة والمعرفة والفكر العالمي , هذه مشكلة كبيرة وكارثة عملاقة وخلل عظيم , لاعلاج له الا بزيادة الاعتماد على اللغات الأخرى وبالتالي تحجيم العربية , والا ستكون هناك كارثة معرفية وثقافية حتى اقتصادية ايضا , هناك اعداد كبيرة من السوريين وغير السوريين الذين يريدون العمل في الخارج , ترتفع حظوظ هؤلاء في الحصول على عمل في الخارج بدرجة كبيرة عند اتقان لغة اخرى , وتنخفض هذه الحظوظ عند اتقان العربية فقط .
مفهوم الكارثة بالنسبة للأصولي مختلف جدا عن مفهوم الكارثة بالنسبة للمدني , تطوير المجتمع وانفتاحه وتقدمه ليس هما من هموم الأصولي ,الذي لايريد اصلا التلوث بالمعارف والثقافات الاخرى ,المشروع المدني مناقض للمشروع المستوطن في مخ الاصولي , الذي يعتبر العربية جزءا من مقدساته ,
Post Views: 279
رقي اللغة هو بحمولتها , الحمولة الراقية تحدول من يقرأ بهذه اللغة راقي