سمير صادق
لقد كان لدى الأنظمة قدرا كبيرا على امكانية المناورة خارجيا وداخليا , وفي هذا السياق كانت هناك بعض التنازلات , التنازل الوحيد الذي لم يكن ممكنا , كان مغادرة الحكم والتفريط في السلطة , لقد كان هناك استعداد لبيع مصالح الوطن أو تدميره أو الفتك بالشعب , حتى التجريد من السلاح الكيماوي في سوريا على سبيل المثال , كان ممكن وتم بسرعة مذهلة , ليس من الممكن تجريد النظم من الأسلحة المخصصة للحروب الداخلية الأهلية(٨٠ من اسلحة الجيش السوري معدة للاستعمال في الحروب الداخلية) , مصير الأسلحة الموجهة الى الخارج كان اقل أهمية .
تؤكد القاعدة التاريخية العربية بأن هذه الدول لاتتغير من الداخل , أي من خلال الثورات والانتفاضات الشعبية , فلا وجود في قاموس السلطات العربية لما يسمى تنازل طوعي تحت أي ظرف او حالة كانت , وذلك تيمنا بالحفاظ على التراث والممارسات التي سادت طوال ١٥ قرنا من الزمن , التغير حدث من خلال انقلاب عسكري أو تدخل خارجي مسلح , كما كان الحال مع العراق وليبيا , بالرغم من تغير العالم علما وانتاجا وصناعة وسياسية , ظلت النظم العربية مستعصية على التغيير بطرق شعبية أو ديموقراطية , اعراس الديموقراطية في الانتخاب أو الاستفتاء تحولت الى تأبين وجنازة للحقيقة والنظافة والشفافية والاستقامة ,الى مأتم وتهريجية في نفس الوقت .
ماهي أسباب استعصاء هذه الأنظمة الشمولية نسبيا على آليات التغيير الداخلية كالتظاهر أو التمرد أو العصيان المدني ؟أحد أهم الأسباب هي ثقافة الطاعة , طاعة السلطان أو الوالي ضرورة , وقد جاء في توصيف هذه الحالة عن لسان عبد الرحمن الكواكبي قوله ” العوام هم قوة المستبد وقوته , بهم عليهم يصول ويجول , يأسرهم فيتهللون لشوكته , ويغصب أموالهم فيحمدونه على ابقاء الحياة , ويهينهم فيثنون على رفعته , ويغري بعضهم على البعض فيفتخرون بسياسته , واذا أسرف في أموالهم يقولون كريما , واذا قتل منهم ولم يمثل يقولون رحيما ,يسوقهم الى خطر الموت فيطيعونه حذر التأديب , وان نقم عليهم منهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة.
ولد الاستبداد من رحم “الانصياع” الذي يعتمد على الطاعة وليس على القناعة , الطاعة عمياء في طبيعتها , تلغي عقل المطيع وتحذف ارادته التي تحتلها عندئذ ارادة الاستبداد , وبالتالي يتم اختذال العقل , الذي لامهمة له في ظل الاستبداد , اختزال العقل يعود بالمخلوق البشري الى حالته الحيوانية , التي تتمثل بممارسته لغرائزه والحفاظ على وجوده الفيزيائي , الذي تضمنه قناة الهضم أي مخلوق المعلف, فالمخلوق البدائي يتحول الى مايشبه القناة , حيث يدخل العلف من جهة وتخرج الفضلات من جهة أخرى ,على المجتمع في هذه الحالة تحمل عددا متزايدا من الطفيليات المستهلة والغير منتجة , من يسير في هذا الطريق طوعا أو قسرا سيصل الى العدم والاندثار , انها حتمية لامناص منها !.
من الأسباب المهمة كان تشييئ الانسان , مما يسهل للطغاة البطش والفتك به , لاقيمة تذكر للانسان , انه بقيمة الشيئ التافه الرخيص, خسارة الانسان تحت التعذيب مثلا هي خسارة للأشياء , هكذا تحولت قيمة الانسان الى أقل من قيمة الرصاصة التي تخترق رأسه.
من أهم ميزات الطغاة العرب , ميزة التوحش والحيونة مع انعدام أي سقف أخلاقي , الفتك بالبشر ضرورة أمنية , استسهال رجم الزانية كاستسهال رجم المعارض او المتمرد , لذلك يتردد البعض في تعريض حياتهم للخطر من أجل وطن ليس بالوطن , من أجل سجن كبير ,من أجل حديقة حيوانات بحجم الوطن .
الانسان السوري متهم ولاديا, أي فورا بعد ولادته, وعليه في ماتبقى من حياته عبادة اله الأرض والتملق له الى جانب التفاخر بممارسة الانصياع والطاعة , الانسان السوري يولد ويموت في نفس اللحظة , لايعرف التاريخ الخلافي العربي والعثماني ثورة شعبية واحدة , أما بين ١٩٢٠ و١٩٣٠ فقد كانت هناك في سوريا عدة ثورات على الانتداب الفرنسي , حتى قبل التعرف على خصائص هذا الانتداب, من الصعب ممارسة العصيان على جمال باشا السفاح اذ أنه مؤمن وظل الله على الأرض ,الأمر بالنسبة لديغول فرنسا آخر ! .
هناك خللا كبيرا في ادراك العموم لمفهوم الدولة والسلطة , فالدولة وجدت لتبقى , أما السلطة فوجدت لتزول , وبؤس الشعوب يتمثل في العكس , السلطة وجدت لتبقى , بينما لامانع من زوال الدولة , وحتى ولو بقيت السلطة بدون دولة , السلطة “دين”وجدت لخدمة الدولة , بينما يعتبر بؤس العرب الدولة خادمة للسلطة ,الدين وجد لخدمة الانسان , بينما عموم هذه الشعوب يعتبر الانسان خادما للدين ,السلطة تابعة للدولة , بينما يعتبر العموم الدولة تابعة للسلطة ,انها دولة السلطة وليست سلطة الدولة , بشكل عام يعاني المفهوم الشعبي للدولة والسلطة من الالتباس , لايريد الناس اقتلاع السلطة عندما تكون السلطة هي الدولة , والسلطة ترى بأنها الدولة , عندها تعتبر محاولة اجتثاثها هي محاولة لاجتثاث الدولة , هناك تماهي بين الدولة والسلطة , وعدم ادراك للفروق بين الدولة والسلطة ,.كيف كان الحال مع التراث على مدى 1400 سنة , وهل كانت هناك سلطة الدولة أو دولة السلطة ؟؟؟؟حالنا لم يتغير , ولا زلنا في دولة السلطة !!