وجه الثقافة الكسيحة ..

عثمان   لي   :

       لا يمكن  ربط الثقافة بالمقدرة الأبجدية ,  اذ  هناك أمي مثقف وهناك مثقف أمي , وللثقافة علاقة مبدئية بوضوح الأفق , الأفق السوري ضبابي ,  والثقافة محليا   ضحلة فقيرة  , لذلك  أصبحت الهيمنة على الشعب سهلة   من   خلال    الديكتاتورية والسيف   والعنف   والبندقية   والسجون , فالشعب   الغير   مثقف   ضعيف  ولا   يقام   بالشكل    الضروري  وحتى   لايدافع   عن   نفسه    ,   الضعيف    مطاوع   منصاع   !! ,  لذلك   لم   تكن هناك    في    القرون   الأربع   عشر    الأخيرة    ثورة    شعبية   من   أجل   القضية  ,  كانت    الحروب    الدامية     في      تلك   القرون   حصرا   من   أجل   الشخص   ,  وليس  مقاومة للظلم    الاجتماعي   والفساد . 
لو انقلب عسكر  دولة  يوم  ٨ آذار , ولو  انهزمت  دولة  عام ٦٧  وفقدت مساحة كبيرة من أراضيها, ولو اعلن وزير داخلية دولة على أن رئيس  هذه  الدولة نال ١٠٠٪ من الأصوات  , ولو قام  رئيس  دولة  بحركة “تصحيحية”  مضمونها  ادخال بعض الى   الضباط الى السجن ….الى آخر الانجازات , ولو كانت تلك الدولة على سبيل المثال فرنسا , لما  بقي  الرئيس  والبعث  والمشايخ  والعائلة  وماهر    وبشار  وبشرى  ورفعت  وجميل  ونجيب  ومخلوف  وغيرم  ساعة  واحدة  خارج   السجن.
   الخلل    في ادراك  هذا   الشعب   لحقوقه   وللاجحاف   بها   وبمصالحه  وبحياته     مزمن ,       انه    الشعب    ألذي   لم   يحرك    ساكنا    ولم    يثور   ولم   ينتفض   خلال   ٤٠٠   سنة   عثمانية     , وخلال    ١٠٠٠   سنة     بدوية    قريشية , لم يدرك الشعب هول وفداحة تلك الأحداث ,   لم   يدرك  تلك    الفداحة حتى   بعد   مئات   السنين   من   المعاناة ,  اخيرا    ادرك   الهول , ثار  وانهار  مع   ثورته  بعد أشهر على   يد  الفصائل       الأصولية   بالدرجة   الأولى ,   لقد   كان    ثائرا   كسيحا ,ولا   عجب   من   تعثره   وسقوطه ,ليحل  محله  كسيح  ومعاق  آخر  يحمل بندقية , انه ابو بندقية الذي يتعارك لحد الآن مع   رجل   الغابة   راكب   الدبابة ,  من  انجازاتهم    كان  تهديم   البلاد وارغام   نصف   الشعب  السوري  على   الهروب  واللجوء  والنزوح ,   ثم مقتل   مئات  الألوف  واختفاء  مئات  الألوف  في  غياهب  السجون  وبالتالي فشل   الدولة   وتحولها الى  مستعمرة  من  النوع  الذي  لايرغب  أي  مستعمر  باستعماره ,  حتى    كمستعمرة    أصبحت    سوريا     مرفوضة .
    عاش  النشاط الثوري السلمي     لأشهر ومات  لضعف في الثقافة , وحل محله تعارك   الجهل  المطلق والعنف    المطلق  المتمثل بأبو بندقية وأبو دبابة وزادوا على خراب البلاد خرابا اضافيا , البعض  قال أن  اندلاع الثورة الكسيحة تأخر جدا , وجورج طرابيشي قال قبل وفاته بأن اندلاعها كان مبكرا جدا , من باب الثقة بطرابيسشي أظن على أنه اجتهد وأصاب , والبرهان على ذلك هومانراه اليوم ,  فحيث لاتوجد  ثقافة  لايوجد  وعي  ولا يوجد  وضوح في الأفق ولا    تنجح    ثورة , هذه  بلاد جاهلة , وعليه  لايمكن   أن  يحكمها    سوى الجهل , وهل من الممكن تصور نهاية أخرى لبلاد جاهلة ويحكمها الجهل ؟؟؟   
هناك   بعض   المثقفين  بدون شك , الا أنه وبدون أي شك   لا   وجود لثقافة معممة شعبية , كيف يمكن تثقيف الناس عندما يمارس ١٪ منهم القراءة , وهل هناك مايستحق القراءة في بلاد الممنوعات والمحجوبات والمحذوفات , هل تستحق جريدة جريدة البعث أو الثورة القراءة ؟؟ وهل تصفح البعث أو الثورة أو تشرين    مكرس    للثقافة    أو   مكرس     للجهل ؟  , ومن قال على أن السلطة تريد تثقيف الشعب ,شأنها كشأن الاستعمار العثماني الذي اقفل المدارس وحارب تشغيل العقل , انما تشغيل المعدة بتقنية التقنين التي تسمى “جوع وتجويع أو مجاعة “.
ممارسة الحياة كانت منقوصة والهدف   الأكبر للأحياء كان البقاء العضوي على قيد الحياة , الفكر والعقل والمعرفة والثقافة أصبحوا كماليات مرفوضة في زمن المقاومة والممانعة , الممانعة تتطلب التخلي عن كل شيئ باستثناء الولاء للقائد, أغمض عينيك وسر خلف القائد فستصل الى الهدف المنشود ,   يقال القائد اعاد للشعب كرامته واستقلاله الذي سمي الاستقلال الثالث , وعن الديموقراطية والحرية   فقد   وعد    القائد بها ,  ولكن    بعد   تحرير   فلسطين ,  أنه لظروف المعركة مع العدو متطلباتها , والقيادة اكتشفت    العدو في الداخل, لذلك كان على الرصاص أن يلعلع   في   الداخل  انطلاقا من الحكمة التي تقول لاصوت يعلو على صوت الرصاص , فالعرب كما تعلمون “أمة صوتية” , أمة مفتتنة بالضوضاء والضجيج والتأذين والتكبير …خير أمة أخرجت للناس !
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *