تعرض المؤرخ العراقي علي الوردي لموضوع الفتح والاحتلال في كتابه وعاظ السلاطين , استنكر الوردي على صفحة كتابه(٢٠٤) الغازي الفاتح المحتل بقوله “يتبجح بعض هؤلاء المغفلين بذكرى الفتوح التي قام بها اجدادهم وهم لو أنصفوا لنكسوا رؤوسهم خزياً” , أي أن الوردي لايرى في الفتوحات سوى الخزي والعار , وهذا أمر منطقي وأخلاقي وخطر في آن واحد .
ففي صفحة (٢٠٧) كتب الوردي”ومن أعجب المفارقات اننا نستبشع غزو تيمورلنك لبلادنا ونعتبره العن خلق الله, ولكننا نمجد تلك الغزوات التي غزا بنو امية بها العالم واستعبدوا الشعوب وانتهكوا الحرمات” ,هنا يستهجن الوردي موضوع الازدواجية الانفصامية المرضية , اذا لاحق منطقي لمن يتحسر على فقدان المستعمرة الأندلسية أن يطالب بفلسطين والقاء العبرانيين في البحر , كما عبرت عن ذلك اذاعة صوت العرب من القاهرة بصوت أحمد سعيد الجهوري , وحتى بصوت رئيس احمد سعيد اي بطل الامة العربية عبد الناصر !!!!! , لقد كان لتلك الازدواجية الانفصامية اثرا سلبيا على وضع فلسطين والفلسطينيين على مستوى السياسة العالمية , فالعالم لايفهم تلك المفارقة , اي اعتبار اسبانيا وامتلاكها من قبل الغزاة العرب حلالا زلالا لهم , بينما احتلال فلسطين من قبل العبرانيين حرام وجور.
ساهمت هذه المفارقة وغيرها في انقلاب الرأي العام العالمي ضد العرب , الذين لم ينجحوا في اي معركة سياسية ضد اسرائيل , ناهيكم عن المعارك العسكرية والاقتصادية والعلمية والتنظيمية والادارية , فسعادة الملاين الستة في اسرائيل لاتقارن بتعاسة مئات الملاين من العرب في مختلف الدول العربية , يتبوأ الاسرائيليون المركز الرابع في السعادة عالميا بعد فنلدا ودولتين او ثلاثة دول من شمال أوروبا , مسلكية العرب الازدواجية سهلت وشرعنت احتلال فلسطين بقدر مهم قد يكون صغيرا أو كبيرا ,
من أكثر الأمور مخاتلة وكذبا ورياء كان وضع الذات الفاتحة في مرتبة عالية ومقدسة مقارنة مع مجرمين التاريخ المعروفين , كتب الوردي على صفحة (٢٠٨) من كتابه “قد يقول قائل بأن فتح بني امية كان مختلف عن فتح تيمورلنك, فذلك فتحا عادلا في سبيل الله وفتح تيمور لنك كان ظالما وفي سبيل الشيطان , ولست أرى أسخف من هذا القول” هنا امتزجت السخافة مع النجاسة ومع احتقار الآخر , الذي عايش دفع الجزية عن يد وهو صاغر وعايش تطبيقات العهدة العمرية الفريدة من نوعها في حالات الاستعمار ,هذه الشعوب عرفت عن حيثيات الفتح أكثر مما استطاع الفاتحون ادراكه وتدوينه , لاوجود في الادبيات العربية اي ذكر لوضع الشعوب المغلوبة , سوى القول أن هذه الشعوب كانت سعيدة جدا بسيوف بدو الجزيرة وبترهم للرؤوس بعشرات الألوف , اول كتاب عن وضع المغلوبين كان من حسام عيتاني الممنوع من التداول في الدول العربية .
أساس العدل والأخلاق كان دائما المقدرة على وضع الذات مكان الآخر , هل سيتغير موقفك لو كنت مكاني ؟؟ , قال الوردي صفحة (٢٠٨) “” إننا نصف الفتح الاموي بالعدل لأننا استفدنا منه, وأهالي سمرقند يقولون عن فتح تيمورلنك ما نقوله نحن عن فتح بني أمية, كلٌ ينظر الى الأمور بمنظار مصلحته , وينسى مصلحة الأخرين ,ولو نظرنا في الامر نظرة الإنسانية العامة لوجدنا أن الفتوحات كلها ظالمة في نظر من تقع عليه,هل يتقبل المؤمنون دفع الجزية لمن يحتل بلادهم ؟؟, فضلا عن ذلك يمكن القول ان فتوحات البدو العرب كرست توحشهم وسوء اخلاقهم واعتمادهم المعيشي على سلب ونهب غنائم الحرب , مما يفسر الأوضاع الحالية الفاسدة , يعتاشون من الفساد , اي من السرقة والسلب والنهب , وليس من العمل والانتاج بعرق الجبين , يسرقون بعضهم البعض داخليا , اذ لاوجود لامكانية السرقة خارجيا , لأنه لا امكانية لممارسة الغزو الخارجي .
بالرغم من تأخر المؤمنون العرب , نراهم يرفضون ماسموه التلوث بأوروبا , أتريد فرنسا اعتبار الجزائر جزءا منها ثم فرنستها !!معاذ الله !! , ولأجل منع ذلك لابأس من التضحية بمليون جزائري , كلنا وجدنا الموقف الرافض للفرنسة صحيح , ولكن البعض الآن وبعد خبرات تجارب الاستقلال يأسفون على المليون ضحية جزائرية وعلى الانفصال عن فرنسا , عقلانيا وبدون عواطف يدعون بأنه كان أفضل للجزائر لو بقيت جزءا من فرنسا , وهناك العديد من الدول التي تتمنى لو كانت جزءا من ألمانيا أو السويد أو أمريكا أو غيرهم , لقد تحول العديد من الشعارات الى ثرثرات , وتحول في بعض الحالات استعداء الاستعمار الى استدعائه , كما يفعل العراق الآن ,وكما حلل ذلك المفكر الجزائري مالك بن نبي .
قال الوردي في صفحة(٢٠٩),يقول المؤرخون أن الجيش الاموي الفاتح عندما دخل المدينة بعد واقعة الحرة أباحها ثلاثة أيام”فأستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الاقدام في الدم ” يقال هذا كذب وحقد على الدين الحنيف !!!, والبرهان كان عند لوبون , وعلى ذكر لوبون أعجب من ذلك التأليه له من قبل المؤمنين , الذين يعتبرون كل أوروبي كافر وكاذب , باستثناء لوبون , وكأن كلامه آية من الآيات البينات , حتى ابتذال كلامه ودمجه المتناقضات مع بعضها البعض لم يثير أي شبهة أو شك في عقولهم المشلولة , فكيف يكون الفتح عادلا , والفتح أساسا هو عبارة تطويب أرض المسروق على اسم السارق !, في نفس الصفحة(٢٠٩) كتب المؤرخ الوردي “وليس في هذا غرابة فالفتح هو الفتح في كل زمان ومكان, جرى الفتح الاموي في المدينة فعرفنا خبره ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة, وماذا قاسى الناس هناك, فالجنود الذين يفعلون هذا الفعل في مدينة ابن عبد الله لا يبالون أن يفعلوا مثله في بلاد الاعاجم والكفرة” , أيضا كانت الأخبار عن انهار الدم في حروب الردة حقد وافتراء , ألا تتذكرون ماقاله لوبون عن أرحم الفاتحين !.
في صفحة (٢٠٣) كتب المؤرخ الوردي “يُقال ان موسى ابن نصير غنم من غزواته في افريقيا ثلاثمائة الف اسير فبعث خُمسْ هؤلاء الاسرى الى الخليفة عملاً بحكم الخمس الخ, ثم كتب في نفس الصفحة “ذكروا أن موسى ابن نصير عاد من الأندلس ومعه من السبايا ثلاثون ألف عذراء فذهبن طبعاً الى قصور امير المؤمنين …الخ” , أهذه هي شمائل الفاتحين العرب!,
هذا هو الفتح الرحيم !هل يمكن ان يقع العذراوات في الاسر طوعاً واختيارا؟, المنطقي هو ان المجاهدون الفاتحون قد خطفوهن من بيوتهن بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها, فليس من المعقول ان يذهب المجاهدون الى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: “اعطونا عذراء في سبيل الله”, حقيقة وراء سبي كل فتاة كانت هناك قصة مؤلمة عن النهب والسفك وانتهاك الحرمات , من كثرة الأسرى والسبايا عند أرحم الفاتحين , كان هناك “افلاس” في تسويقهم , قال الوردي “وقد اسر المجاهدون في احدى معارك الاندلس عدداً كبيراً من الأسرى بحيث أنهم أخذوا يتخلصون منهم بابخس الاثمان ,فبيع الأسير بدرهم واحد وبيع البعير بخمسة دراهم”.
من الضروري التمييز بين مناهض للغزو ومحتقرا له , وبين مؤيد له وفخورا به , لاعلاقة لهذا التمييز بأحداث مضت , وانما بالاستعداد النفسي عند المؤيد لمحاولة تكرار ما حدث سابقا , وهذا الاستعداد رأيناه على موقف المتعثمنين السوريين بخصوص تركيا واحتلالها لأجزاء من سوريا , وعلى موقف العروبيين والمؤمنين الاخونج من الثقافة البدوية , التي لاتزال تحتل البلاد وتؤخرها وتعيق تقدمها , يريدون استمرار احتلال العقلية البدوية لعقول الناس ,لأنهم يعتبرون نفسهم جزءا من المحتل , اليس من المنطقي في هذه الحالة ان يحاول المحتل تصحير البلاد التي احتلها , لربما انتقاما , أوجهلا أو ضمانا لدوام الاحتلال الى الأبد .
يمكن القول بما خص سوريا , أنه تمت محاولة اغتيال هويتها واستبدالها بالهوية العربية , استعمار استيطاني ! , اين هي الآثار الحضارية ل١٠٠٠ عام بدوي عربي ل ٤٠٠ عام عثماني؟؟؟ماذا تركوا ؟ لاشي سوى الخراب , وماذا دمروا ؟ كل شيئ !, استكملت داعش التدمير بمعبد شمين واردوغان بمعبد شمسين , وكأن سوريا قد تحولت الى تورا بورا !