ممدوح بيطار :
مقولتان متضاربتان !!!! , الأولى نسبت للفاروق ونصها كان “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ” والثانية لهيجل ونصها ” الانسان لايولد حرا , انما يأتي الى العالم وبامكانه ان يصبح حرا, مقولة الفاروق مشكوك بها من قبل قسم كبير من الفقهاء والمشايخ , الذين يعتبرون مانسب للفاروق مزور , اذ ان حيثيات الواقعة التي قيل ان الفاروق قال بها هذه العبارة مختلقة ومزورة , اذ لايمكن أن يحتقر الفاروق الصحابة والموعودين بالجنة بالشكل الذي يروى عنه في قضية التعامل الفج والغير مهذب من قبل محمد ابن عمرو ابن العاص مع شاب قبطي , بالمقابل هناك من يعتبر مانسب للفاروق عمر بأنه دليل على عدالته , التي لايعرف التاريخ البشري مثيلا لها !!!.
لا فرق كانت العبارة حقيقية او مزورة , لأنه لايمكن تعريف اخلاق شخص او مجموعة او عقيدة من خلال عبارة واحدة , الواقعة بحد ذاتها تافهة, اذ لا قيمة لحادثة الاعتداء على الشاب القبطي من قبل ابن عمرو ابن العاص مقارنة مع احتلال مصر واذلال أهل مصر والاعتداء الاجرامي على مصر ارضا وشعبا , وكل ذلك كان بأوامر من الفاروق وبتنفيذ من قبل عمرو ابن العاص و المجاهدين من بدو الجزيرة .
لا أكثر من الدراسات , التي تعتبر ابن العاص من أحقر الشخصيات التاريخية حسب تعبير الكاتب المصري اسامة انور عكاشة , وعكاشة لم يكن وحيدا في تقييمه لابن العاص , لا أكثر من الكتاب الذين جرموا ابن العاص , ولا حاجة هنا لذكر كل الاتهامات التي وجهت له وبالتالي لسيد امره عمر ابن الخطاب ,لايمكن أن يكون مهندس العهدة العمرية عادلا او حتى عاقلا , ولا يمكن أن يكون من وأد ابنته انسانا , ولا يمكن ان يكون من تسبب بمعظم الفتوحات وبالتالي بمقتل مئات الألوف من البشر سوى مجرما , ولا تجوز مقارنة اهمية الاعتداء على الشاب القبطي مع أهمية الاعتداء على مصر والشعب المصري على يد ابن العاص وعلى يد الخليفة الفاروق ,لا تمثل عبارة من هذا النوع سوى دجل وثرثرة.
لاتقتصر الثرثرة التي نسبت لابن الخطاب من قبل البعض على كونها مخاتلة فصامية فحسب , انما لكونها دلالة ومضمونا خاطئة , هاهو هيجل وغيره من الفلاسفة ينفون كون الانسان يولد حرا وينفون كون الانسان يولد مؤمنا , يولد الطفل كصفحة بيضاء ويبقى صفحة بيضاء غريزية حتى سن التمايز الجنسي اي سن السابعة من العمر تقريبا , بعد سن التمايز الجنسي تبدأ ما تسمى المرحلة “السياسية ” من حياة الانسان , والمرحلة السياسية اي التربوية والتكوينية الاجتماعية تعني صناعة الوعي الاجتماعي الذي يتضمن الوعي بالحرية أو الوعي بالاستعباد او غير ذلك من الخصائص المكتسبة مثل الفكر والتعلم , الأمر ينطبق كذلك على الدين , اذ أن الدين ليس فطري ولا يولد الانسان مؤمنا .
يرى هيجل ان نظام القانون اي جميع المؤسسات القانونية والأخلاقية والفلسفية الخ تمثل الواقع الايجابي الوحيد للحرية , لايولد القانون والاخلاق والسياسة وغيرهم من تجسيدات الوعي بالحرية مع الانسان , كل تلك الأمور مكتسبة.
لم يتبن الفلاسفة قبل عمر ابن الخطاب مثل سقراط وأفلاطون وبعد عمر ابن الخطاب مثل كانت وروسو مقولة فطرية الحرية , فروسو عبر على عكس ابن الخطاب بقوله التهكمي , يولد الانسان حرا!!!, ولكنه في كل مكان مكبل يجر سلاسل الاستعباد , ويقصد بالاستعباد مايفرضه الانسان على نفسه وما يفرضه المجتمع على نفسه من قيود وترتيبات وليس الاستعباد الخارجي من قبل شخص آخر.
لا أظن بأنه من الضروري التعمق في شرح فلسفة هيجل وغيره من الفلاسفة بخصوص العبارة التي تنسب الى عمر ابن الخطاب , واذا صدق انه قالها , فلم يقلها بناء على تفكير فلسفي عقلاني علمي , عندما قالها كان بصدد ممارسة جلد ابن عمرو اي ممارسة العين بالعين والسن بالسن , لقد كان رجل الهدم والردم والدم , لاقيمة لعبارة ابن الخطاب , عندما تسيطر على تلك الحقبة مقولة معاوية سيد عمر وولي نعمته التي قالت “وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس , فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب , والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى , والثلث الذين لا ناس فهم المسالمة (القبط), هذه هي حضارتهم وهؤلاء هم ” فلاسفتها “