عثمان لي :
من ينظر بتأمل الى العصر الحالي , لايستطيع تجاهل انتقال عدة خصائص من الماضي المنحط الى الحاضر , فما تعيشه الشعوب عصريا من انحطاط وتردي , ليس مسببه سوى استحضار ثقافة الخلافة الأموية والعباسية ثم السلطنة-الخلافة العثمانية , الأحفاد يمارسون احياء وانعاش الرزيلة , التي كان لها أن تموت , الا أنها قتلت الشعوب قبل أن تعطيهم عمرها ,
كل سوريا بسجونها وقهرها كانت استمرارا للعثمانية , والعثمانية استمرار للعباسية, والعباسية استمرار للأموية , والأموية استمرار للسقيفة , والسقيفة استمرارا للبدوية, التي رسختها النصوص ووعاظ السلاطين من مفتي وامام وعلماء دين , كل ذلك وأكثر تكثف على يد العثمانيين , الذين سنوا الفرامانات والقوانين التي تشرعن قتل الاخوة حفاظا على السلطة , السلطة السلطانية شرعنت القتل بدون ذنب ولمجرد ولادة انسان بين اقربائه , وهل من العجب أن تمارس سلطنة من هذا النوع ابادة شعوب أخرى ؟ , عندما تمارس ابادة الابناء والأخوة والأقرباء من أخ أو عم أو ابن أو طفل , ألم يقتل سليمان القانوني احفاده ؟, وماذا فعل الفاتح محمد بأقربائه ؟ وهل كان هناك سلطانا لم يمارس تصفية ذويه , ثم نعجب من ابادة السلطنة للارمن والآشوريين والسريان واليونان , نعجب من تبخر بيزنطة والبيزنطيين ومن مصير دير عابدين , استمر كل ذلك بتكثيف وهمة زائدة , بالرغم من حالة عالمية متسمة بتزايد الحرص على حقوق الانسان , قمة البربرية تكثفت في بؤرة العنف والقيح السورية في عالم يسير قدما باتجاه المزيد من الرشد والوعي والانسانية.
فشلت الدعوة في تهذيب البدوية , ولكنها نجحت في اعطائها صبغة وميزة المقدس , وبالتالي شرعنتها وحولتها الى معبودة , فما أن توفي ابن عبد الله , حتى انفلتت البدوية مسلحة بالسيف والمقدس تغتصب وتقهر وتسرق وتجمع غنائم الحرب ثم تقتسمها مع الخليفة حسب احكام قانون السرقة , الذي لايزال ساري المفعول حتى هذه اللحظة , عفش التعفيش يقسم بين الآمر والمأمور! .
لم يجد الارهاب وتنظيماته جوا مناسبا وحاضنا أفضل من حاضنة العقل البدوي , اينما تواجد ذلك الحاضن تواجد الارهاب , ان كان في جبال الجزائر او في قندهار أفغانستان أوفي وزيرستان اوفي خلافة البغدادي الخ , تمكن الارهاب من التعايش مع التمذهب الطائفي ومع العنف ومع التخلف البدوي ومع المفاهيم الماضوية الورائية , اعتاش على التطفل والجباية وعلى غنائم الخرب , التي ملأت بيت مال الأموين , الذين لم يعملوا سوى بكار الفتح والسلب والنهب واختطاف السبايا وتذبيح العلماء ثم نشر القيم الأخلاقية للروح البدوية المتمثلة بالتوحش والغلبة والافتراس والذكورية وسياسة الخراج والجزية ..