مها بيطار ,سمير صادق :
لم تسقط ثقافة المؤامرة ثم ثقافة التكفير والتخوين من السماء السابعة , ولم ينبثق ماردها من جوف الأرض , انما كانت من صنع الثقافة المهيمنة في هذه المنطقة , والثقافة الدينية مهيمنة شعبيا وحتى سلطويا , كان لهذه الهيمنة تاثيرا كبيرا على تطور الشعوب , وعلى التباين بين نهضة الشعوب الأخرى خاصة الأوروبية وبين انحطاط الشعوب العربية المؤمنة .
يكمن هذا الفرق او التباين في نقطة مهمة , وهي ان الشعوب المتقدمة مثلا في اوروبا وفي بقية العالم انتصرت على الدين وحاصرته مع رجاله في المعابد , بينما حدث العكس في منطقة العرب المؤمنين , هنا ملأ الدين المجتمعات وحاصرها في الفضاء العام , النتيجة كانت تأخر الشعوب التي وقعت في مصيدة الدين , وتقدم الشعوب التي اصطادت الدين , اذن للدين كان تأثيرا حاسما هنا وهناك , لقد انتصر الكفرة على المؤمنين ليس بالتآمر على الدين الحنيف , انما بالدين الحنيف , الذي تسبب في خلق تلك الهوة الكبيرة بين اوضاع من آمن وأوضاع من كفر ولم يؤمن , اذا كان هدف المؤامرة اعاقة بعض الشعوب عن التقدم والتأثير على مسيرة الوجود البشري , فقد قام الدين بهذه المهمة بفاعلية كبيرة , لم تكن مؤامرة على الدين , انما مؤامرة بواسطة الدين .
استعراض عابر للاحداث في العصر الحديث يظهر تاثير الدين على وضع المجتمعات , فللعديد من العقود او حتى القرون هيمنت الوهابية على السعودية وعلى خارج السعودية بالقوة المادية البترولية , ولهذه الهيمنة كانت هناك تأثيرات اعاقت تقدم العديد من الدول مثل مصر وفي ايران كان الوضع مشابها ليس باسم الوهابية , انما باسم الخمينية , وفي الصومال كذلك ونفس الشيئ في افغانستان , وغيرهم من الدول , هنا يتهم الغرب بالتقصير في التصدي لتلك التحولات المتضمة تكريس هيمنة الدين على الشأن العام خاصة السياسي ,لافائدة للغرب عموما من هيمنة الظلم والتاخر والعنف والارهاب , كل ذلك يمثل عبئا ثقيلا على الغرب ,من الصعب على العرب عموما فهم ذلك , فلا فائدة للغرب من الارهاب ولافائدة للغرب من تأخر العرب ولافائدة من ملاين اللاجئين والهاربين , العرب نائمون في ظل نمطيات فكرية مؤامراتية عصية على التغيير ,
أحد اسباب التفكير المؤامراتي كان الجهل وبالتالي ضمور المقدرة التحليلية , اي بالنتيجة عدم التمكن من ادراك اسباب الأزمة او الخلل , وبوجود القدرية التي يروج الدين لها كان هناك عدم الشعور بالحاجة للتعرف على اسباب المصائب , فكل تطور ليس سوى قدرا مكتوبا , ثم الايمان بالغيب وآلياته مشجع على الايمان بالمؤامرة , التي لاتستسيغ الأسئلة او التحليل الذي يقضي عليها , المؤامرة دين وايمان معطل للعقل , اما أن تؤمن أو لاتؤمن , وكما أنه على الاعتماد ان يكون على الله , كذلك على الفاشل المنكوب ان يعتمد على المؤامرة , التي تزيل عنه الشعور بالذب والتقصير .
لهذا الأسباب ولغيرها ايضا يمكن القول بوجود قرابة شديدة بين فكر المؤامرة وبين الفكر الديني , كلاهما يستخدم الآخر كعكازة , ونسبة انتشار كل منهما متوازي , حيث يتعاظم التدين والايمان يتعاظم الفكر المؤامراتي , اي ان الدين ليس فقط رديف للمؤامرة , انما خالق لها , وهذا ما نراه بشكل واضح في الدول العربية المؤمنة , التي بلغت في تدينها الشكلي او الحقيقي قمة في العالم وبلغت في تفكيرها المؤامراتي ذات القمة