سمير صادق :
خلفية الدعوات اليتيمة لتوحيد الصفوف ونبذ الاختلافات والتهديد بالفتنة مثيرة للتعجب , اذ لاوجود لشبيه لذلك في المجتمعات التي تقدمت وحلت مشاكلها وأزماتها بنجاح ,التقدم هو ترجمة لتجاوز المحن والأزمات وحلها , والمجتمعات المتقدمة تستطيع حل مشاكلها خاصة وحصرا بالاختلاف الخلاق والمقتدر على ابتكار أفضل الحلول لأسوء المشاكل,عدم المقدرة على الحوار والتفاعل المنتج في اطار الاختلاف , هو المحفز للمطالبة بالغاء الاختلاف لتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة .
الاختلاف هو من طبيعة الانسان , وتحول الاختلاف الى خلاف, يعود الى القصور في التعامل والتفاعل (الحوار والنقاش) مع الغير , ثم القصور في الاستفادة من ايجابيات الاختلاف الخلاق ,وفي الاعتماد على الموقف الواحد والرأي الواحد والاتجاه الواحد القاصر والخاطئ في معظم الحالات .
الوحدة الوطنية ليست تجانسا عقيما , والوحدة الوطنية لاتقوم على مايجمع الناس فحسب , انما على مايميزهم عن بعضهم البعض ,تمايز الناس اي اختلافهم عن بعضهم البعض هو وحدة في الاختلاف , وليس مصدرا للخلاف , يتحول الاختلاف الى خلاف في غياب ثقافة الحوار والتفاعل والاعتراف بالآخر , الغاء الاختلاف لتحقيق مايفهمه البعض من الوحدة الوطنية ليس سوى ترجمة لالغاء الآخر أو التنمر عليه , وهل هناك من فائدة في الغاء الآخر من البشر ؟؟وهل هناك وحدة وطنية في التنمر ؟؟ , عندما يتعلم الناس اساليب الحوار الصحيحة والتفاعل المنتج مع الغير في اطار الاختلاف ,تتحقق الوحدة الوطنية , التي تعني الفائدة والتقدم للجميع .
يمثل مفهوم الوحدة الوطنية الطوباوي بالشكل الذي يروج له من قبل البعض , بازارا للاستغلال والاحتيال والتقزيم والتشويه والتكاذب , ثم الانتحال والمزايدة والنفاق , ومصدرا أساسيا لممارسة الالغاء والاقصاء, فمن أجل وهم الوحدة الوطنية الضبابية كانت هناك ممارسات لاعلاقة لها بخير البلاد , لقد تم عن طريق هذه الدعوة التأسيس الى حالة القطيع , قطيع موحد ومتحد شكلا , لاشبيه له سوى بالحالة الديكتاتورية وبالحالة الشمولية وبنفاق نتائج رائعة لاستفتاء أو انتخاب من نوع ٩٩,٩٩٪ لصالح مخلوق واحد , اعلان نتائج من هذا النوع , كان بمثابة اعلان عن وجود حالة اجتماعية -سياسية متردية ,الاعتزاز بنتائج من هذا النوع هو ترجمة للمقصد المريض من مايعتبره البعض وحدة وطنية ,٩٩,٩٩٪هو اعلان عن ولادة القطيع , وهل يمثل القطيع وحدة وطنية ؟؟؟ .
تتوافق نفسية وعقلية المروجين للوحدة الوطنية بمفهومها البدائي المحلي مع الرقمية المروعة لنسبة تأييد ٩٩,٩٩٪ من الشعب العظيم للقائد العظيم ,الوحدة الوطنية كما يفهموها ليست سوى قناع او حجاب او نقاب للتستر على التشتت والغربة وممارسة اقصاء والغاء الآخر , انها وسيلة لشرعنة القمع ,ولتبرير الاستعباد والاستبداد , يراد من نسبة ٩٩,٩٩ ٪ الملفقة , ان تكون معيارا للوحدة المطلقة , الشعب واحد وراء القائد الواحد الموحد ,فشل بنسبة ٩٩,٩٩ ٪ يوازي انتقاء بنسبة ٩٩,٩٩ ٪ للفاشل !!!!!! , يراد من هذه النسبة ان تكون تعبيرا عن الوحدة الوطنية, وأن تمثل شرعنة لممارسة الظلم والفساد والاستبداد , من يملك ذلك التأييد يملك مطلق التفويض للقيام بما يريد بدون حساب أو رقيب ,تلك النسبة هي أحد اشكال تلك الوحدة الوطنية الضالة .
الا يجدر التساؤل عن السر في تمكن الدول الراقيىة المتقدمة من حل مشاكلها بنجاح وبوجود ثنائية الحكومة -المعارضة , الذي تمثل تبعا لمعايير الوحدة الوطنية المروج لها , حالة انعدام الوحدة الوطنية, بمفهومها المحلي الغيبي المؤسس على خلفية “التوحيد ” وعلى الغيبية والعصبية , لقد تحول البعض, لربما من حيث لايدرون , الى ابواق للدعوة للتوحيد المشتق من الثقافة الغيبية , المشكوك بصلاحيتها في التاريخ البشري ,خاصة في هذا العصر .
الداعية الوطنية الفذة , والمنظرة لعبقرية اكتشاف دواء توحيد الصفوف , وشحذ الهمم لانقاذ الوطن , والمطمئن لفاعلية تقليعة الدعوة للوحدة الوطنية الباهتة التلفيقية , والى توحيد الصفوف والجهود من أجل انقاذ البلاد , هو الانسان الببغائي الذي يعطي نصائح ليست من أجل ترقية الوطن , انما من أجل الترقية الذاتية الى مصاف اثرياء الوطن , النقد الذي يتضمن رأيا آخر هو ممارسة للوحدة الوطنية , فالنقد هو اساس الترقي والتقدم , وهل الترقي والتقدم مضادا للوحدة الوطنية, التي تعني أن يشبع الجميع خبزا , جوع البعض هو من مضادات الوحدة الوطنية , لذلك يعتبر النقد الذي يدحر الجوع ركنا اساسيا من أركان الوحدة الوطنية , من يرفض النقد ويمارس المديح والتبجح ليس الا داعية تأخر وانحطاط .
أول نتيجة لتلك الوحدة الوطنية بمفهومها المحلي , كانت الغاء أو تقزيم مفهوم المعارضة السياسية , التي الغيت لكونها تعارض , والمعارضة لاتنسجم مع مفهوم الوحدة الوطنية المشتق من مفهوم التوحيد , لا وحدة وطنية في مفهوم التعريب حيث على الجميع ان يصبحوا عربا , ولا وحدة وطنية مع مفهوم الغلبة الغالبة , ولا وحدة وطنية في نظام الملل الخاص بالأحوال الشخصية … تعدد زوجات للبعض ونصفية شهادة المرأة , ثم اعتبارها ناقصة عقل ودين الخ !, العرب من أكثر شعوب الدنيا حديثا عن الوحدة , ومن أكثر شعوب الدنيا شقاقا ونفاقا , من أكثر شعوب العالم حديثا وتفاخرا بالوطنية والشعب العظيم ,ومن أقل شعوب العالم وعيا بالمواطنية والوطن .
لا تتطلب وحدة الموقف ووحدة الرأي المطلوبة أي تفاعل أو نقاش أو نقد , هنا يتم فرض الرأي في اطار القسر وهيمنة جهة على جهة أخرى وعلى الجميع , حالة تفرز التأزم وبالتالي الخلاف الذي قد يتطور الى الحرب , يطالب الاخونجية بوحدة الرأي والموقف , ويقصدون عمليا تموضع الجميع تحت مظلتهم الفكرية وارادتهم وادارتهم , وبذلك تتحقق شروط الوحدة الوطنية بالايمان اخونجيا , كما هو الحال في افغانستان !!