ممدوح بيطار, مها بيطار :
هل كان قدوم العثمانيون قبل 500 عام غزواً أواحتلالا أو غزوا واحتلالا وفتحا ؟؟؟أو غير ذلك ؟, وهل تمثل الحقبة العثمانية من حياة شعوب هذه المنطقة , التي استمرت حوالي أربعة فرون احتلالا أجنبيا او وحدة استمرار الخلافة ,هل كان العثمانيون سبباً في تخلف العرب أو انهم ساهموا في تقدم العرب ؟, هذه الأسئلة وغيرها حول الحقبة العثمانية ليست بالجديدة , لكن الجدل حولها ما إن خمد , حتى تجدد بأوجه ومشاكل جديدة …عملية نبع السلام الاردوغانية واحتلال اجزاء من الشمال السوري ساهمت في تجديد النقاش , الذي أراده اردوغان ,واراد توظيفه لغايات مختلفة .
لايمثل التعرض للسلطنة العثمانية أو حتى للخلافة بشكل عام نبشا عدميا في الماضي , انما تعرضا ضروريا لتطورات ومشاكل آنية وحديثة ومؤثرة بشكل عميق على حاضر ومستقبل البلاد خاصة سوريا, ففي سوريا من الأزمات والاشكاليات مايكفي , لذا لا يجوز القول بصيغة النفي على أن صراعات الحاضر ومشاكله لاتكفي , لذا يجب اختراع أزمات جديدة !, .
الوضع مع العثمانيين الجدد من السوريين انتحالا ومع العروبيين من أهم المواضيع التي تهم سوريا الجديدة كما نتصورها , انه من الضروري بخصوص السوريين المتعثمنين والعروبيين صياغة تعريفا واضحا لمفهوم المواطنة السورية والوطن السوري والمواطن السوري ,فمن يريد دولة أخرى بديلا عن سوريا ليس سوري اخلاقيا وقانونيا , فسوريا كوطن يبنى من السوريين وليس من العثمانيين والعروبيين , اذا لم يتم التعريف والتحديد , لا لزوم لتصور سوريا الجديدة , ولا لزوم للعمل من أجل سوريا الجديدة , لأن الجديدة ستفشل كالقديمة , ظروف قيام الدولة السورية بعد الحرب العالمية الأولى كانت أكثر تيسيرا من ظروف الحاضر , في ذلك الوقت لم يكن لسوريا سوى الأصدقاء ,والآن ليس لسوريا أكثر من الأعداء .
من هم هؤلاء العثمانيين ؟ العثمانيون هم قبائل رعوية عاشت في شمال غرب الصين متنقلة من مكان لآخر ومتصادمة مع بعض الحضارات , في اطار التنقل وصلت في منتصف القرن الثاني عشر الى منطقة آسيا الصغرى,مؤسسها كان عثمان غازي , الذي ينسب الاسم اليه , توسعت سلطنة عثمان غازي في ظروف مناسبة كظرف ضعف الدولة البيزنطية , مما فتح الطريق أمام غزوات البلقان في منصف القرن الثالث عشر , وفي عام 1453 تمكن السلطان العثماني من احتلال القسطنطينية واسقاط الدولة البيزنطية ,
في اطار غزو أوروبا كانت هناك انتصارات وانهزامات , الانهزامات كانت بصورة خاصة أمام روسيا والنمسا , مما دفع العثمانيين للتوجه شرقا وجنوبا في القرن السادس عشر , أي فتح او احتلال بلاد الشام وشمال أفريقيا ,بعد الاحتلال وضعت الشعوب في حالة نوم قسري, اكتفت السلطنة بالتحصيل عن طريق الوالي وبفرض بالولاء المطلق لآل عثمان,لقد كان هناك مايسمى “السروجي” الذي كان عليه جمع المال من الولايات , اختصر الأستاذ الدسوقي علاقة العثمانيين بشعوب الولايات بثلاثة كلمات مال وسيطرة وسيادة !.
لايمكن تمييز الاحتلال العثماني عن غيره من الاحتلالات , الا بكونه ممثلا للسلبي المطلق , والاستنزاف المطلق , والاستغلال المطلق والتأخر المطلق , للفتح عدة أوجه ,منها نشر العقيدة , وقد كان العثمانيون فاتحون , لا منطق في فتح سوريا من أجل نشر العقيدة , فالعقيدة كانت منتشرة , مضمون الفتح في الحالة العثمانية كان التملك , اي تملك بلدان أخرى كغنيمة حرب , حيث تم استهلاك واستنزاف المستعمرات وشعوب المستعمرات لصالح آل عثمان والى الأبد كما ظنوا , لقد استخدم العثمانيون وعلى الأخص المتعثمنون من الشعوب الأخرى كل وسيلة للنزييف , لقد ادعوا حماية الشعوب من الفرنج , عندما لم يعد هناك خطر من الافرنج , كان العثمانيون كما يقول المثل الشعبي “حاميها حراميها “
لاشك في تقبل العثمانيين من قبل العديد من فئات شعوب المناطق المفتوحة , السبب الرئيسي هنا كان مفهوم الولاء والبراء , الالتزام بمبدأ الولاء والبراء يعني مناصرة المؤمنين لبعضهم البعض ضد الكفر , لخص الدسوقي أمر العثمانيين بالشكل التالي :”السلطان العثماني كان أمبراطورا استعماريا ,وقد عاشت البلدان العربية التبعية المطلقة للسلطان ,ولم تشهد أي معالم نهضة أو حضارة , وهذا لايأتي سوى مع الاستقرار,وهذا ما حرم العثمانيون العرب منه”
من الصعب توصيف حالة النوم على طريقة أهل الكهف ثم العزلة التي فرضها العثمانيون على شعوب مستعمراتهم , عزلة دامت على الأقل ثلاثة قرون , الى أن جاء نابوليون واحتل مصر عام ١٧٩٨, هنا تم كشف الستار عن التخلف والجهل الذي تم فرضه على الشعب المصري , لقد كانت المفاجأة بمثابة صدمة حضارية للمصريين , فبينما كانت سفن الحملة الفرنسية ترسوا على شواطئ الاسكندرية, كان قادة جيوش المماليك يؤكدون بأنهم سيسحقون الفرنج تحت سنابك خيولهم , لقد ظنوا بأن الفرنسيين قدموا الى مصر للحرب والاحتلال بالسيف, عندما سمع المماليك أصوات المدفعية تعوذوا من الشيطان ورددوا “ياخفي الألطاف , نجنا مما نخاف “, لم يقتصر فريق نابلبيون على العسكر , فمع نابليون جاءت المطبعة ,والعديد من معالم الحداثة , لقد تم اكتشاف حجر رشيد , وبالتالي التأسيس لما يسمى “علم المصريات ” ..الخ
لم يكن الفتح العثماني سوى نسخة طبق الأصل عن الفتح البدوي القريشي , ولم يكن في الفتح البدوي وفي الفتح العثماني اكثر من السلبيات , رفع الفاتحون البدو شعار تحرير بلاد الشام من الاحتلال الروماني -الفارسي , لذلك وضعوا البلاد تحت سيطرتهم , وهل كانت هناك منفعة من استبدال الاحتلال الروماني -الفارسي بالاحتلال البدوي , وهل كانت العملية تحريرا ؟ , تكمن المفارقة هنا بعدم كون سوريا مستعمرة رومانية تقليدية , لقد كانت هناك مايمكن اعتباره “شراكة ” , فمن سوريا كان هناك عددا كبيرا من الأباطرة في روما , ثم أن الحالة الحضارية السورية كانت متألقة طوال 700 سنة من الشراكة الرومانية -السورية ,من يلقي نظرة تأملية على آثار سوريا القديمة …ماري..أوغاريت …تدمر …بصرى الشام …بعلبك … الخ يصاب بالدهشة والذهول من شدة الاعجاب , بالمقابل لا ترينا نظرة تأملية مشابهة بخصوص الخلافة والسلطنة اي أثر للتحضر .