الدافع للحديث عن التعفيش كانت “مأساة “المواطن السوري المعروف تحت لقب “أبو جاجة “, فقد أصدر فخامة وزير الداخلية فرمانا يمنع اقامة اي علاقة بين أي مواطن سوري مع الملقب “أبو دجاجة”, فأبو دجاجة كان لقبل سنوات قليلة بياع فراريج في القفص على الرصيف , فتحها الله بوجهه وارزق عليه خاصة بعد تعرفه على شريك من عظام الرقبة هو فخامة الجنرال ماهر الأسد , خلال سنوات ارتزق أبو دجاجة بأكثر من عشر مليارات دولار , وفي تعفيش الغوطة الأخير تضارب تعفيشه مع تعفيش الجنرال ماهر , مما قاد الى الزعل والى تعمييم فخامة وزير الداخلية الذي طلب من الجماهير “الزعل “من ابو جاجة , مؤخرا تم رد الاعتبار لأبو جاجة , الذي يسكن الآن متواضعا في عدة قصور تبدو ليلا كشعلة نار او كشمس في زمن فقدان الطاقة والكهرباء , اعتقد بأن سبب الاختلاف الطارئ مع ابو جاجة كان تقلص منابع العفش , اذا لم يعد في سوريا مايستحق التعفيش !
لاوجود لمرادف لغوي لمفردة “تعفيش” في العرببة , انها كلمة عامية مشتقة من “عفش البيت” الذي يصار الى نهبه وسرقته من قبل عساكر وضباط ومجموعات مسلحة , وذلك بشكل فردي بعد عام ١٩٨٤ وبشكل معمم بعد عام ٢٠١٢ , أول تعفيشة كبيرة كانت على يد الجنرال رفعت الأسد , فقبل رحيله أو ترحيله من البلاد , رأى السيد العميد رفعت الأسد بأنه من الضروري تزويده بشي من الدراهم كخرجية جيبة في الغربة , لذلك قرر تعفيش البنك المركزي , في البنك الخاوي لم يجد الجنرال رفعت مبتغاه , مما دفع أخاه العطوف الحنون حافظ الى استدانة مبلغ ثلاثة مليارات دولار من المرحوم الثوري معمر القذافي , وبذلك ترك رفعت الأسد البلاد وذهب مع الذهب الى المنفى , لم يكن المسبب لهذه اللفتة الحنونة من قبل المرحوم حافظ أسكنه الله جنانه ماله علاقة بقرابة الدم أو بمنصب رفعت كنائب لرئيس الجمهورية , فرفعت الأسد كان مواطنا سوريا , والرئاسة السورية لاتترك سوريا يجوع في الغربة, بناء عليه يجب افتراض عملية تزويده بالملايين المستدانة من القذافي , كنوع من حرص رئاسة الجمهورية على راحة وسعادة وكرامة المواطن السوري رفعت الأسد في الغربة , الرئاسة حريصة على كل مواطن يترك البلاد طوعا او قسرا , وكل من ترك البلاد زود بالمناسب من المال , هذه هي سوريا اللأسد , لعلكم تدركون !!!!!!!!
ظواهر كالتعفيش أو حرق الأحياء أو بتر الرؤوس لاتحدث فجأة , غالبا أو حتى في كل الحالات تكون القابلية لهذه الممارسات كامنة , ثم تظهر وتتمظهر في واقع الحياة , وظهورها يخضع الى عوامل ظرفية عديدة ومختلفة , فالتعفيش له جذور عميقة وعلاقة مؤكدة مع ظاهرة غنائم الحرب المعروفة حتى في الجاهلية , والتي استمرت بعد ولادة الدعوة , التي وضعت لها تنظيما مؤسسا على آيات قرآنية , المنطلق في ثقافة غنائم الحرب , هو أن المجاهدون لايحاربون الا الكفرة أو يحاربون من أجل نشر الدين الحنيف , وفي هذه الحروب هناك أموال وأسلحة وأمتعة هي بالجملة للمجاهدين حلالا زلالا ((فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) , الغنيمة ليست كسرقة غنمة , انما ملك بحق الهي للمجاهدين في سبيل الله ضد الكفرة , أموال الكفرة ليست معصومة , وقد تم سابقا تقسيم غنائم الحرب على الكفار حسب قاعدة الخمس , وهذا شمل مايسمى الفيئ , أي مايأخذه المؤمنون المجاهدون بدون حرب , كأن يستسلم الكفار ويلذون بالفرار .
لاوجود للثوابت , وكل شيئ خاضع للتطور , وهكذا طور المجاهدون مفهوم غنائم الحرب , التي هي اصلا ملكهم , اذ أن مايوجد في حوزة الكفار ليس ملك الكفار ولا هو معصوم , باتجاه أقل بيروقراطية من الماضي , كانت هناك قواعد لتقسيم الغنائم فالخمس خص الله ورسوله , وما بقي خضع لاحكام لاضرورة لبحثها تفصيليا , الامام أو أمير المؤمنين أو القائد كان مسؤولا عن البضاعة وتوزيعها , أما الآن فالمعفش يعفش حسب نشاطه وعلى كيفو , وما يعفشه ملك له !.
التطوير لم يتوقف ! ويقال بأنه بدأ في عام ٢٠١٤ , اذ استلم الضباط الغلة والعفش ونال الجنود لقاء أتعابهم بالتعفيش بعض الفتات , وفي هذا السياق حصلت خلافات بين كبار الضباط في واقعة تعفيش الغوطة , اشترك بها الجنرال ماهر الأسد , بالنتيجة تمت تصفية عائلة جابر , التي ارادت ان تكون لها حصة الاسد من العفش في سوريا الأسد , وبذلك خالفت العرف , الذي يقول بأن حصة الأسد هي لأسد سوريا حصرا , وليس لعائلة جابر(أيمن جابر كان فقيرا معدما , تحول بقدر قادر الى ثاني أثرياء سوريا) , الطمع …. الطمع ضر وما نفع ياحبيب أيمن جابر !
لم تلصق تهمة التعفيش بأفراد كتائب الأسد وبالفصائل المجاهدة المسلحة المقاتلة زورا , فقد كان لداعش دائرة مختصة بأمر التعفيش , وعمليات التعفيش كانت منظمة بدقة , هناك مثلا دائرة الآثار , التي حققت كل عام مبيعات بمبلغ يقارب ١٠٠ مليون دولار , أما كتائب الأسد فقد عادت في تسمية التعفيش الى السلف الصالح وأطلقت على العفش غنائم حرب , خاصة في منطقة اللاذقية حيث يقيم ويتمركز معظم المعفشون من قبيلة الأسد .
بالرغم من جذور التعفيش التي تمتد الى ظاهرة غنائم الحرب الجاهلية -الاسلامية , الا أنه هناك فرق واضح بين تعفيش اليوم وغنائم الحرب في الماضي , الجاهليون والمجاهدون عفشوا في الحرب بالدرجة الأولى بيوت ” أعدائهم ” , أما الانحطاط الحالي فقد سمح بتعفيش بيوت ” ابناء البلاد “, ثم هناك فرق واضح بين تعفيش جيش دولة منتصرة لمنطقة سكنية تابعة لجيش الدولة الأخرى المنهزمة , فجيش هلاكو لم يكن ككتائب الأسد وفصائل المجاهدين المقاتلة , هلاكو حدد ثلاثة أيام للتعفيش بعد الاحتلال , بينما كان تعفيش الكتائب وتعفيش الفصائل مفتوحا , كتعفيش لبنان اثناء احتلاله من قبل الجيش السوري العظيم , تعفيش اليوم بلغ حدا من الوضاعة والانحطاط الأسطوري الغير مسبوق , فتعفيش اليوم عبر ويعبر عن جوع حقير لاتشبعه كل غسالات وكابلات وتلفونات وبلاط مراحيض كل سوريا , ولن تشبعه كل خزانات وملابس وأحذية ودجاجات كل العالم !.
نفسيا يعود ذلك الاستسهال والتلقائية في ممارسة تعفيش اليوم الى اعتبار المعفش لذاته قدوة وقدرة ومعيار , وما يقوم به المعفش هو حق طبيعي له , عموما لايجوز اغفال غلاء المعيشة والحاجة الماسة للمال كعامل ثانوي في تكريس التعفيش , فحضرات الضباط مفطومون على انواع معينة من المشروبات مثل الويسكي الأزرق أو السيجار الكوبي كوهيبا , ثم حاجة المدام أم همام من عطور وروائح وكلاسين وغير ذلك من الاكسسوارات …
الجسد السوري جريح حتى الموت , وليس من المبالغة القول بأن جرح التعفيش من أعمق هذه الجروح !