التوهم في سوريا وحول سوريا كان دائما سيد الموقف , الواقع السوري كان مفجأة كبيرة , لقد كان اليقين الضمني وحتى الصريح للعديد من السوريين وغير السوريين , أن سوريا مختلفة عن باق الدول العربية الممزقة كلبنان والعراق , لقد كان هناك شعور وهمي بأن الشعب السوري بلغ درجة عالية من الوعي , ومن وعي الانتماء الوطني ووعي الهوية “فوق “طائفية,هناك من قال بأن الطائفية لم تكن موجودة في حياة السوريين , الا ترون بأن الأسد بشار تزوج من سنية , ألا ترون أيضا بأن الأسد ماهر تزوج أيضا من سنية , الاترون ملابس الزوجات وتنانيرهم القصيرة ,وهل يمكن أن يحدث ذلك في دولة ليست علمانية ؟ اليس عدم تحجب نسوان القادة وأولياء الأمر والنعمة دلالة على علمانية الدولة وعدم طائفيتها ودينيتها !!! ,ناهيكم عن أمر عرق الريان وأمر عرق ابناء ضيعتنا … وحتى الثورة كانت علمانية ,هل هناك فرقا بين ثورة 8 آذار المجيدة وبين الثورة الفرنسية ؟
حقيقة , أخفى الواقع أكثر مما أظهر , لقد ظهر أن المجتمع مقسم افقيا , وبه عصفت عاصفة عاتية , عاصفة بدوية صحراوية , سميت “مؤامرة” صهيونية عالمية غربية , بينما الاسم الحقيقي لها كان , الطافية المتقاطعة” , التي تتميز بالتمظهرات المشهدية لما سمي تلفيقا تسامح ديني , الذي لم يكن تسامحا في ظل سياسة داخلية قوامها قوانين ودساتير مجحفة بالآخر , التسامح اصلا هو ممارسة مرضية , فالمطلوب هو المساواة وليس التسامح , لا وجود لهذه المساواة في ظل قوانين مصدرها الشرع الاسلامي ,مثل المادة الثالثة من الدستور وقوانين الأحوال الشخصية , ثم رفض الزواج المدني الذي يساوي عمليا الناس مع بعضهم البعض , لاتمثل الطوائف والطائفية كل اشكال عدم المساواة وكل أشكال التقسيم الاجتماعي الأفقي , هناك تقسيم آخر تبعا للجنس , فقانون الأحوال الشخصية يتضمن أكثر من 300 مادة مجحفة بحقوق المرأة ومتنكرة للمساواة مع الرجل .
تحرص الطافية المتقاطعة على تأمين مسرحا لتمثيليات رجال الدين والسياسة والعديد من الذين يطلقون على انفسهم لقب مثقفين , من الذين يروجون للتعايش ويشيدون به , مع العلم بأن مفهوم التعايش من أشد المفاهيم انحطاطا , مفهموم التسامح يأتي بالدرجة الثانية من الانحطاط بعد مفهوم التعايش , يتعايشون مع بعضهم البعض …!!!!يتباوسون شكليا , ويطعنون بعضهم البعض في الظهر بخنجر الاقصاء ورفض الآخر , تهدف مسرحية التعايش التهريجية الى لفت النظر عن القضايا الأساسية , التي تعصف بمجتمع داخله سخام وخارجه خام , الطائفية المتقاطعة هي طائفية مفهوم الخام والسخام , هي طائفية القلب وتسامحية وتعايشية القالب.
في الواقع أصبحت الطائفية المتقاطعة منهجا لقطاعات كبيرة من الشعب ,وذلك لأشكالها المتنوعة وصيغها المختلفة, التي تلائم متخلف الناس , وبالتالي الكثير من الناس , أحيانا تكون الطائفية المتقاطعة عفوية..أحيانا سلسة دفاعية ,أحيانا هجومية , احيانا مباشرة وأحيانا غير مباشرة , احيانا واعدة بالحياة وأحيانا مؤسسة للموت , الا أنها دائما ضارة , عسير على من يقع في مطبها أن ينهض , الا ترون كيف وقع السوريون في مطبها ولم يتمكنوا من النهوض !
الحديث عن سوريا وعدم طائفيتها يشعرني بالغثيان ,وما يشعر بأكثر من الغثيان كان التحسر على سوريا الأمس, التي يقال عنها تواضعا بأنها لم تكن مثالية , الا أنها كانت وما زالت متشربة بالطائفية , مسكونة بالطائفية , مخمورة بالطائفية , فوجود الطوائف يترافق دوما مع وجود الطائفية , الطائفة طائفية بطبيعتها , يعود توصيف الوضع بشيئ من الايجابية البعيدة عن الواقع الى ممارسة الطائفية المتقاطعة , التي لم يتم ادراكها واعتبارها كطائفية … فمنتهى اللاطائفية تمثل على سبيل المثال بطمأنة المسيحيين لتواجدهم في كنف الاسلام السمح (المفتي حسون ), بينما تمثل هذه المقولة حقيقة أقذر اشكال الطائفية , التي تم تمويهها والتستر عليها بعدم ادراك حقيقتها , وبارجاع مصائب البلاد الى المؤامرة .. لعنها الله ولعن المتآمرات والمتآمرين , لولا المؤامرة لاستمر الرغد والريان والأيام الملاح , لكن هذا قدر مكتوب ولا سبحان الا به !
تمثل الطائفية المتقاطعة الفخ الذي وقع به كثيرون , لا ينحصر من وقع بالفخ على المحافظين والطائفيين من مختلف المذاهب , وانما شمل ايضا بعض اليساريين أواليمينيين أو الأحرار , تتمظهر الطائفية المتقاطعة بالسلمية المفروض من فوق بين الطوائف ,الا أنها عاجزة عن ممارسة الانسجام الحقيقي الشعبي الانساني بين المنتمين الى مختلف المذاهب الدينية , انها قناع ! , فمتى يسقط القناع ؟؟