تعلمنا من التاريخ مصطلح الفتح…فتح مكة…فتح دمشق…فتح بلاد الشام فتح مصر…فتح اسيانيا…فتح القسطنطينية… وسمينا القادة بالفاتحين…خالد بن الوليد… ابوعبيدة بن الجراح …عمرو بن العاص…موسى بن نصير… وطارق بن زياد….محمد الفاتح… برغم مافعلوه من منكرات يندى لها الجبين خجلا …
الفتح مفهوم استعلائي , يظهر بها المنتصرون استعلاءهم على المهزوم ,وغالبا المهزوم هم الشعوب التي ليست متمكنة من الدفاع عن نفسها عسكريا ( قديما ترافق التقدم الحضاري عكسا مع القوة العسكرية ), كما كان حال دمشق عندما دخلها ابو عبيدة من باب الجابية استسلاما , وخالد ابن الوليد من باب شرقي حربا, … ,ففي دمشق مثلا وبقية المدن السورية ثم الاسكندرية والقسطنطينية , وغيرهم شعت مشاعل حضارية , امتدت الى آلاف السنين, وقدمت للبشرية الكثير الكثير من الحضارة , لم تكن هذه المدن وتلك المراكز مضارب بدو , مدن ومراكز قدمت الثقافة والحرف والكتابة والبناء والفلسفة والقانون والقضاء والمسارح والموسيقى وقنوات الري , مثل قناة حوران التي بلغ طولها حوالي ٢٠٠ كم , حملت القسطنطينية , التي ابادها محمد الفاتح , لعشرات القرون لواء الحضارة الرومانية واليونانية ايضا , ماذا فعل بدو الجزيرة في هذه الأثناء ؟؟؟؟
الفتح !!,لماذا بهذا المصطلح نسمي العمليات العسكرية التي قامت في القرن السابع الميلادي علي ايدي العرب بعد وفاة النبي محمد ,والتي ادت الي اتساع رقعة الامبراطورية العربية الاسلامية, لتبلغ جبال البرانس في الغرب وسيانغ في الشرق خلال خمسين عاما…ماهو هذا الفتح ؟!, وما هي أوجه الشبه مع فتح اردوغان لشمال سووريا؟؟؟, الم يكن غزواً اقتصادياً كما صنفه العديد من علماء التاريخ من مسلمين وسواهم…قصد به المسلمون الحصول على المنافع الاقتصادية كالجزية والغنائم من أموال ومتاع وجواري وعبيد ونساء وسبايا , ارادهم الخليفة ان يكونوا بكرا !!؟
هناك من المؤرخين من اعتبر الفتوحات الاسلامية غزواً استعمارياً امبريالياً بمفهوم اليوم ,البعض يدعون بأنهم فتحوا المناطق لدحر الكفار ونشر الاسلام بينهم وتعليمهم الدين…, وحتى ذلك غير مقبول , ولم يكن يوما ما مقبولا من قبل اي شعب تعرض للاحتلال القسري والغزو , هل يرضى بدو الجزيرة طوعا باحتلال صحرائهم واخضاع قبائلهم للغريب ,ولأي سبب كان وبأي تبرير وتعليل كان ؟
يري انصار مفهوم الفتح أن العمليات العسكرية التي تمت ,كانت تحمل رسالة روحية واخلاقية وهي الاسلام ,ولم تكن من اجل الاستعمار البحت, واخلاقية الهدف هذه تنفي عنه صفة الاحتلال وفرض القوة ,لكن اي من اصحاب المشاريع الامبراطورية في التاريخ الانساني لم يدعي على انه صاحب رسالة يراها اخلاقية, فالتتار يرون انفسهم بانهم عقاب الله علي الامم الظالمة , الاسبان والبرتغالين برروا غزواتهم البحرية والامريكتين تحت مسمي حماية المسيحية والتبشير,انجلترا وفرنسا كانتا تبرران استعمارهما للعالم الثالث تحت غاية نقل التمدن والحضارة للامم المختلفة, والولايات المتحدة غزت العراق تحت مسمي نشر الديمقراطية فيها, لاوجود لغاز لم يبرر غزوته تحت هدف وغاية رآها سامية ,بل حتي في النفس البشرية وعند اعتى الناس شراً وعدواناً واجراماً قد يري شره لغاية خيرة هو يراها.
كذلك لم يوجد انسان قال انه افتعل العدوان والاذي من اجل الاذى والشر كغاية, الا اذا كان هذا الانسان سيكوباتياً مريضاً ,لم توجد أمة افتعلت الغزوات لانها تحب الدمار واستعباد الاخرين لو وجد لكانت أُمة من المجانين,كذلك ما تسمى المعاملة الحسنة لاهالي البلدان المغزوة لاتنفي عن الغزاة صفة الغزو المنكرة , حتى وان كانت تلك المعاملة نسبية وتختلف بحسب المغزو والغازي ,فماذا لو قلبنا الوضع وقلنا مثلا أن بلدا مسلماً غزاه غيرُ المسلمين وفرضوا شريعتهم عليهم ومنعوهم من الوظائف العامة, وفرضوا عليهم الجزية وخراج الارض والديانة , ومنعوهم من بناء المساجد واصلاح ماتهدم منها, والزموهم بلبس الازرق والاسود كعلامة تمييز ,وان يضيقوا عليهم في الطرقات والشوارع فيسيرونهم في الطاروق مع الدواب,ويحملونهم تحت الضرب والاهانة الامتعة والأحمال؟؟؟ هل اعتبرت هذه التعاملات في وقتها حسنة وعادلة , نعم حسنة وعادلة بمنظور من ارادها واستفاد منها , ليست حسنة ولا عادلة بالمنظور البشري العام , خاصة بمنظور من اكتوى بنار الفتوحات ? هذه المعاملات كانت السياسة التي اقرها عمر بن الخطاب وطبقها على اهالي البلدان المغزوة ,وهي تدرس في الفقه الاسلامي كفضيلة ومفخرة تحت باب احكام ومعاملات اهل الذمة, يا للعار !
الدلالة الخطيرة للفتح تكمن في أن الفاتحون يرون انفسهم فوق البشرية, اساتذة البشرية المكلفون بهداية بقية شعوب المعمورة , كما عبر عن ذلك وزير اردني سابق ,انهم الأمة القائدة للبشرية, والفتح وماترتب عليه كان غاية نبيلة لذاته لانه من الدين, ولايخضع لاية رؤية انسانية أو تاريخية أو اجتماعية لقراءته ونقده لفهم اسبابه, وبالتالي فإن فعل الغزو هو خارج إطار الزمنية لانه مرتبط بالدين,والدين المنسوب لله الذي يحتكره العرب , لايخضع لا لزمان ولالمكان, ,انما تَصلح للفاتحين في اي زمان ومكان ….اذا ماسنحت لهم القوة فقط…
انصار مفهوم الفتح يرون انفسهم خارج اطار البشرية, بل انهم فوقها لانهم أصحاب رسالة سامية, وهذا الفكرهو مكمن السر وراء التأخر والتخلف الذي اصيب العرب به , من يعتبر نفسه فوق الآخرين يعزل نفسه عنهم أي عن المجتمع الانساني, فالعزلة هي ام وأب التأخر , والانفتاح هو ام وأب التقدم ,
صنع الاستعلاء على المجتمع الانساني بالأوهام بأن المسلمون خير أمة اخرجت للناس, وما بقي من البشرية كفرة يجب هدايتهم , وذلك بالرغم من أن لهم دينهم , والخالق لم يريد دينا واحدا ” ولو شاء ربنا لخلقنا بدين ومذهب وشكل ولون واحد…!!!!!” الاستعلاء وتبرئة الفتح من الخطيئة , كان المعين الفكري لجماعات العنف المسلح والارهاب والجهاد من أجل اعادة الأمجاد , التي لم تكن أمجادا , انما خزي وعار وانحطاط , السيف والقوة التي كانت وسيلة صناعة ما يعتبرونه أمجاد , كانت كان وأحقر من تلك الأمجاد , ربط الأمجاد بنماذج من السلف الصلح ليس اقل من هذيان , ومؤشر على وجود اضطراب عقلي جماعي .
نحمد الله لأن الاصولية لاتملك جيوشا مسلحة تمكنها من غزو بلدان اخرى , لو امتلك الاسلاميون قوة عسكرية مهمة , لأصبح العالم خراب ودمار وحروب وفتوحات , مصر الغت مصطلح الفتح كاول الدول العربية من مناهجها التعليمية, وقبل عدة سنوات اجتمع اتحاد المعلمين العرب ,وأوصوا بإلغاء هذا المصطلح ,ووقته سرب الى العلن عن ان 13 دولة عربية تسعى الى الغاء هذا المصطلح من مناهجها التربوية , وكم نتمنى لو كانت سوريا اول دولة بعد مصر …للتذكير الغت عصبة الأمم هذا المفهوم قبل مئة عام !!
هناك تتمة بخصوص مفهوم الفتح ومناهج التربية والتعليم في المدارس