ممدوح بيطار :
عادة يتم التعرض الى ظاهرة التهميش انطلاقا من الأسرة ومن المجتمع , فالأسرة لاتزال ذكورية وتمارس استبداد المرأة , التي تبدأ مشاكلها بعد ولادتها مباشرة , في الجاهلية كان وأد البنات امرا اعتياديا , وحتى أنه يقال عن الخليفة الملقب بالفاروق بأنه وأد ابنته , أي قبرها وهي حية , المرأة مهمشة في الأسرة , ومهمة معظم النساء في الحياة المسمات زوجية القيام بالخدمات نهارا وممارسة مهنة الجارية ليلا , لايزال معظم رجال الدين مصرون على الدفاع عن منهجية تعدد الزوجات , ولأسباب عديدة منها بدون شك التيمن بمحمد بن عبد الله , الذي اقتنى قطيعا من النسوان , وحدد عدد الزوجات بأربعة , واشترط على الرجل ان يعدل ماديا ومعنويا وعاطفيا , الا أنه شخصيا سمح لنفسه أضعاف العدد , الذي سمح به لغيره , لم يعدل على الأقل عاطفيا !!! فعائشة كانت أحب نسائه على قلبه .
لاعلاقة مباشرة لموضوع اليوم بالأسرة , الا من ناحية كونها كانت ولا تزال مسرحا للتهميش , والآن دحرها مسرح آخر , هو مسرح الفاقة الاقتصادية , اي الفقر , وبالتالي العنف وغيره من مفرزات الفقر والفاقة , الفقر وتوابعه يشمل الجميع .. أطفالا وبالغين وكهلة , والذي بلغ قمة , لايمكن للخيال تصور قمة اعلى منها ,
تتمظهر الكارثة بعدد هائل من العاطلين عن العمل , وبعدد هائل من الداخلين الجدد الى سوق العمل , والذي يتجاوز عددهم ربع الى نصف مليون سنويا , والذين لاعمل لهم , انتقلوا من الرحم الى العطالة , وبالتالي الى الفقر وتوابعه ونتائجه , لم تعد هناك خطوط تفصل بين الفقر وما تحت الفقر , فكل السوريات والسوريين يتواجدون تحت خط الفقر, كل ذلك كان متوقعا في اطار آليات اقتصادية لايمكنها أفراز سوى مانراه اليوم من كوارث ,
لاحاجة للادراك وللعين المجردة بالارقام والاحصائيات , الانسان يرى كل ذلك بالعين المجردة , وبالادراك البسيط,ويلمس كل ذلك باليد , وبالتالي يعرف بأن ١٠٠٪ من الشعب السوري تقريبا تحول الى جياع , وتحت تأثير الفقر المدقع المسبب من قبل ادارة البلاد بنسبة عالية , كانت هناك عدة تمظهرات منها على سبيل المثال ولادة قطاعات اقتصادية رثة وبدائية كنشاطات ومحاولات سد الرمق من خلال اليانصيب والتخديم والاستزلام وتجارة الألبسة المستعملة (البالة ) , واقامة البسطات على الأرصفة والساحات , في محاولة يائسة للكسب وسد الرمق , وبدون جدوى كما هو متوقع.
من جراء انتشار الفقر المدقع ولدت ثقافات وقيما جديدة أهم بدرجات من البسطات , ولدت الجريمة وولد التنازع الضاري بين أفراد المجتمع على لقمة العيش , ولد الكره وقضي على الألفة وبرزت الأنانية بابشع صورها على مسرح الحياة , تفشت الأمراض الاجتماعية مثل انتشار الجريمة كالقتل والاختطاف والابتزاز , وكل تمظهرات وصور الفساد الأخرى , بحيث يمكن القول بأن الحياة لم تعد حياة , انما موتا بطيئا وذلا مستمرا ومستديما
لقد كان للعوامل الاقتصادية الدور الأول في ولادة التهميش الأفقي اي العلاقات بين الناس , الذي ترافق مع تهميش عمودي , تجلى في تحول مؤسسات الدولة الى مراكز سلبطة ونهب وابتزاز غير مشروع قانونيا وغير مشروع أخلاقيا , ابتزاز عن طريق تعطيل انجاز معاملات الناس , لذلك ولد مفهوم “المفتاح” فكل انجاز لمعاملة يحتاج الى “مفتاح” , وبدون المفتاح تبقى الأبواب موصودة في وجه كل سوري , وحتى حركة وسرعة المفتاح تخضع لكمية الدفع …ادفع مايرضي المفتاح , تنفتح أمامك الأبواب وتحصل على مايرضيك , والتسعيرة معروفة , حتى أن الموظف الحريص على سعادة المواطن يستخدم أحيانا بخصوص الدفع آلية التقسيط المريح , راحة المواطن هي الأساس الذي يوجه نشاط هذا الموظف الأمين الخلوق .
لم يقتصر الأمر على الافقار المادي وتلاشي أو حتى انعدام فرص العمل والكسب المشروع , حتى المدرسة تحولت الى بسطة لبيع الرديئ والمغشوش , على بسطة المدرسة تباعا العلامات وتزور الامتحانات بطرق غير مسبوقة , لم أكن أتصور منطق ايقاف الانترنت اثناء الامتحانات , ايقاف بقصد منع أو الحد من التزوير , وكأن كل التزوير يتسلل الى قاعة الامتحانات عن طريق الشبكة , هل من الصعب ادراك حاجة المدرس لبيع ضميره بسبب جوعه ؟
نحتاج الى مجلدات لتوصيف كل أو معظم نتائج الافقار , فكيف على الأرملة على سبيل المثال تدبير أمور حياتها الاقتصادية , وحياة أولادها بعد مقتل زوجها أو المعيل الرئيسي لأسرتها في الحروب , أرامل بمئات الألوف وبالتالي مراكز لبيع وتأجير مئات الألوف الألوف من الأجساد , أحترم من تبيع جسدها من أجل اطعام أولادها عندما لاتملك شيئا آخر لتبيعه , انها أشرف بدرجات من أولئك اللصوص من تجار الفساد الذين أكلوا الأخضر واليابس .
لاحاجة للاسهاب في التوصيف , وما ذكر كاف للتدليل على حجم الكارثة , هنا سينبري البعض مطالبين بتقديم الحلول وعدم الاكتفاء بالنقد , لاحق لهؤلاء بذلك , الشكوى والتنبيه هي مهمة المواطن , وعلى الدولة تقديم الحلول , ليس بامكان المواطن تقديم الخطط الاقتصادية الكفيلة بمكافحة الفقر المعمم , ذلك يتطلب معارف غير متوفرة لديه , يتطلب مقدرة تنفيذية لايملكها , وكفاءة بمجالات معقدة غير متوفرة لديه , لذلك لاتظلموا الجائع , الذي لايملك خبرة في علم الاقتصاد , وليس خبيرا في علوم الاقتصاد ..