الغاء تدريس   الفلسفة والمنطق….. طريق التقدم ..

نبيهة  حنا   :
  قبل  سنوات  تم  حذف مادة  الفلسفة  والمنطق  وعلم النفس من منهاج التوجيهي في    فلسطين  , حسب ما توفر لدي من معلومات أن غالبية المنهاج   أخذت من منهاج   المملكة الأردنية الهاشمية  ومن  منهاج  المملكة  العربية  السعودية , لا  اعرف  بالضبط  لماذا,  الا  أن  الأسباب  بدون  شك  ليست علمية  ؟,  وهل  تدريس   الفلسفة  والمنطق   في   كل  مدارس  العالم ,  خاصة  المتقدم  ,   كان    خاطئ   ؟

  ان  حذف   الفلسفة  والمنطق   هو  اشارة  الى   أن الاخونجية  لاتعتمد    الفلسفة  والمنطق  في   كياناتها  الفكرية ,  اليس  ذلك   مؤشرا   الى  وجود   العته  في  عقول    هؤلاء الاخوان  ؟,  الذين   ألغوا   أم   العلوم ؟ كيف لنا أن نلغي المنطق وحياتنا كلها مبنية على المنطق الذي ينظم    عقول  البشر ؟ كيف لنا أن نلغي  الشك عند الإنسان الذي منه  يبدأ الاستنتاج الصحيح ..؟ هل خطرعلى  ذهن هؤلاء ,كيف  يمكن  بناء  عقول   التلاميذ بدون تفكير ؟؟ هل نريدهم أجساما متكلسة   متحجرة   بدون  عقل ؟؟ يؤدون الطاعة والولاء للملك أو الأمير أو السلطان ..؟؟

من   الواضح بأن مشاكلنا  تكمن في النظام , والمقصود بالنظام ليس عكس الفوضى فقط , بل هو مفهوم مركب يعني باختصار المنطق , أي كيف نستخدم النظام في حياتنا , وأولها كيف ندرب عقولنا على التنظيم والنظام وهنا يجب علينا منذ البداية أن نكسب أطفالنا مهارات تنظيم العقل كي يستطيع أن يكتسب المعرفة بشكل منظم,فالتعلم بمجمله هو عملية تنظيم وتخزين للخبرات والمعرفة المكتسبة  ! وأن الطلبة الذين يفشلون في تعلمهم , فشلوا بسبب عدم قدرتهم على تنظيم    أخذهم   للمعرفة  والخبرة ,  فكيف إذن  يتم  حذف  مادة  الفلسفة  والمنطق  من    التدريس ؟ ,  طبعا    بالحفاظ    على  مادة   التربية  الدينية  وتشجيعها.

إذا كانت السياسة هي فن الممكن , فالممكن الذي لا يعتمد على المنطق لا يمكنه أن يكون ممكنا , ولو عدنا إلى مادة أساسية من المنهاج   التدريسي  ,هي مادة الرياضيات التي تعلم   للتلاميذ   في  سن  مبكرة  جدا ,إذا خلت هذه المادة من المنطق والفلسفة فستصبح مادة مجردة لا معني   لها, هكذا  ستتقدم    الشعوب   بدون  فلسفة  وبدون  منطق  , ولكن بالتحفيظ   ومادة    التربية  الدينية!

محنة الفلسفة في دار الإسلام .. الاستبداد وصناعة القطيع

محنة الفلسفة في دار الإسلام .. الاستبداد وصناعة القطيع

الأربعاء 9 غشت 2017 – 04:16

محنة الفلسفة هي محنة الإنسان الذي يُناضِلُ من أجل حقِّه في إعمال عقله، وتشجيع الناس على استخدام عقولهم، وتطويرها، لحُسْن الحظ هناك مرْهم واحِدٌ فعّال لزيادة حجم العقل الإنساني ونجاعته وفعاليته وإمكاناته، هذا المرهم هو ممارسة التفكير، ومُساءلة الأفكار الجاهزة والقناعات والمعتقدات، بواسطة الحوار المتمدّن الهادئ، الذي يروم بلوغ الحقيقة دون تحامل أو تساهل، بالنقد البناء ورفض الوصاية بكل أشكالها، الوصاية السياسية والوصاية الدينية والوصاية الاقتصادية… هكذا فالفلسفة ليست هي سقراط وأرسطو وليست هي ديكارت وكانط ولا هي هايدغر وأرندت وسارتر وهابرماس..

الفلسفة هي تجسيد للماهية الأصلية للإنسان، هي الخاصية الأكثر التصاقا بالإنسان: القدرة على التفكير والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، الصدق والكذب، الكرامة والمهانة، العبودية والحرية، الحقيقة والوهم، الخير والشر، والسعادة والشقاء.

الفلسفة هي إدراك لمُمْكنات الإنسان، ووعيه بحريته وكرامته.. ومن هنا تحديدا بدأت حكاية تراجيديا الإنسان تجاه القوى التي تريد استعباده، بالأساطير التي تطورت إلى أساطير معاصرة، تغيرت ملابسُ كَهنتها ولم تتغير إرادتهم في استعباد البشر، وعلاقة الأديان وسدنة المُقدّس الديني بمأساة الإنسان وآلامه رهيبة جدا، تطورت معها طيلة قرون سحيقة طرق وتقنيات التعذيب، أما توظيف القانون في الممارسة السياسية لتصفية الخصوم ليست بالجديدة، فأتينا اليوناينة الدولة الأقدم تجسيدا للديمقراطية الشكلية، أعدمت الفيلسوف سقراط بآليات ديمقراطية شكلية.

التاريخ البشري مُشبع بالكذب، غارق في الكذب.. الكذب الاجتماعي، الكذب الوجداني، الكذب العِرْقي، الكذب الهوياتي، الكذب الثقافي.. الكذب الفني (لهذا أبعد أفلاطون الشعراء من مدينته) الكذب الاقتصادي، الكذب السياسي.. هذا التاريخ المهول من الكذب هو الذي جعل الفيلسوف جاك دريدا يكتب مؤلفه “تاريخ الكذب”.. الكذب حسب دريدا “يختلف تماما عن الخطأ، فبوسعنا أن نخطئ، بل أن ننطق بكلام خاطئ دون أن يكون الهدف من ذلك خداع الآخرين، أي الكذب عليه، التجارب المتعلقة بالكذب والخداع والخطأ se tromper تدخل كلها في إطار مقولة البسودولوجيا، مفردة Pseudos في اللغة اليونانية قد تصدق بالإضافة إلى الكذب، على الزور والحيلة والخطأ والتدليس..”1.

محنة الفلسفة هي محنة ضد الكذب والزور والخداع والتدليس وكل أضداد الحقيقة، ورغبة قوى الشر في استبلاد الإنسان، وتركه مُحطما في ظلام كهف الشقاء.. وتثبيت الإنسان في القصور الدائم، والحيلولة بينه وبين عقله لمنعه من بلوغ الرشد الفكري والنضج الوجداني، وعبر هذا المقال سنتطرق إلى محنة الفلسفة في دار الإسلام، وشراسة الماسكين بالسلطة في تخريب عقول الجماهير وتجميدها، والاستعانة برجال الدين، للانقضاض على العقل وعلى كل من يطالبون بالحق في ممارسة التفكير، لتمكين الحكام ومن يسبح في فلكهم باحتكار السلطة والثروة والنفوذ.. وتخدير الجماهير لإحكام السيطرة عليها عبر اختطاف جوهر وجودها: العقل، وأستعير مقولة جاك دريدا “الديمقراطية التي تخسر الفلسفة هي ديمقراطية في خطر” لأقول “الشعوب التي تخسر عقولها هي شعوب في خطر”، وغير خفي أن الحرب على الفلسفة اليوم في العالم الإسلامي بتهميشها وملاحقتها بالوصم الاجتماعي، يهدف إلى احتكار السلطة باسم الدين ورفض الديمقراطية.

سبق للمفكر عبد الرحمن الكواكبي أن فضح في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” دهاء سلطة الاستبداد ومآلاتها، وتوظيفها للمقدس الديني بغية نشر المزيد من الجهل والظلام لحرمان الجماهير من ممارسة التفكير والأنوار.. لإغراق الشعوب في البؤس.

بقول الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان الشهروزي: “الفلسفة رأس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومن تلبَّـسَ بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان، وأي فن أخزى من فن يعمي صاحبه عن نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كلما ذكره ذاكر وغفل عن ذكره غافل مع انتشار آياته المستبينة ومعجزاته المستنيرة حتى لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها فجمع منها ألف معجزة وعددناه مقصرا..

وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة والرقاعات المستحدثة وليس بالأحكام الشرعية، والحمد لله، فالافتقار إلى المنطق أصلا وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقُعاقع قد أغنى الله عنها بالطريق الأقوم والسبيل الأسلم الأطهر كل صحيح الذهن لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها وخاض في بحار الحقائق والدقائق علماؤها حيث لا منطق ولا فلسفة ولا فلاسفة، ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به، فالواجب على السلطان أعزه الله وأعز به الإسلام وأهله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم من المدارس ويبعدهم ويعاقب على الاشتغال بفنهم ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو لإسلام لتخمد نارهم وتنمحي آثارها”1

النص مقتطع من كتاب “الفتاوي” للفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان الشهروزي الملقب بابن الصلاح، المزداد سنة 577هـ بشهروز شمال العراق، درس في الموصل واشتغل بتدريس العلوم الشرعية في دمشق التي توفي بها سنة 643هـ، من أشهر مؤلفاته “أدب المفتي والمستفتي”، وعنف اللغة الفقهية المستخدمة يدل على مدى التشبع بقيم اللااحترام، المتنافية مع القيم الدينية السمحة التي تدعو إلى احترام قواعد التخاطب “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”2، ويُصادر على احترام الحق في التفكير، والحق في الاختلاف، النص عبارة عن رشاش من العنف الرمزي، وخطاب الكراهية لا يليق برجل دين، ينتشي بالدرجة القصوى لشيطنة الفلسفة والفلاسفة، مع التظاهر بالاحترام للحاكم ودعوته لملاحقة كل من يُعمِل العقل أو يُساهم في تعليم ممارسة التفكير، وخطاب تكفير المشتغلين بالفلسفة والتفلسف ممزوج بالحقد والكراهية، وتحريض السلطات على إعمال السيف، وإعدام كل من يُفكر، وعدم احترام أهم حق تصونه الشريعة التي يفتي ابن الصلاح باسمها، وهو الحق في الحياة.

تشترك لغة الفتاوي المحرمة للفلسفة والمكفرة للفلاسفة، بعدم احترام المبادئ العقلية البسيطة، ورفض إعمال العقل، واحتقار التفكير/التفلسف، والافتخار بالفقر المنطقي، والأمية الفلسفية أي أمية ممارسة التفكير، والتأصيل للعنف بكل تلويناته والمطالبة برأس الفلسفة، وممارسة الوصاية على الإنسان الديني، دون كبير عناء الإقناع الحجاجي والبرهاني، كما هو مُبين في النص الديني “قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”3، وهذه حجة على عدم احترام الحِجاج الشرعي، مادام يقوم بدوره على المنطق الذي يُعتبر من وجهة فقهية زندقة وخروجا عن الملة، إنه عنف يتكلم وهو لا يبحث عن المعقولية، لأنه عنف خارج مدار العقل ويُقدم نفسه كعنف، بخلاف “العنف” الذي يتحدث عنه بول ريكور “العنف الذي يتكلم هو عنف يبحث عن المعقولية، إنه عنف دخل مدار العقل وبدأ ينكر نفسه كعنف”5، إن عنف الخطاب الفقهي هنا، يقدم نفسه كعنف دون مواربة، ويدعو السلطات والمواطنين إلى إلغاء تدريس الفلسفة باعتبارها الشيطان الأكبر، وملاحقة الفلاسفة والمتعلمين، معلمين ومتعلمين، وإعمال السيف في رقابهم، لأنهم مُضِّلُّون وضَالُّون، “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”4، إنه باختصار خطاب الإرهاب والتخويف والتحذير ، يقوم فيه بعض أشباه الفقهاء (رجال الدين) بأدوار مركبة: الوشاية والجاسوسية والتآمر على الفكر الحر، تثبيث المواطن في القصور، التحريض على قتل المفكر الحر، وترويض المواطنين على قيم الامتثال والخضوع والخنوع وطاعة واحترام السلطات، وتقديمها كقيم مرغوب فيها أخلاقيا واجتماعيا، في المقابل التشجيع على احتقار مدرسي ومتعلمي الفلسفة والتنكيل بهم، ومن تم فاحتقار وإهانة الفكر والمفكرين والإعجاب بالسلطة وتملقها و”احترامها”، ظاهرة اجتماعية متجذرة في تاريخنا الثقافي.

يتَّضِحُ أن الخطاب الفقهي يعمل وفق ثنائية الترغيب والترهيب، الترغيب في “النقل المقدس” بتمظهراته المتنوعة: تكرار التكرار ، واستساخ الاستنساخ واجترار الاجترار.. (التابعينالتبعية) والدعاية لهذه التصورات كقيم يجب أن تكون موضوعا للرغبة الاجتماعية، والترهيب من “العقل المدنس” بمزالقه الخطيرة كتجديد الأفكار والإبداع والابتكار، يحاول الخطاب الفقهي عبر استهدافه للفلسفة أن يستهدف تعطيل العقل المُفكر، والانقضاض على قيم الاحترام، انطلاقا من احتقار العقل وإلغاء وظائفه المركزية، عدم احترام حرية التفكير، عدم احترام حرية التعبير، تجريم المساءلة النقدية باعتماد قفاز الشريعة، لا احترام قيم الشريعة السمحة، وذلك بِلَــــيِّ عُـــنُــقِ النص الديني “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ”6 والمُـــــبتَــــغى هو “تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات أو آلات صماء”7، وصناعة نسخ بشرية متشابهة، وصناعة قطيع من الكائنات المُروَّضة، الهشَّة والمِطواعة، ينبني نمط وجودها على احترام قيم السمع والطاعة، لا احترام قيم العقل وممارسة التفكير.

تنطوي مفارقة الخطاب الفقهي على تصور عمودي لقيم الاحترام تشي به التقابلات والثنائيات:

المقدس/المدنس، اللاهوت/ الناسوت، النقل/العقل، الدين/ الدنيا، الراعي/الرعية، الحاكم/المحكوم، الشيخ/المريد، المُطاع/المطيع، العارف/الجاهل، المحترَم/المحترِم..، ويوظف الفقيه، المقدس الديني بالدعوة إلى احترام العارفين باللاهوت الديني، التابعين ومن تبعهم بإحسان، صناعة قيم التبعية والتكرارية، والإعلان عن موت الزمن، إن الزمن الفقهي زمن ارتدادي، يحيا فيه الإنسان الديني بأفكار جاهزة وطقوس مبرمجة وأدوار محددة سلفا، تنتصِب فيها علاقة الدين بالمجتمع، من خلال الزج بالإسلام في الصراع السوسيوسياسي، بين طبقة المحافظين التي تريد المحافظة على الوضع القائم وإعادة إنتاجه، باحترام قيم الجماعة وعدم مخالفتها أو مراجعتها وانتقادها، هكذا يستوجب مفهوم قيم الاحترام وفق هذا التصور، العمل بقواعد النقل لا العقل، الطاعة قيمة أخلاقية مثمنة اجتماعيا، طاعة أولي الأمر، طاعة العارفين بالدين، طاعة الزوج..، والقبول بالتفاوتات الاجتماعية واحترام التراتبية لأنها قضاء وقدر يجب الإيمان والتسليم به، لا ممارسة التفكير لمعرفة أسبابها وخلفياتها والقوانين الثاوية وراء ظهورها.

المطلوب إذن هو الذوبان والانصهار في الأمة الممتدة، الجماعة الممتدة، الأسرة الممتدة، وقيمة الفرد التابع تكمن في مدى إتقانه لدور التبعية، والسمع والطاعة، دون إعمال للعقل أو مساءلة نقدية، وهذا ما ترفضه الفلسفة، كممارسة فكرية تُناهِض السذاجة والبلادة والغباء، وتُطالب بالنقد البناء للأفكار الجاهزة وعدم تبني الأحكام المسبقة ومراجعة القناعات الدوغمائية Dogmatisme كقناعات تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة التي لا تقبل المراجعة والمناقشة، حتى وإن أثبتتِ الحُـــجَـــج والأدلَّــــــــــــة والبراهــيــــن والاستـــدلالات خطـــــأها وتهافتــــها، في مُختـــلف المجالات المعرفـــيــة، المعرفة الدينية، الفلسفية، العلمية، السياسية، الفنية..، ومهما تغيرت الظُّـــــروف التاريخية فالأفكار الدوغمائية تَدَّعي القدسية والتنزيه عن أي نقد، والنتيجة الحتمية للتَّصلُّب الدُّوغمائي هي تجريم الاختلاف الفكري، والسُّقوط في العنف، وهنا مَكمن مِـــحـــنة الفلسفة والإنسان الفلسفي، وهي مِـــحـــنة انطلقت بِناء على قناعات مُتصلِّبة، أصدرت أحكاما مُسبقة، تُوِّجت بمحاكمات مُسبقة، وسنضرب مثالين من تاريخ الفلسفة.

محنة الفيلسوف ابن رشد: “تهافت التهافت”.

تتعدد القراءات والتأويلات الساعية إلى تبيان الأسباب الثاوية خلف مأساة الفقيه والفيلسوف ابن رشد القرطبي، والتي تنطلق من هجمة الفقهاء الشرسة على الفلسفة، وتستحضر الإمام أبو حامد الغزالي زعيم المتكلمين، الذي كفر فلاسفة الإسلام في كتابه “تهافت الفلاسفة”، فيردّ عليه ابن رشد بكتابه “تهافت التهافت”، وهذه القراءات بدورها أصبحت جزءا من القناعات الدوغمائية التي تحتاج إلى مراجعة نقدية.

محاكمة ابن رشد مدارها قناعة دوغمائية، لفهمين متعارضين لقيم “الاحترام”:

فهم ينطلق من قناعة فقهية وثوقية متصلبة للفلسفة المتهافتة “تهافت الفلاسفة”، التي لا تستحق الاحترام لأنها تفكير تضليلي، يروم شق عصا الطاعة وبث الفُرقة في الأمة المنسجمة، وظيفتها شيطانية بامتياز، حدَّدت مصير الفيلسوف ابن رشد.

عندما نتحدث عن الفيلسوف ابن رشد أو الإمام الغزالي فنحن إزاء قامتين فكريتين كبيرتين، ومساءلة وتفكيك موقفيهما هو التجسيد الفعلي لاحترامهما، نظرا للمآلات والنتائج الاجتماعية التي فجرتها أفكارهما، والتي أثرت في تغيير وتشكيل مسارات القيم المرتبطة بــــ: الطاعة، الاحترام، التكفير، التفكير، الانغلاق، الانفتاح..، وتبعاتها المتمثلة في خطورة الموقف الدوغمائي الذي قد يقع ضحيته المفكر.

تصنيف الفيلسوف ابن رشد للناس إلى: جمهور (الحس المشترك)، وجدليون (فقهاء الجدل)، وعلماء (الفلاسفة)، ودعوته إلى عدم التصريح بتأويلات النص الديني للفقهاء (أهل الجدل) فكيف بالعامة، “وهذا التأويل ليس ينبغي أن يصرح به لأهل الجدل، فضلا عن الجمهور، ومتى صرح بشئ من هذه التأويلات إلى من هو من غير أهلها، وبخاصة التأويلات البرهانية لبُعدِها عن المعارف المشتركة، أفضى ذلك بالمصرِّح به والمصرَّح له إلى الكفر”8، إن التصور الرشدي يؤسس لمصادرة الحق في حرية التعبير، ويقيم تراتبية هرمية لمراتب الناس: أدناها العامة، وأشرفها الفلاسفة، وهو موقف أفضى إلى إقصاء الجماهير الممكنة للفلسفة، نظرا لاستشكال وصعوبة المعرفة البرهانية على العامة من وجهة نظر فيلسوف قرطلة، ويكشف عن عدم تقديره لممكناتها العقلية، بدعوى أن البوح لها بالتأويلات هو الذي أسس لظهور الفِرق والطوائف، وأدى إلى” شنآن وتباغض وحروب، فمزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق”9، إن الفيلسوف ابن رشد يدعو إلى حجب الحقيقة عن الرأي العام، احتراما للتماسك الاجتماعي.

ازدراء ابن رشد للفقهاء الذين نجحوا في استفزازه:

إن مرتبة الفقهاء مرتبة العوام “حضيض المقلدين”10، وابن رشد يُدرك أن الفقهاء خطباء الآلة الإعلامية الأكثر قُربا من وجدان الجماهير، ورغم ذلك لم يحترم أهداف الإقناع الحجاجي الذي كلما تفوق فيه فكريا، إلا وحصد المزيد من الخصوم واقعيا، وهذا ما جعل الفلسفة معزولة، مادامت الدعوة إلى عزلتها كانت من فلاسفتها، الذين اعتبروا أنفسهم خاصة الخاصة، بيد أن الحجاج الفلسفي يروم كسب مؤيدين ودحض أطروحة الخصم، وربح المزيد من المناصرين لا مضاعفة الخصوم والأعداء، وخصوصا الفشل في ضم الفقهاء إلى معسكر الفلسفة أو على الأقل تخفيض معدل عدائهم لأم العلوم، التي أصبحت في دار الإسلام أمًّا أحزانها كثيرة.

محنة الفلسفة في دار الإسلام كانت لها أسباب متشعّبة، فإلى جانب تآمر طبقة رجال الدين المُنتفعين من السلطة، على الفلاسفة والفلسفة كمُنافِس خطير يستتطيع انتزاع الأضواء منهم من طرف الجماهير والسلطة، وتعويض سلطة الدين (النقل) بسلطة الفلسفة (العقل) وميلاد عصر تنوير في دار الإسلام، بانبثاق مجتمع يُمارس التفكير لا التكفير، والابتكار لا الاجترار.

الفلسفة بكل تلاوينها هي أطروحة تستمد حياتها من مناصريها ومؤيديها، وأطروحة الفلسفة في العالم الإسلامي خسرت أطروحتها باحتقارها لجماهيرها لكونهم من منظورها عامة ودهماء وغوغاء، متناسية أن وظيفتها المركزية هي مساعدة الجماهير على استخدام عقولهم، وإخراجهم من مرحلة القُصور والظلام إلى لحظة الرشد والتنوير، والأنوار.

وسقوط ابن رشد في مصيدة الرد عن الفقهاء (تهافت التهافت) بصفته كفيلسوف، أو بصفه كفقيه (فصل المقال) سيعمِّق الهوة بينه وبين العامة مادام الفقهاء هم الأقرب وجدانيا إلى الجماهير، فكانت الخسائر ضخمة، محنته الشخصية من خلال “محاكمته حيث لعنه الحاضرون من كبار القوم، وتمَّ إخراجه من المحكمة على حال سيئة، ونفي إلى قرية لا يسكنها إلا اليهود، ليس هذا فحسب، بل أمر الخليفة المنصور بحرق جميع مؤلفاته الفلسفية وبمنعه من الاشتغال بالفلسفة والعلوم ماعدا الطب”11.

إن ابن رشد قامة فلسفية كبيرة تذكرنا بالكثير من الفلاسفة العمالقة بدءا من سقراط، فلاسفة كبار في الجرأة والشجاعة، لكنهم تواجدوا في دول فاسدة وواجهوا مُرتزقة عمالقة في المكر والدهاء، وهي نتيجة خَلُص إليها ألكسندر كويري، وما ينبغي استخلاصه من هذه النتيجة أن التعايش بين الفلسفة والجماهير هو تعايش هش، أخطر ما يُقوِّضه هو سقوط الفلاسفة في فخ كهنة السلطة.

نحن أمام اختلاف بين هويتين، هوية يُحرّكُها العقل والبحث عن الحقيقة، وهوية مدفوعة بالأهواء والمصالح، وأخطر ما في المسألة هو تغليف المصالح بالمقدس الديني، إنه اختلاف الانتماء، بتعبير الفيلسوف طوسكانو، وجود أشخاص يفكرون في مجتمع يرفض التفكير، مجتمع حريص على صناعة القطيع.

لماذا القطيع؟

القطيع سهل الترويض، ينقاد بلا مساءلة ولا انتقاد، القطيع لا يفكر، لا يستشرف المستقبل، القطيع يعيش على التقليد والاجترار، القطيع يحمد الله على الكلأ والأعلاف، القطيع جاهز للتناطح لا التطارح، القطيع ممنوع من ممارسة التفكير وامتلاك أفكار يتطارحها، لنجد أنفسنا أمام التصور السبينوزي حين تُحوِّل السلطة الفاسدة الأفراد إلى حيوانات وآلات صماء، آلات تتحكّم فيها آليات السلطة التي أنتجتها، وتُحركها هائجة ضد المخالفين، مادامت السلطة هي التي تشرف على برمجتها، والبرمجة هنا هي المقدس الديني، وردة الفعل تجاه من يخدشه قد تكون قاتلة.

محنة الفلسفة في دار الإسلام تنبع من أرادتين متعارضتين، إرادة الفلسفة في تحرير وتنوير الإنسان واحترام كرامته وتشجيعه على استخدام عقله ونضاله من أجل العيش الكريم، واختيار نمط حياته وفق اختياره وتحمل مسؤوليته الفردية والإنسانية، وبين إرادة السلطة المناهضة للعقل والمتخوفة من سحب البساط من تحت أرجلها الغاطسة في الوحل، والغاصبة للحقوق والساحقة لكرامة الأفراد باسم المقدس الديني، لذلك تنادي على نحو مستمر بكل أبواقها بقدسية الطاعة، مُشْهِرة سيف النص الديني بطريقة يتفنن فقهاء السلطة في تأويلها بما يخدم تعطيل عقل الجماهير، وتهديد من يتجرأ على مناقشة المقدس بعقاب الدارين وسوء المآل والخزي واللعنة.

المسكوت عنه في تاريخ الإسلام هو الحقيقة، لقرون طويلة والحقيقة تُدْفَنُ وصُراخها يئنُّ كطفلة بريئة تُقاوم الوأد، والحقيقة هي صراع طويل من أجل السلطة غداة وفاة الرسول عليه السلام، دماء كثيرة جرت ومازالت تجري تحت جسر المقدس الديني، وأخشى ما تخشاه هذه السلطة المدنسة بحمامات الدماء المهولة، هو أن تستخدم الجماهير عقولها وأن تفكِّر وتسائل، أن تشرع الجماهير في الخطوة الأولى نحو الحقيقة، وكشف تاريخ طويل من توظيف قفاز الدين لاختطاف السلطة.

إن أكبر قيم الفلسفة هي احترام الحقيقة ونشرها، مهما كان الثمن، وهذا مغزى محنة الفلسفة، منذ إعدام سقراط، الذي أخرج الحقيقة من كهف أوهام الأفكار الجاهزة، والآراء الفاسدة، والقناعات الانتهازية الدوغمائية، إن واجب قول الحقيقة واجب مطلق، غير مشروط، ولا يعرف الاستثناءات بغضِّ النظر عن الظروف والملابسات، وهذا الفِعل يستلزم الشجاعة، والجرأة والنزاهة، لأن احترام الصدق واجب أخلاقي في ذاته، بل هو أوجب الواجبات الإنسانية وفق التعبير الكانطي، حتى وإن أضَرَّت الحقيقة بالذات أو بالغير، لذلك يرْفُضُ كانط حُجـَج بنيامين كونسطان القائلة بأن قول الحقيقة ليس واجبا إلا نحو من لهم الحق أو يستحقون معرفة الحقيقة، لأنَّ هذا سيُفضي إلى شَرعنة الكذب، وتحوُّلِــه إلى قانون كوني للحياة، وتـــَهاوِي المصداقية، وانـــهيار أُسُس التفاهم بين الناس، وسيادة الظُّلم والظَّـلام، ومن تمَّ فقيمة الحقيقة تكمن في كونها فضيلة بالمعنى السُّقـراطي للكلمة، واحترام الحقيقة يتجلّى في التَّضحية من أجلها، وليس فقط مدحها وتقريظها، ومن هنا نفهم تضحية الفلاسفة بحياتهم من أجل إشاعة الحقيقة ومناهضة الوهم.

إن مــحــنة الفلسفة انتصار لاحترام الحقيقة التي يصفها اسبينوزا بالنور الذي يطرد الظلام، وهذه أعظم مِــنـــحـــة تُقدمها الفلسفة للإنسانية جمعاء، هي ولوج الأنوار.

جواب كانط عن السؤال: ما هي الأنــــــــوار؟

“ما هي الأنـــــــــوار؟ إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو نفسه مسؤول عنه. قصور يعني عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير، تجرأ على استعمال عقلك أنت، ذلك هو شعار الأنوار.

إن الكسل والجبن هما السببان اللذان يفسران بقاء مثل هذا العدد الكبير من الناس مرتاحين إلى قصورهم مدى الحياة بعد الحياة، بعد أن حررتهم الطبيعة منذ زمن بعيد من التوجيه الخارجي، كما يفسران كم من السهل على البعض أن يُـنصِّبوا أنفسهم أوصياء على هؤلاء. إنه من السهل جدا أن يكون المرء قاصرا !

…. إلى أن يتساءل كانط:

فإذا سُئلنا الآن إذن: “هل نعيش حاليا في عصر مستنيــــــــر؟

فإليكم الجواب: “كلا بل في عصر يسير نحو الأنــــــــــــوار”12

إن هذا النص الكانطي مرافعة قوية حول: ماذا تمنح الفلسفة للإنسان؟ ويجيب كانط، أن الفلسفة تمنح الإنسان الجرأة على استعمال عقله، وولوج عالم الأنوار، ومغادرة القصور بما فيه من أوهام وظلام، والخاصية الملازمة للأنوار هي حرية استخدام العقل علانية، وهي الحرية الأكثر سلمية.

يعترف كانط أنه ” من السهل جدا أن يكون المرء قاصرا!” وهو قصور له عدة تمظهرات: قصور في احترام الإنسان لنفسه، قصور في احترام الإنسان لإعمال عقله، قصور في احترام الإنسان لرأيه، قصور في احترام الإنسان لكرامته، قصور في احترام الإنسان للآخر..، وقبول بالوصاية وسلطة العادة.

يميز كانط بين نوعين من القصور، القصور الفردي والقصور الجمعي، وإذا كان القصور الفردي، يرتبط بالفرد بسبب كسله أوخوفه من الخسارة أو طمعه في الربح، وهو قصور قصدي، ينطوي على حرية اختيار فعل ضار، مثلا غش المتعلم “القاصر” في الامتحان بغية النجاح، ودفاعه عن فعله بتحميل المسؤولية للغير، فيُعمِّقُ قصوره الذاتي، ويُشرِّع الغِشَّ لنفسه ولغيره، ليُصبح الغِشُّ أسلوب عيشه مستقبلا في كل أعماله وسلوكاته، ويتحوَّلُ إلى نمط حياة مجتمعه، وكانط يُجيزُ لهذا القاصر أن يؤجل تحصيل معرفة عليه أن يمتلكها، أما أن يمتنع عن تحصيلها، فإن ذلك يسمى خرقا لحقوق الإنسانية المقدسة ودوسا لها، سواء بالنسبة إلى شخصه، أو بالنسبة إلى الخَلَف أيضا، لكن لا يُجيز له الغِش، الذي يُنتِج القصور الجمعي، وتحويل المجتمع إلى قطيع سجين في حظيرة أشكال متنوعة من الوصايات، وصاية الحاكم، وصاية الكاهن، وصاية المربي، وصاية الأسرة..، وكل زعم أحمق لهذه الوصايات “يؤدي إلى الاستمرار الأبدي في الحماقات”.

إن كانط بعدما وضَّح خطورة القصور الفردي ودعا الأفراد إلى المغادرة الطوعية للقصور الذي يُحولهم إلى آلات ووسائل يستخدمها الغير، يَكشِفُ مُغالطات القصور الجمعي وتبِعاتِه المتمثلة في تثبيت الأجيال اللاحقة في القصور، والحكم بالوصاية المؤبدة على الشعب؟

يرفض كانط بالمطلق ممارسة الوصاية على الشعب، وحجب الأنوار الجديدة عن الإنسانية، ويعتبر هذا العمل فاقد للشرعية والمشروعية، مهما تعددت مرجعياته التشريعية والدستورية، إذ لا يمكن لعصر من العصور أن يمنح نفسه سلطة منع العصور المستقبلية من توسيع معارفها، والتخلص من الأخطاء والأوهام، وهكذا قام كانط بإقناع كل من الفرد والدولة بضرورة بلوغ مرحلة الرشد الفكري والسير في دروب الأنوار.

يمتلك هذ النص الكانطي راهنية مُلِحَّة للمجتمع المغربي، وخُطَّة عمل إجرائية لمغادرة القصور والسير نحو الأنوار، وكانط يُفصِّلُ القول في مسؤولية الفرد، مسؤولية المفكِّرين، مسؤولية المؤسسة التربوية، مسؤولية المؤسسة التشريعية، مسؤولية المؤسسة الدينية، مسؤولية المؤسسة الملكية..، خاصة وأن هذا النص يدخل ضمن النصوص التي أحدثت تغييرا، في التاريخ البشري، نظرا لاحترام كانط الإمكانات العقلية الإنسانية، وتفاؤله، بإمكانية استنارة الشعب من تلقاء نفسه، وهي مسألة تدخل في باب الممكن، بل يعتبرها سيرورة حتمية لو تركت له الحرية في ذلك، سيما وأن الذين تحرروا من نير القصور، سينشرون روح التقدير العقلي للقيمة الخاصة بكل إنسان ولتطلعه إلى التفكير بنفسه، بمعنى أن كل شخص استطاع مغادرة كهف القصور، سيعمل على نشر النور، دلالة على قابلية تعليم الفلسفة، وقابلية ممارسة التفكير، واستكمال مسار المشروع الفلسفي الرامي إلى تكريس قيم الاحترام، احترام حرية التفكير، احترام حرية التعبير، احترام الرأي المخالف، احترام الاختلاف، احترام اختيارات الإنسان، واحترام كرامة الإنسان.

الوضع الفكري الراهن في المغرب خطير جدا، والفلسفة رغم وجودها الشكلي المؤسسات التعليمية لا تقوم بوظيفتها، إذ تحولت إلى جثة هامدة بعد إفراغها من عمقها ووطيفتها المركزية، التي هي التفلسف بمعنى القدرة على ممارسة التفكير والمساءلة النقدية.. وهذا لن يتأتى إلا بتشجيع مختلف مظاهر التفكير.. الفلسفة لها وشائج قوية مع الأدب والمسرح والسينما والبيئة والابتكار والإبداع.. وأمام احتكار وسائل الإعلام ونشرها لثقافة التسطيح والتضليل، وانهيار مرجعيات الثقافة المغربية ونشر وسائل الاتصال للمزيد من الترفيه التضليلي فإن الحرب على العقول لم تعد كالسابق مسألة غسيل للأدمغة، يمكن التغلب عليها بالنقاش والتحليل والمقارنة .. بل أصبحت اقتلاعا كليا للعقول مؤازرة بشتى صنوف المخدرات وتذيب الهويات وتحويل الذوات إلى آلات وأدوات.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *