اننا نتوضع بين تيار يقول بأن التمسك بتطبيقات معينة للدين , الذي هو الاسلام في هذه المنطقة , هو سبب التأخر, وتيار آخر يقول بأن التخلي عن تطبيقات اسلامية مختلفة هو المسبب للتأخر , فالتأخر مرتبط بالانكفاء عن الدين والتقاعس في تطبيق شرائعه وأحكامه , وحسب نظرة المغفور له الشيخ البوطي يقوم الله الغاضب بالانتقام من عباده الضالين, أي أن التأخر الحياتي هو نتيجة للتقاعس في التعبد والالتزام بأحكام الله وحاكميته … هل فعلا ينقصنا “تعبد” وهل فعلا يمكن لزيادة التعبد ان يحل مشاكل هذه الشعوب ؟ , بكلمة مختصرة هل التعبد هو الدوا ء , أو أنه الداء ؟؟
التفكير بنظرة التيار الأول ونظرة التيار الثاني , هو في كل الأحوال بقصد حماية المصلحة العامة , والجواب الهادئ المتزن العقلاني هو أيضا من أجل المصلحة العامة , التي تتجاذبها هذه التيارات , التي تمثل من جهة ثقل حضارة الانسان الحديث , ومن جهة أخرى ثقل حضارة ماضوية تراثية محافظة ومحفوظة في قنينة الغيبية المسدودة باحكام , تيار يعتقد بعدم صلاحيتة لكل زمان ومكان , وتيار يعتقد بمطلقية صلاحيته لكل زمان ومكان!
هناك الكثير من الغرابة في أطروحة التيار الذي ينتحل صفة المؤمن والصلاحية لكل زمان ومكان , فماذا عن الشعوب التي تنعم بالرفاهية والأمان , بدون ممارسة الايمان , تنعم بالاستقرار دون الاجترار وبالعقل دون النقل , مجتمعات ملحدة بنظر المشايخ , ومن الكفر التلوث بها لأنها من رجس الشيطان وجنسه , وكيف يمكن لذو عقل تفسير ظاهرة أفغانستان والسعودية والصومال وجمهورية البشير الدينية ثم خلافة أبو بكر بسكاكينها وسواطيرها , وهؤلاء كلهم كانوا القاضي والجلاد , وحكمهم كان بالنيابة عن الله , الذي لاهم له الا رفضهم والانتقام منهم , أطعمهم الفقر الذي أكلهم, والعنف الذي قتلهم , والجهل الذي دمرهم ,هل سبحانه عادلا أو أنه متآمرا مع الأمريكان والطليان والألمان, الذين يتناقشون وينقدون ويطورون ويحترمون الرأي الآخر , لأن وجود الرأي الآخر هو جوهر صناعة نظرة حياتية جديدة وصائبة , صناعة لاتسمح بولادة التعسف والديكتاتورية , وهذه كانت احدى معالم الثقافة اليونانية الرومانية الرئيسية , التي قفزت بالغرب الى الاعالي , بينما قفزت ثقافة سقيفة بني ساعدة , التي حددت الفهم السائد سياسيا ودينيا في هذه المنطقة العربية الاسلامية , بالبشر الى الحضيض.
الاسترشاد بالدين في غير فضائه وخارج مسؤوليته ومهماته , أي في اسقاط الدين الشخصي على الحالة الاجتماعية العامة , هو جوهر المشكلة , وهو الذي قاد الى الوقوع في مطب التأخر والاقتتال , الذي كان شريعة ماقبل الاسلام ,واستمر في الاسلام بشكل حروب طاحنة , ابتدأت قبل حروب الردة ولم تنته بكربلاء , وبالرغم من ذلك لم تستتب الأمور , بل ازدادت تعقيدا وكارثية , لنصل اليوم الى حالة مقبل الاندثار الكامل وحالة الهامشية والانعزال في العالم , وبالتالي الخروج من التاريخ ,فمن يريد البقاء في التاريخ , يجب أن يكون مؤثرا ايجابيا على تطوره , خاصة في مجالات لاتمت للحروب والاحتلالات , هذه الحروب والاحتلالت هي صورة عن الوجه القاتم السلبي للتاريخ , حروب تحولت الى ممارسة ادمانية , حرب من اجل الحرب , حرب لانتاج الخراب والموت , لم يكن الادمان على التحارب وممارسة العنف يوما ما مصدرا للبناء , ولم تهب الحروب الحياة لأي مخلوق بشري مارسها .
كل شعوب المعمورة استفادت من دروس التاريخ , الاستفادة تتطلب اليقين بالحاجة الى المراجعات وللدروس , وهذا يتطلب بدوره الاعتراف بالخطأ أو العجز أو الضعف , الا أننا لانشعر بالخطأ , ذلك لأننا مؤمنين , وبالتالي ملتزمون بمشيئة وارادة الله , أي أن مصدر اخطائنا الافتراضية هو الله ,..معاذ الله ! ,المؤمن صتيعة الله الذي لايخطئ , لذلك لايؤمن بأنه يخطئ , فالله على صواب والمؤمن به على صواب أيضا .
مالعمل في هذه الحالة , التي يحاول البعض الاحتيال عليها , من أشكال الاحتيال تسمية الأشياء بغير مسمياتها, وهكذا أطلقنا اسم النكسة على الهزيمة , فالنكسة هو اسم مستعار للهزيمة , مفهوم النكسة يقلل من حجم المسؤولية الذاتية , وبالتالي يقلل من الحاجة للتعلم , وهكذا لم يتعلم العرب من الهزائم -النكسات , ولم يستفيدوا من دروس التاريخ … ولطالما الأمر “نكسة” فقط , فلا حاجة لدروس التاريخ .
من أشكال الاحتيال التسلح بالجهل وعدم المعرفة وانعدام الخبرة , خواص سمح لها باحتلال العقل ,ولذلك بالطبع مسببات !, من أهمها الشعور بامتلاكهم للحقيقة ذات المصدر الديني الايماني , فمهما تعمق الجهل , يبقى المؤمن على حق , وهو المحتكر للحقيقة , المؤمن لايشك بمصداقية الله , المؤمن لايشك بالوعود الالهية بالنصر المؤكد ولو بعد حين , المؤمن على يقين غير قابل للخضخضة أو الشك بأن الله , يفضله على غيره , لكون ايمانه هو الصحيح , الله يمارس الولاء والبراء معه , وبما أن دين الله هو الاسلام , لذلك عليه مناصرة المسلم … انهم مع الله اخوة , بالنتيجة وللعديد من الأسباب الأخرى لم يتعلموا واستحقوا لقب المستعصي على التعلم , وعدم القابلية للتعلم.
ميرابيطار ,فاتح بيطار :syriano.net
رابط المقال :https://syriano.net/2020/09