الفكر بين هامشه وهامشيته!!!

ممدوح  بيطار :

Image result for ‫المثقف كاريكاتير‬‎  أن وضعية المثقف السوري  الآن كوجود قليل  الفعالية   في   تطوير  المجتمع , يطرح أكثر من سؤال  عن خواص هذا المثقف   وعن الفكر  والثقافة  والمعرفة وعلاقة  كل  ذلك مع   الأزمة البنيوية  ومع مفهوم الفكر  المتأزم  في  هذه  البلاد.

يستند  مفهوم المثقف-المفكر   على الاستنهاض وعدم الاستكانة الى  واقع   الرأي  والموقف   العام التقليدي , وهذا يعني, أن المثقف  او  بالأحرى   المفكر يمارس     وجوده على  حدود     الادراك   العام الخارجية  , ليخترقها   ويخرج  منها   الى  فضاء   مغاير,   وآخر ,  الى   أفق    غير  متواجد في  الواقع  المعاش  ,  الى   الجديد  ,  الذي   تصوره   المثقف المفكر , واعتقد   بأنه  من   الأفضل  ومن   الممكن  تحويله   الى  واقع  جديد   متناسب مع   حياة    أفضل ,   المثقف   -المفكر  هو   صانع للأفكار   الجديدة   الكفيلة     باعطاء   الحياة  دلالات  ومعاني  جديدة.

هناك  مسافة   بين   المثقف-المفكر ,  وبين    الواقع   المهادن   للظروف , والمتأقلم  معها والمبرر   لها  والعامل   بموجبها ,   تناقص   هذه   المسافة    الى  حد  الالغاء  ,  كما   هو  الحال مع    شعراء   البلاط ,  يعني   تحول   المثقف  – المفكر   الى  موظف   يستهلك   الحاضر ولا  يخترق  حدوده, أو  يخلق   مستقبلا   آخر ,انه   بذلك تحول    الى   دهان   او  ملمع   للصور   الموجودة,  الى  منافق   شاتم لخصوم   السلطان, ومادح   له   بكل   ما  أوتي  من   فراغ  ضميري وبلاغة   لسانية .

لقد   تحولت  مطاردة   المثقف -المفكر في   هذه   المنطقة  الى  نوع  من   الرياضة  الدينية -الأخلاقية ,  الكل   يطارد  المثقف -المفكر  ويترصد  أنفاسه,  يمنعوه من  الكلام, وينتظرون  من  كلامه  الغير  منطوق حلا   لكل  مشاكلهم  وتغييرا  لكل  أوضاعهم   ,  دون   ادراك حاجيات   التغيير  والتقدم  المنشود  ودون  ادراك   أهمية حرية غريزة  الكلام  والتعبير  ,  لاتغيير  ولا  تقدم  دون  التشبع   بقيم  التنوير  والمعرفة , ولا  يمكن   للمفكر  المثقف   اختراق  حدود  الواقع  والانطلاق   بتصولااته    الى  آفاق  جديدة  , بدون  أن   يتكلم   بحرية   ويتمكن  من   الترويج   للجديد   في  الحياة  بحرية  ,  وللأفق  الجديد   الواعد بحياة   أفضل .

لاوجود   لثقافة  دون  مثقفين ,ولا  وجود   لحركة  الاستنهاض   وعدم  الاستكانة  والركود لحقائق   الرأي  العام   الشعبوي العمومي   المؤسس  على  الاعتياد  ومناهضة  الجديد,  هذا  يعني  بأن   عمل   المثقف حدودي  ,  أي  على  حدود  الواقع …على  هامشه !! ,كلما   توضع   المثقف  حدوديا  وعلى    الهامش   الخارجي  , تمكن  من  اختراق  هذه  الحدود ,  لكي  يتجول  في   فضاء آفاق  جديدة ,  يعود  بمضامينها   من  حيث   اخترق   الى  واقع   الحياة  ليطورها  ويجددها  .

توضع  المثقف   على  هامش  الحدود  ليس  طوعي   ,  فهو  بحكم  مهمته   حدودي, وصانع  لغير المألوف   والمعتاد  داخل   الحدود ,  انه  بعمله  هذا  محرك   للركود,   وبكل  هذه  الخصائص….من  الهامش  الى  تحريك الركود ,  الى  استنهاض   أفكار  جديد  , الى  البعد عن  المألوف  الشعبوي   الاعتيادي  ,  يضع  نفسه   على  سكة   المعاكسة والمشاكسة  مع   التيار   العام  النافر  من  الجديد  ومن  الاعتياد  على الجديد , وعلى  التأقلم  معه , نافر  ايضا  من  الشعور    بالاملاء  عليه  ,انه  محافظ  بطبيعته  ,والمثقف  يريد  تطبيعه  بطباع  جديدة ,    لذلك  فانه  من  طبيعة  المثقف  أن  يكون  في  معظم  الحالات  من  المغضوب  عليهم , لايمت  المحابي   والممارس  للمواساة  والمستسلم   للواقع , وجمود  هذا  الواقع  للثقافة   بصلة ,  الفكر  الجديد  والمجدد والصدامي   أحيانا   هو   المضمون الرئيسي   للثقافة   ,  التي  عليها   أن  تخترع  وتبتكر   الجديد  الأفضل .

الهامشية والانزواء   في   الجديد ….. في الدين  الاجتماعي  الجديد  ,  ليس من نقائص   المثقف  , وانما  دلالة  على كماله   واكتمال    مهمته , التي  عليه  القيام   بها , مهمة   بعيدة  جدا  عن  مهمة  الحكواتي  والمهادن والمستسلم   الذي   لايستفز  ,انما  يضع  نفسه   في   القولب  الفكرية والمسلكية   المؤدلجة   على  الاستمرارية   الانسيابية  …فكما  كان  الأمس ,  على  اليوم  أن  يكون …انبطاحية  وعقم  فكري  وجمود  حياتي  وقيمي ,   هذه  ليست  ثقافة  وليست  فكر!

ممدوح  بيطار:syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/02

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *