سوريا من الخوف والسيادة والهيمنة والاقصاء الفئوي الى الاندثار !!

سمير  صادق  :

    بالرغم  من  موقف  الاسلاميين في   أوائل  القرن  العشرين  الداعي   الى   الاستكانة   للوضع  الخلافي  العثماني   وعدم   الثورة عليه  واعتباره  حق  وحقيقة , ثم  اعتبار  من يتمرد  عليه  كافر  وزنديق  بحق  الاسلام  , تميزت  المراحل  الأولى  من   حياة  مشروع  الدولة  السورية  بعد  الحرب  العالمية  الأولى  بخاصة   الوطنية  الصادقة والادراك  الصحيح    لسورية  سوريا  ,  وحتى   مشروع  الدستور   ايام  الملك  فيصل  والذي   عمر  وقتا  قصيرا  جدا  كان  ذو صيغة وصبغة مدنية , ولم يربط   الدولة  مع  الدين  بأي  شكل  كما فعلت  المادة  الثالثة  من   دساتير  سوريا  المتعاقبة .

سنوات  بعد  وضع  سوريا من قبل  عصبة  الأمم  المتحدة  تحت  الانتداب  الفرنسي ,   ظهرت  جروح   التهبت   وتقيحت  , ولا يمكن  القول  بأنها  تندبت  وشفيت  تماما  ,  بدأ  التقيح  والالتهاب    بجروح    أخرى  هي  الجروح  القومية -الاسلامية  والتي   تمظهرت  في   دستور  عام ١٩٥٠ ,  ذلك  الدستور  الذي   أكد عروبة  سوريا  واسلاميتها ,وانعكاس   ذلك  على  سياسات  الدولة  الناشئة  وعلى  مسلكية    المواطنين  تجاه   الدولة,  وتجاه  غيرهم  من  السوريين  , الذي  تميز  بالاقصاء  القومي على  يد  العروبيين , والاتجاه  نحو الوحدانية   والتفرد  وتجاهل   البنية التعددية  الاجتماعية .

وجد   الاتجاه  الاحتكاري    لصيغة  الدولة  والذي  تمثل  بكونها  عربية  وكون دينها  الاسلام  دفعا  كبيرا  بعد قيام   الجمهورية  العربية  المتحدة  , التي   ألغت  كل  ماهو  غير  عربي  وحظرت  على  الأكراد (على  سبيل  المثال) حتى  التحدث  باللغة  الكردية  تحت طائلة  العقوبة   ,بعد  الانفصال   استمر  الدفع   القومي  العربي  باتجاه  الالغاء  وبالتالي  باتجاه  خلق  مشكلة  لم يكن  لها   أي  ضرورة  , حكومة  الانفصال  جردت  عشرات  الآلاف  من  الأكراد من  جنيسيتهم  , وبالتالي جردتهم  من  حقوق  المواطن  , أما  البعث  الذي   أتى  بعد  عام ١٩٦٣   فقد  استفحل  في  خلق  الاشكاليات   بحق  الأكراد   وغير  الأكراد  ,  البعث  طبق  مشروع  الحزام  العربي  وبموجبه  تم  نزع  الأراضي  الزراعية  من  الأكراد واعطائها   للعرب   وذلك  على  طول  ٣٥٠  كم  وعمق  ٢٠ كم , اضافة  الى تهجير  الأكراد  وتعريب  مناطق  سكنهم .

دستور  ١٩٧٣   المفصل  على  قياس  الأسدية   مارس  الابتلاع  والتقزيم     , اختزل  الدولة   بالعروبة  والجنس   العربي  , واختذل  العروبة  بحزب  البعث  , واختذل  البعث  بالأسد  , وعام  ١٩٧٣ كان  عام  حزب  البعث  كقائد  للدولة  والمجتمع , لذلك   تم  التضييق  على  كل  ماهو      ليس  بعثي …لانشاطات  كردية  ثقافية  .. لا استعمال  للغة  الكردية  ..لا يجوز  للشركات  استخدام   أسماء  كردية  , لايجوز  التصرف  والاستثمار  في  المناطق  الكردية   ,  أما بعد عام ٢٠٠٠  فقد  حدثت   الاشكاليات  الأكبر  والتي  تمثلت  عام ٢٠٠٨  بمرسوم تشريعي  خاص  بملكية  الأراضي   وهدفه  التضييق  على  الأكراد في  المناطق  الكردية  ,  الأمر كان  متوترا  حتى قبل  ذلك  اي  في  عام  ٢٠٠٤   اذ كانت  هناك  مجزرة  في  الملعب  البلدي   لمدينة  القامشلي    راح  ضحيتها العديد  من   الأكراد  .

محاولة   جذب  الأكراد  الى جانب  السلطة   أتت بعد عام  ٢٠١١  أي  بعد  انفجار  الثورة  ,   لقد كان  هناك  مرسوما  باعادة   الهوية  السورية  الى  عدد  من  الأكراد  , بعد  ذلك جاء  الالغاء    الشكلي  للمادة  الثامنة , لم تكن   هذه  التطورات  نتيجة  للقناعة   بمبدأ   المساواة  واعتبار  الكردي  مساويا  للعربي  , وانما  بسبب  الحاجة  الى دعم  الأكراد  للسلطة   وذلك   للانتصار  في    الحرب  ,   وبعد   الانتصار   كالعادة  أخذ باليسرى  ما   أعطي  باليمنى   , كل  ذلك كان  نوعا  من البرطيل  المحدود جدا ,  وذلك  للقيام  بمهمة   داعمة  للسلطة   عسكريا , اذ لم يتغير أي  شيئ  في تركيبة النظام  الأسدي  المحتكر  لكل  شيئ  ,لازال  مدير  المنطقة  في قضاء  كردي   ساحلي  المنشأ , اضافة الى مدير  البنك باستثناء  المختار… المحافظ  ساحلي  كذلك  مدراء  المدارس   والأمن  والجمارك     والحياة  الرسمية  …كلهم عرب , بالتوازي  مع  عرف  التعريب   استمر  عرف  التصفية   بأقبح   أشكاله   , لم  يكن ما  قدمته  الأسدية  كافيا ,  لذا    كان  من  الضروري  تصفية الأشخاص   المشاغبين   كمشعل  التمو   ,  الذي   انصرف    بعدة  رصاصات  الى  رحمته  تعالى . 

حالة  الأكراد انطبقت   بشكل  عام  على  كل  فئة    ليست   أسدية في  الخدمة , ولاشكالية  كل  فئة  كان  هناك  دواء  معين ,  هناك  فئة ملت  من  اعتبارها  من  الدرجة  الثانية   وهاجرت   ,  هناك  فئة  وقفت  المادة  49  لها  بالمرصاد   , وهناك  فئة    كان  التخويف  دواء  لدائها , والشيئ   الوحيد  اللافت للانتباه   كان  موقف  شتات   المعارضات  الرافض    لكل  ماهو  سلطوي   أسدي   باستثناء   الموقف  تجاه  الأكراد ,  فجميع  هذه  المعارضات  الرافضة  للسلطة  الأسدية  رفضا  كاملا    توحدت  مع      السلطة   في  موضوع  الأكراد ,  حتى   أنه  بدى    وكأن   السلطة   أقل  تشنجا   حيال  الأكراد  من  بعض  المعارضات  خاصة   المعارضات  الاسلامية!  

الانسان  السوري  بشكل  عام قلق  ومعرض    للتخويف   , كلهم  خائفون  من  علوي  الى سني  الى مسيحي  الى  كردي   الى   آشوري  ..الخ , وكلهم  يعتقدون  بضرورة   السيطرة  على  الآخر  واقصائه , وبذلك  انتفى     وجود مجتمعا  سوريا يمكنه   احتضان  الدولة  الناشئة   , التي  انزلقت  الى طور  ماقبل  الدولة  , وهذا  الانزلاق  لم يأت عن   عبث  ولم  يسقط  من  السماء   , وانما هو  من مقومات  ومقدرات    سكان  سوريا  , منهم كان  هناك  سوريين ادراكا  ووعيا   وانتماء  , عدد   لايستهان  به كانوا    عروبيون   واسلاميون   و أكراد  وعلوييبن  وسنة   قبل   أن يكونوا سوريين ,   الخوف  من  الآخر  كان  هاجس   الجميع ,والميل  الى  الهيمنة  كان  عند  معظمهم  خاصة  العروبيون-الاسلاميون , والهيمنة  كانت   ترجمة  للاقصاء , فلا  عجب  من   انقراض  دولة  لاتملك  من مقومات  الوجود بشكل رئيسي     سوى   خوف  فئة من  فئة        أخرى ,   ومحاولة  هيمنة  فئة  على   أخرى ,وسيادة عرق وثقافة  على  عرق  وثقافة   أخرى   واقصاء  فئة  من  الأخرى ..

سمير  صادق:syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/01

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *