هل هناك حاجة الى الله ؟ , أو الى نيتشه وطرابيشي !

ممدوح   بيطار:

   ماذا نحتاج هذه الأيام ؟ وهل القول بأننا نحتاج هذه  الأيام  لكل ماتوفر في الخمسينات مبالغ به , أو اننا نحتاج لكل مايتوفر للانسان في  دولة حتى متأخرة , أي أننا متأخرين عن التأخر , ليس فقط الخبز والملح والماء والكهرباء والحرية والأمان والعمل والكرامة , انما فوق كل ذلك تسلط وحش الماضي التراثي المخجل العفن الثأري والرجعي والقطعي الديني على حاضرنا ومستقبلنا , يشدنا الى الوراء بتطرف وعنف وعناد لامثيل له , يريد ارجاعنا الى عصر السيف والترس والى الخلافة والغلمان والجاريات …الى ولي الأمر كما هو حال تطبيقات داعش والنصرة ..الاسلام السياسي !
لامجال للتكاذب والخداع يا اهل الاسلام السياسي , لقد رأينا أفعالكم ولمسنا نتائج أعمالكك وقرأنا ترهاتكم ,وليس لنا من خيار الا مواجهتكم , انكم تريدون التحكم برقابنا من المهد الى اللحد وبأسلوب التوحش وبواسطة العقل الضامر المهزوم أمام الحنابلة والغزالي والحضارة الساقطة الاجترارية التكرارية الانحطاطية السلفية ,يريدون تحكم الأموات بالأحياء وتحكم الغيبية التقديسية الأسطورية بالعقلانية العلمية الأرضية الحديثة .
لاتحرير ولا تقدم ولا ملح ولا ماء ولا سلام ولا نهاية للانشطار والتقسيم والحروب دون التصدي للمقدسات ونقدها  ثم   حذفها  والتخلص  منها  , لا امكانية للنصدي للطائفية دون التصدي للطوائف , فالطائفية هي من أنتاج الطوائف , لامناص من التصدي لحديث الفرقة الناجية ,ولا مناص من نبش الماضي وتحليل حيوانية هذا الماضي الذي تسلل الى الحاضر ذئبا مفترسا ووحشا كاسرا .

االمحاباة والانهزامية بحجة احترام المقدسات ليس الا مخاتلة ومتاجرة , فالمقدسات هي عدو البشرية الأول , المقدسات تحجر البشرية التي لاتعيش ولا تتكامل الا من خلال التطور الذي لايستقيم مع المقدس , الصدمة الروحية التي مارسها نيتشه ورينان وفولتيير واسبينوزا كانت ضرورية للبشرية أكثر من ضرورة الأديان لها , وماذا فعلت الأديان بالبشرية منذ أن وجدت حتى اليوم , واذا كان وجودها الافتراضي في الماض ضرورة , فما هي ضرورتها في هذا العصر ؟؟؟

 لنفكر بالعصبيات الطائفية المبنية على المقدسات التي تتباين مع بعضها , والتي تقود حتما الى التحارب كوسيلة لحسم تضارب المقدسات والخلاف حولها , الأمر ينتهي بوجوب طاعة ” المتغلب “, فكيف يمكن تدارك الأمر وايقاف ذلك التدمير الذاتي الناتج عن صدام المقدسات والتحارب مع بعضها البعض دون نقد هذه المقدسات ونقد الطائفية والطوائف ثم نقد حديث الفرقة الناجية المقدس والمترسب في الوعي والادراك الجماعي , وكيف يمكننا أن نتقدم في ظل مفاهيم الولاء والبراء وطاعة ولي الأمر المتغلب أو الفاسق أو حتى الجائر دون نقد وتفكيك وتحليل ثم التحرر من الراسخ السيئ في الادراك والغير ملائم للحياة الحاضرة والمستقبلة .

بدون شك ينقصنا الخبز والملح, وبشكل مواز ينقصنا الفكر,خاصة الفكر الناقد, الذي يحررنا من تحكم الماضي بالحاضر والعصور الوسطى بالحديثة , ينقصنا اسبينوزا السوري الذي عرى العقائد اليهودية  ـالمسيحية , ينقصنا نيتشه الذي نقد المسيحية وارنست رينان في نقده التصورات التبجيلية الأسطورية التقديسية اللاتاريخية ,ماعندنا من جورج طرابيشي ومحمد أركون وغيرهم لايكفي , خاصة لأن المعدة الفارغة لاتسمح بشراء الكتب , والأمية لاتسمح بقراءة الكتب , والجهل لايسمح بفهم الكتب , وحتى ان مضمون هذه الكتب أصلا وبدون قراءة متهم بالتفلسف والزندقة ومتضارب مع ديكتاتورية الوحدانية الفكرية ,لاتقبل الوحدانية الفكرية المغلفة بالتقديس أي فكر الى جانبها , لأن الفكر الآخر سيقضي عليها , انها نشأة ومسلكية وهدفا شكلا من أشكال الديكتاتورية الخطرة والعسيرة على العلاج.

  ديكتاتورية الوحدانية الفكرية المستلهمة من الوحي الديني, هي المسبب الرئيسي للانغلاق والتمركز حول الذات ونبذ الآخر وعدم القدرة على التواصل مع العالم برحابة صدر , هناك حاجة متبادلة بين     الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية الفكرية ,وهناك تلازم بين الديكتاتورية الفكرية والسياسية , تلازم ينتج قوة قهرية قادرة على سحق الانسان, بقمع الرأي المخالف ونبذ المختلف الزنديق المهرطق , تلازم يحارب الحرية ويجرم العقل لمجرد محاولته ممارسة المغامرة والمفاكرة خارج أسوار النص .

ممدوح  بيطار:syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/01

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *