بالرغم من موقف الاسلاميين في أوائل القرن العشرين الداعي الى الاستكانة للوضع الخلافي العثماني وعدم الثورة عليه واعتباره حق وحقيقة , ثم اعتبار من يتمرد عليه كافر وزنديق بحق الاسلام , تميزت المراحل الأولى من حياة مشروع الدولة السورية بعد الحرب العالمية الأولى بخاصة الوطنية الصادقة والادراك الصحيح لسورية سوريا , وحتى مشروع الدستور ايام الملك فيصل والذي عمر وقتا قصيرا جدا كان عديم الصبغة الطائفية ولم يربط الدولة مع الدين بأي شكل كما فعلت المادة الثالثة من دساتير سوريا المتعاقبة .
سنوات بعد وضع سوريا من قبل عصبة الأمم المتحدة تحت الانتداب الفرنسي , ظهرت جروح التهبت والتأمت , ولا يمكن القول بأنها تندبت وشفيت تماما , بدأ التقيح والالتهاب بجروح أخرى هي الجروح القومية -الاسلامية والتي تمظهرت في دستور عام ١٩٥٠ , ذلك الدستور الذي أكد عروبة سوريا واسلاميتها , وانعكس ذلك على سياسات الدولة الناشئة وعلى مسلكية المواطنين تجاه الدولة وتجاه غيرهم من السوريين , الذي تميز بالاقصاء القومي والاتجاه نحو الوحدانية والتفرد والغاء التعددية .
وجد الاتجاه الاحتكاري لصيغة الدولة والذي تمثل بكونها عربية وكون دينها الاسلام دفعا كبيرا بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة , التي ألغت كل ماهو غير عربي وحظرت على الأكراد التحدث باللغة الكردية تحت طائلة العقاب ,بعد الانفصال استمر الدفع القومي العربي باتجاه الالغاء وبالتالي باتجاه خلق مشكلة لم يكن لها أي ضرورة , حكومة الانفصال جردت عشرات الآلاف من الأكراد من جنسيتهم , وبالتالي جردتهم من حقوق المواطن , أما البعث الذي أتى بعد عام ١٩٦٣ فقد استفحل في خلق الاشكاليات مع الأكراد وغير الأكراد , البعث طبق مشروع الحزام العربي وبموجبه تم نزع الأراضي الزراعية من الأكراد واعطائها للعرب وذلك على طول ٣٥٠ كم وعمق ٢٠ كم , اضافة الى تهجير الأكراد وتعريب مناطق سكنهم .
دستور ١٩٧٣ المفصل على قياس الأسدية مارس الابتلاع والتقزيم , اختزل الدولة بالعروبة والجنس العربي , واختذل العروبة بحزب البعث , واختذل حزب البعث بالأسد , وعام ١٩٧٣ هو عام حزب البعث كقائد للدولة والمجتمع , لذلك تم التضييق على كل ماهو ليس بعثي …لانشاطات كردية ثقافية .. لا استعمال للغة الكردية ..لا يجوز للشركات استخدام أسماء كردية , لايجوز التصرف والاستثمار في المناطق الكردية , أما بعد عام ٢٠٠٠ فقد حدثت الاشكاليات الأكبر والتي تمثلت عام ٢٠٠٨ بمرسوم تشريعي خاص بملكية الأراضي وهدفه التضييق على الأكراد في المناطق الكردية , الأمر كان متوترا حتى قبل ذلك اي في عام ٢٠٠٤ كانت هناك مجزرة في الملعب البلدي لمدينة القامشلي راح ضحيتها ٣٤ شخصا من الأكراد .
محاولة جذب الأكراد الى جانب السلطة أتت بعد عام ٢٠١١ أي بعد انفجار الثورة , لقد كان هناك مرسوما باعادة الهوية السورية الى عدد من الأكراد , بعد ذلك جاء الالغاء الشكلي للمادة الثامنة , لم تأت هذه التطورات نتيجة لقناعة بمبدأ المساواة واعتبار الكردي مساويا للعربي , وانما بسبب الحاجة الى دعم الأكراد للسلطة الأسدية , وذلك للانتصار في هذه الحرب , , كل ذلك كان نوعا من البرطيل المحدود جدا , وذلك للقيام بمهمة داعمة للسلطة عسكريا , اذ لم يتغير شيئ في تركيبة النظام الأسدي المحتكر لكل شيئ , لايزال مدير المنطقة في قضاء كردي ساحلي, اضافة الى مدير البنك باستثناء المختار… المحافظ ساحلي كذلك مدراء المدارس والأمن والجمارك, واللغة العربية والحياة الرسمية …كلهم عربي , استمرت التصفية العرقية بأقبح أشكالها , مشعل التمو لم يكتف بما قدمته الأسدية لذلك كان عليه الانصراف الى رحمته تعالى .
لقد كان ذلك موجزا توصيفيا لحالة الأكراد الذين يشكلون على الأقل ١٥٪ من تعداد سكان سوريا ,اننا نرى كرونولوجيا ازدياد التعسف العربي المتمثل بتعسف السلطات المتعاقبة منذ عام ١٩٥٠ , , وما هو حال المعارضة بأشكالها المختلفة حيال قضية الأكراد ؟ , جميع المعارضات مهما كانت , رفضت السلطة الأسدية رفضا كاملا , الا في موضوع الأكراد حيث تجلت وحدة السلطة الأسدية مع وحدات المعارضة المختلفة , وأحيانا بدت السلطة الأسدية أقل تشنجا من بعض المعارضات خاصة الاسلامية.
الانسان السوري بشكل عام قلق ومعرض للتخويف وهو بالتالي خائف , كلهم خائفون من علوي الى سني الى مسيحي الى كردي الى آشوري ..الخ , وكلهم يعتقدون بضرورة السيطرة على الآخر واقصائه , وبذلك انتفى وجود مجتمعا سوريا حاضنا لتلك الدولة السورية , التي انزلقت الى طور ماقبل الدولة , وهذا الانزلاق لم يأت عن عبث , ولم يسقط من السماء , وانما من مقومات ومقدرات سكان سوريا , القليل منهم كانوا سوريين ادراكا ووعيا وانتماء , لقد كانوا عروبيون واسلاميون و أكراد وعلوييبن وسنة قبل أن يكونوا سوريين , لاعجب من انقراض دولة لاتملك من مقومات الوجود بشكل رئيسي سوى الخوف ..